لم أعتَد أن أمسك العصا من المنتصف، وأفضل دائماً أن أصدح برأيي برغم المتاعب ابتغاء وجه الله والمصلحة العامة.
ولأن "الحق يحتاج إلى رجلين: رجل ينطق به، ورجل يفهمه"، كما يقول جبران خليل جبران الأديب اللبناني.
قررت أن أكتب لمن كَانَ له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، واخترت هذا المنبر حتى أرفع الحرج عن الصحف والمواقع المصرية التي تنشد الحياد.
بضعة أيام تفصلنا عن معركة نقابة الصحفيين في انتخابات التجديد النصفي، وفي المعارك الانتخابية تتوه الحقائق، وتعلو المصالح الشخصية، ويهيم الدراويش بقائدهم حتى ينعتوه ملاكاً، ويقذفوا منافسه شيطاناً أعظم؛ حيث لا منطق، ولا ضمير، ولا مهنة.
تأتي هذه الانتخابات في فترة هي الأسوأ من عمر تاريخ قلعة الصحفيين.
النقابة محاصرة بفعل فاعل.. الدولة، والمجتمع، وأبناؤها أيضاً، والانتخابات إما أن تخرج النقابة من عثرتها، أو تلقي بها إلى غيابات الجب.
70 مرشحاً على 6 مقاعد لعضوية مجلس النقابة، و7 مرشحين أعلنوا عن رغبتهم في قيادة الصحفيين في هذه الفترة الحرجة، تضيق المنافسة بفعل قواعد اللعبة بين مرشحين فقط.
النقيب المنتهية ولايته يحيى قلاش، ومدير تحرير الأهرام وعضو مجلس إدارتها عبد المحسن سلامة.
الاثنان في تقديري مع كامل الاحترام لشخصهما، لا يمكن لأحدهما أن يكون رجل المرحلة، لكنها خُطى كتبت علينا.
يحيى قلاش صاحب التاريخ النقابي عضواً، ثم سكرتيراً عاماً، قدم أداءً هو الأسوأ في تاريخ العمل النقابي.
فشل في تحقيق برنامجه الذي أهداه لأعضاء الجمعية العمومية في كتيب أنيق من 16 صفحة.
ذهبت وعوده بأجر عادل 3 آلاف جنيه كحد أدنى، وإلغاء الحبس في قضايا النشر، ومنع الفصل التعسفي أدراج الرياح، فلا هو حفظ للصحفيين كرامتهم وحقهم في الحياة بحد الكفاف، ولا هو صان حريتهم ولا حريته هو شخصياً بعد أن انتهكتها الدولة، وبات هو ووكيلا النقابة على مشارف السجن في سابقة تضرب الحريات في مقتل.
الخدمات داخل النقابة بفضل قلاش، وسكرتيره العام جمال عبد الرحيم تدنت إلى أحط مستوياتها.
رفعت الأسعار مرتين في عامين، أصبح الصحفي ضيفاً على "المقاولون العرب" في نقابته، وبات مطالباً باصطحاب "قرطاس" من السكر ليحلي به مشروبه، وربما أيامه المرة داخل النقابة "بيته".
قدمت لقلاش عشرات الشكاوى من المعاملة غير اللائقة ممن يديرون مطعم وكافتيريا النقابة وصلت إلى حد "سب الدين" للنقيب والنقابة، لم يعِرها اهتماماً، ولم يتخذ إجراءً يحفظ به كرامة زملائه إلى الحد الذي دفع مجموعة من الصحفيين إلى التجمع تحت رابطة "صحفيون ضد الاستكراد".
تحولت النقابة إلى مرتع لمنتحلي الصفة الصحفية، وأعضاء الحركات السياسية، والناشطين من غير أعضائها، والحبّيبة، وكل عابر طريق.
