ماهية الأدب؟
1- إن عنايتنا بالأدب أولاً وقبل كل شيء ترجع إلى أهميته الإنسانية العميقة الباقية، فالأدب سجل حي لما رآه الناس في الحياة، ولذلك كان الملوك والأمراء والوزراء يتخذون لأبنائهم الصفوة المختارة من أهل العلم والمعرفة، فينقطعون لهم لتهذيبهم وصقل عقولهم؛ ليكون لهم من هذا الرصيد ثروة ينفقون منها، ومعين يستعينون به إذا ما أعوزتهم الحاجة إلى التعبير.
العلاقة القائمة بين الأدب والمجتمع:
الأدب حين يتأثر بالمجتمع، إنما يعكس فهمه هو على هذا المجتمع، والأدب تصوير لهذا الفهم ونقل له، إما أن ينقل الأديب حياة المجتمع، أو أن يكون المرآة التي تعكس حياة هذا المجتمع، فالأدب يتخذ لنفسه دائماً موقفاً فكرياً من مجتمعه عن طريق العلاقة القائمة بين الأدب والمجتمع.
فالأديب له فرديته، ولا شك، ولكنها الفردية المتحققة بوجود المجموعة وفيها، وهو كذلك له عبقريته المبدعة، ولكن ما يبدعه لا يكون له قيمة إلا بما يحدثه من أثر في المجموعة.
فالأدب هو الإفراز الحي لمشاعر وأحاسيس المجتمع، والمجتمع بمثابة الرحم الذي يحتضن ذلك العمل الأدبي حتى ينمو ويظهر على مسرح الحياة الأدبية.
الأدب ورسالته:
الأديب الحق هو من تأثرت نفسه بالحياة ومظاهرها تأثراً خاصاً يتفق مع نفسيته ومزاجه، ثم هو يحاول بأدبه أن ينقل هذا التأثير إلى الناس، ويجعلهم يشعرون بما يشعر به، وينفعلون بما ينفعل به، فإن هو لم يتأثر وحاول أن يؤثر في الناس كان أديباً مزيفاً، وكان الفرق بينه وبين الأديب الحق كالفرق بين النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة.
الفرق بين الأديب والفيلسوف؟
الفاحص يجد أن رسالة الأديب من جنس رسالة الفيلسوف، فكلاهما يرمي أو يجب أن يرمي إلى إبراز الحقيقة، ونقلها إلى السامع أو القارئ، وغاية ما بين الفيلسوف والأديب من فرق أن الفيلسوف ينقلها إلى عقل السامع أو القارئ، والأديب ينقلها إلى قلبه، ومن أجل هذا يستعين الفيلسوف بالمنطق وما يتبعه من مقدمات محكمة ونتائج مستلزمة، فهي بالعقل أليق، والأديب يؤدي الحقيقة عن طريق الأسلوب الرشيق، والمعنى الرقيق؛ لأنهما بالقلب أليق.
عناصر تكوين العمل الأدبي:
1- الثقافة:
هي الإلمام بجميع فنون الحياة بصفة عامة، والعمق في استعمال الألفاظ والأساليب وفنون الأدب بصفة خاصة، وتتمثل قوة الثقافة في قوة التصوير الذي يحدث التأثير المطلوب عن طريق المجازات والاستعارات والكنايات، فهذه الصور تبين لنا مقدار تصور الأديب للأشياء، وانعكاس ثقافته في إدراك العلاقات بينها، فقد يكون الأسلوب قوياً وقد يكون واضحاً، ولكنه لا يُحدث أثره المطلوب من الإمتاع، فيبدو سقيماً بارداً.
2- العاطفة:
هي مجموعة المشاعر والتكوينات النفسية التي تتكون بداخل الأديب منذ طفولته، وحتى يكون العمل الأدبي على درجة كبيرة من الجودة والتأثير لا بد من العاطفة الصادقة، فهي التي ترعش وجدان الشاعر وخياله، وتؤثر في حسه فيبدع الإبداع كله.
3- الخيال:
هو ما يلجأ إليه الفنان في تجربته حينما يرغب في تجسيد إحساساته المبهمة وتصويرها تصويراً واضحاً، والخيال هو الذي يهب العمل الأدبي رشاقته، ويفرق بينه وبين غيره من الأعمال غير الأدبية، فهو الذي يكسب العمل الأدبي بريقه ولمعانه وحيويته.
4- التأمل:
وهو المرآة التي يستطيع الأديب من خلالها أن يفكر ويقلب ما يراه من أمور ومشكلات إنسانية يتأملها بنشاطه العقلي، فهي مرحلة أقرب من وضع الحامل لوليدها.
5- البيئة:
هي عامل مؤثر في تكوين العمل الأدبي، وهذا أمر نلاحظه حتى في عصرنا الحديث؛ حيث تختلف البيئات وتتمدد، وإن كانت في إقليم لا يتسع لأكثر من عدة أميال.
6- المرئيات:
مما لا شك فيه أن ما يقع عليه حس الأديب شاعراً كان أم كاتباً لا بد أن ينعكس على أسلوبه من خلال إبداعه الفني، ومن ثم كانت المرئيات بمثابة النوافذ التي يستنشق من خلالها الأديب ما حوله من صور حية، ومواقف إنسانية يجيش بها صدره، فيعبر عنها قلمه، فتأتي موحية لما وقع عليه حسه، فالشاعر الجاهلي عندما يريد أن يعبر عن أسمى المعاني الإنسانية مثل الكرم والشجاعة جاء بما يوحي به من مرئيات محسوسة ملموسة، فيعبر عن الكرم بالمطر، وعن الشجاعة والإقدام بالغضنفر، وهكذا نجد أن اختلاف المرئيات يؤثر ويظهر بوضوح في العمل الأدبي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.