محاضرات السادسة صباحاً هي الأمتع بالنسبة لي، أستيقظ فجراً لأحضر إفطاري، وأفتح نافذة غرفتي ليتخللها ضوء الصباح، أفتح اللابتوب لأبدأ جولة المحاضرات داخل غرفتي في وقت باكر من اليوم؛ حيث الجميع نيام.
أطرح في هذا المقال تجربتي الشخصية في التعلم الحر، مقالتي هذه لكل طالب تعثرت ظروفه في الحياة، ورأى أن لا سبيل لاكتمال حلمه، وهي أيضاً لكل من كتب لهم القدر أن يكونوا في صفوف جامعات مملة لا حياة بها، ولا تحقيق أهداف، كلماتي هنا لكل من أحب تجربة الفجوة الدراسية أو بما يسمى "GAP year"، وهي بالأساس فكرة في المجتمع الغربي؛ حيث يتجه إليها الطلاب بعد الثانوية لخوض تجارب مختلفة، وهي في الغالب تكون مفيدة للتأهيل لما قبل الحياة الجامعية.
باختصار سريع لمن لا يعرف ما هو التعلم الذاتي، أعرفه بكلماتي: هو أن تحصل على العلم بنفسك ولنفسك، هو أن تعرف كيفية الوصول إلى المعلومة التي تريد من دون أن يكون هناك معلم يوصلك بها.
اخترت أن أعرف مبدئياً ما أحب وما هو شغفي، وما أريد فعله في حياتي، فعرفت أني أحب اللغات والتحدث والكتابة، وكل ما هو متعلق بالصحافة والإعلام.
عملت على البحث – باللغتين العربية والإنكليزية- عن كل ما يتعلق بتلك الأمور، وكان تحميل الكتب بما يتعلق بقراءتها وتلخيصها أول وسيلة اتجهت إليها، ثم من بعدها إلى فيديوهات اليوتيوب بشتى الأنواع بداية من المحاضرات مروراً بالمقاطع القصيرة لطلاب يتحدثون عن شيء درسوه، انتهاء بمقاطع لتجارب شخصية بحتة.
عرفت بعدها من صديق أن هناك ما يسمى بالدراسة عن بُعد -online courses- من جامعات عالمية في أميركا، وبريطانيا، وأستراليا وغيرها، اتجهت لهذا النمط من الدراسة؛ حيث عملت على التسجيل في تلك الدورات، مما فتح لي بعد ذلك طريق التخصص (specialization)؛ حيث تمنح الجامعة مجموعة من الدورات بالاختبارات والشهادات الموثقة ومن ثم مشروع التخرج، اتخذت منهجية للدراسة حتى أعلم نفسي بنفسي، فجمعت بين الكتب الخارجية والكتب الدراسية، وعملت على الحصول على تخصص إعلامي يسمى "Become a journalist"، وهو ما تعلمت فيه كل أساسيات الإعلام.
التحدث عما تعلمته من هذه التجربة له حيز كبير جداً من الاهتمام، أستيقظ باكراً لأعمل على واجباتي -التي يكون محدداً لها وقت نهائي للتسليم- بكل حماسة واهتمام.
فكرة أن أعمل ويتم تقييمي من زملائي كانت فكرة جديدة ومختلفة، فكتابتي لمقال وإرساله إلى فصلي الافتراضي وانتظار تقييم زملائي علَّمني أن أفهم وجهات النظر المختلفة، وأن أهتم بنصائح غيري، وعلى نفس الصعيد كنت أقيّم زملائي فأفكر أولاً وأخيراً أنني أقيم عملاً وليس شخصاً.
يختلف التعلم الذاتي عما تعودنا عليه جميعاً حيث المعلومة أو الدرس تؤخذ من المعلم أو الأم وفقط، كانت تلك نقطة تحول مختلفة جداً بالنسبة لي تحديداً؛ لأن اعتمادي الأول والأخير دائماً كان على الأشخاص، فتطور لديَّ التعلم الذاتي بشكل كبير جداً "self-learning".
في هذه الفصول الافتراضية يسجل لنا الدكتور مقطعاً مدته من 5 دقائق على الأقل إلى 10 دقائق على الأكثر، يشرح لنا فكرة الدرس "concept" وما علينا فعله، بعد ذلك علينا أن نبحث جيداً حتى نصل إلى كل ما نحتاج فهمه من هذا الدرس، كقراءة المقالات على عدة مواقع ومشاهدة الفيديوهات وما شابه ذلك حتى تصلنا المعلومة كاملة.
أما الفائدة التي حصلت عليها ولم تسمح لي الفرصة أن أخوضها في صفوف تعليمية بلا تنوع هي تكوين معارف مختلفة من أعمار ودول مختلفة، تعرفت على زملاء من دول متعددة مثل دول شرق آسيا، وإفريقيا، وأميركا اللاتينية وغيرها، كما حظيت بأن يكون زملائي من أعمار أيضاً مختلفة، بداية من العشرينيات وانتهاء بالخمسينيات، وبالتالي سمح لي ذلك بالتعرف على الاختلاف في الثقافات والمجتمعات والمراحل العمرية، تعلمت أيضاً أن أحفز نفسي وأشجعها إذا أحسنت، وأيضاً أوبّخها إن تأخرت عن أعمالها وتسليم واجباتها.
وقد تكون إحدى الثمار الإيجابية لهذا التعلم الذاتي أنني استطعت الالتحاق بأعمال مختلفة، ومن ضمنها حضور مؤتمر إعلامي عن المرأة والطفل بمجرد حديثي مع أحد الأشخاص المعنيين بأنني حاصلة على شهادة تؤهلني لحضور ذلك المؤتمر.
وكما ذكرت الإيجابيات أذكر السلبيات في التعلم الذاتي، إحدى السلبيات الكبيرة هي افتقاد المنافسة على أرض الواقع، وعدم وجود النشاطات الطلابية، وانعدام المهارات الاجتماعية تلعب هنا دوراً كبيراً أيضاً.
تعد تجربتي للتعلم الذاتي من أنجح تجاربي في الحياة حتى الآن، فالعمل على البحث على معلومات ثرية والالتحاق بجامعات مرموقة والنجاح بها تجربة عظيمة.
أنصح كل أقراني بخوض تلك التجربة، كما أنصحهم أيضاً بمعرفة ميولهم وشغفهم، وما يريدون تحقيقه في حياتهم العلمية والعملية؛ لأن التخطيط هو أهم أساس النجاح.
التعلم الذاتي هو أن تكون المعلم والمتعلم في آن واحد، كما أن عملية التعلم الذاتي هي عملية مستمرة مع الإنسان من المهد إلى اللحد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.