النقابة وصحفيوها لم تهدر كرامتهم في مايو/أيار الماضي على يد الشرطة باقتحامها "المخالف للقانون"، ولا بحصارها بالمواطنين الشرفاء "المدفوعين" على أنغام تسلم الأيادي، فتلك ضريبة دفعها من قبلنا الأطباء، والمحامون، والقضاة أيضاً!
النقابة أُهدرت كرامتها على يد نقيبها، وقائدها يوم ضرب استقلالها في مقتل، بعدما أصر في اجتماع الجمعية العمومية على دعوة الرئيس "رأس السلطة التنفيذية" لرعاية اليوبيل الماسي للنقابة بالمخالفة للأعراف والتاريخ النقابي.
يومها قال قلاش للجمعية العمومية الغاضبة: موتوا بغيظكم "اللي مش عاجبه يمشّيني"، قبل أن يهرع مستنجداً بنفس الجمعية العمومية؛ ليشكو لها قسوة السلطة ورأسها الذين منحوه 50 مليون جنيه دعماً من قبل.
ساندنا نقيب الصحفيين في اقتحام النقابة؛ لأننا كنا نساند مهنتنا ضد بلطجة النظام، برغم اعترافنا بالأخطاء من جانبنا، وبسوء إدارة النقيب للأزمة، لكننا تربينا على الاتحاد في الأزمة انتظاراً ليوم الحساب، ويوم 3 مارس/آذار هو يوم الحساب.
مَن يرون في انتخاب قلاش نصراً للصحفيين ضد النظام، وتحصيناً للنقيب من السجن واهمون، ويغمضون أعينهم عن الواقع، مدفوعين بحماس ثوري لا يملكون أدواته.
أُذكرهم بأن الدولة لم تتورع عن تحويل النقيب والوكيلين للمحاكمة، وأن الرئيس أجاب بارتياحية "دون حرج" عن سؤال طرحه مذيع التلفزيون البرتغالي عن حبس نقيب الصحفيين، بكلمة واحدة: "القضية جنائية".
من يدعون إلى انتخاب قلاش معولين على انتصار زائف أقول لهم: مضى أكثر من 9 أشهر من عمر الأزمة لم يستطِع قلاش فيها احتواءها؛ بل تدهورت الأمور، فكيف يتصورون أن الحل قادم بعد انتخابه؟!
هذه الانتخابات في تقديري هي آخر فرصة للصحفيين لحفظ ماء الوجه، والخروج من النفق الضيق بعد أن أصبح قلاش جزءاً من الأزمة.
لكل مرحلة معطياتها، اليوم نحن الطرف الأضعف فالنظام نجح بأجنحته وأجهزته وإعلامه وعملائه داخل الجماعة الصحفية في حصار النقابة.
كفانا مكابرة، ومقامرة بمستقبل مهنتنا، ونقابتنا.
"لا ترفض الرجوع خطوة للوراء.. فلا تنس أن السهم يحتاج أن ترجعه للوراء لينطلق بقوة إلى الأمام".. أحد الحكماء.
لا أعرف عبد المحسن سلامة على المستوى الشخصي، ولم أسمع عن إنجازات مدوية له، وكنت أتمنى أن تترشح شخصية صحفية أُخرى لها ثقل، وتحظى بالإجماع الصحفي للخروج من هذه الأزمة، لكن ليس أمامنا خيار.
نجاح الرجل الذي لا غبار على شرفه، وذمته، وتاريخه النقابي في تقديري هو الضمانة لعدم حبس قلاش ووكيليه.
أما الطاعنون فيه من دراويش قلاش، بأنه مرشح الدولة، وهو اتهام دون سند، ولا يعدو إلا حديثَ "مصاطب" فمردود عليهم.
ماذا عن النقيب إبراهيم نافع "ابن الدولة"، الذي لولاه، ولولا علاقته بالدولة ما كنا نمتلك هذا المبنى العظيم في شارع عبد الخالق ثروت؟!
ألم يقف ابن الدولة مع جماعته الصحفية ضد قانون 1993؟ وماذا عن مكرم محمد أحمد وضياء رشوان ألم يكونا مرشحين للدولة وتم انتخابهما وما هي مظاهر سيطرة الدولة في عهودهما؟
ثم يبقى السؤال الذي لم أجد إجابة واحدة عليه لدى الزملاء من الفريق الآخر: ماذا تبقى من الإعلام، ومن نقابة الصحفيين لنخشى عليه من سيطرة الدولة؟!
التشريعات الإعلامية خرجت رغماً عن أنف النقابة،
لدينا زملاء نقابيون محبوسون احتياطياً في قضايا نشر منع عن بعضهم العلاج – بحسب لجنة الحريات في النقابة.
مسلسل الفصل التعسفي لم ينتهِ وآخر فصوله الزملاء في صوت الأمة.
النقيب ووكيلاه يخوضون معركة قضائية تحت تهديد الحبس.
مجلس النقابة منقسم على نفسه 4 من المستمرين في المجلس لعامين قادمين عارضوا سياسة قلاش، وحضروا اجتماع الأهرام.
الجماعة الصحفية مشتتة ومنهكة في جزر منعزلة، وكل جسور التواصل مع الدولة التي نحتاج إلى التفاوض معها حول تشريعاتنا المقبلة "قانون الهيئة الوطنية للصحافة وقانون نقابة الصحفيين وقانون تداول المعلومات وكادر الصحفيين" انقطعت.
يتهم أنصار قلاش، عبد المحسن سلامة بأنه يتاجر بوعده بزيادة البدل، ويظنون أن ذاكرة الجمعية العمومية فقدت، قلاش نفسه وعد بزيادة البدل، وهو وعد فشل فيه كغيره، وبعد فتح باب الانتخابات تذكر أخيراً، فرفع خطاباً مخزياً "بلا صفة" إلى رئيس الوزراء يستجدي منه زيادة البدل، ويشتكي من مزايدة المنافسين له.
من سينتخبون قلاش على قناعة بشخصه وأدائه أحترم آراءهم، وحريتهم.
"أفلاطون صديق، والحق صديق، ولكن الحق أصدق منه".. العالم اليوناني أرسطو عن معلمه.
لكني أربأ بمن سينتخبون قلاش نكاية في الدولة أن يجنبوا عقولهم، ويسيروا وراء حنجوريين يريدونها حرباً شعواء في العامين القادمين بانتخابه على جثة المهنة وأبنائها.. حرباً لم ولن يشاركوا فيها.
فقد ابتلينا ببعض من الزملاء لا يمكن أن تراهم في أي جمعية عمومية، أو احتفال نقابي، ونادراً ما يأتون إلى الانتخابات، لم يرفعوا حتى قلمهم لمساندة النقابة في أزماتها، يجلسون خلف حساباتهم الإلكترونية التي ينشرون فيها أكثر مما ينشرون في صحفهم، ليشعلوا النيران ثم يعودوا لمقاعد المتفرجين انتظاراً لزيادة البدل، أو قرض النقابة، أو رحلة المصيف.
هؤلاء ليسوا أُمناء على المهنة، ولا يمكن أن يحركوا جمعية عمومية محترمة.
مَن سيفوز في الانتخابات سنهنئه، ونقف خلفه ونتحمل معه المسؤولية والتوابع أياً ما كانت، فالنقابة نقابتنا ولن نسمح لمندوبي الأمن والتيارات السياسية باختطافها، ستبقى نقابة الصحفيين منبراً حراً للصحافة والصحفيين فقط.
الضمانة الوحيدة في تقديري لذلك هو انتخاب مرشحين مهنيين غير مسيَّسين، ولديهم حلول حقيقية في مقاعد العضوية، لإحداث توازن، وضبط إيقاع النقيب أياً ما كان.
"لا يصبح الخطأ على وجه حق بسبب تضاعف الانتشار، ولا تصبح الحقيقة خطأ؛ لأن لا أحد يراها" – الزعيم الهندي غاندي.
عاشت نقابة الصحفيين مستقلة متوحّدة قوية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.