أسعار العقارات في مصر سوف تنخفض إذا استمر الوضع الحالي من تراجع الاقتصاد. لكن أولاً، يجب أن تعرف شيئاً هاماً في معادلة العقارات بمصر، وهو أن أسباب تضخم أسعار العقارات في مصر يرجع إلى سببين:
السبب الأول: عندما حدث تراجع في نمو الوحدات الإسكانية فترة عبد الناصر حينما أقر قانون الإيجار مدى الحياة، الذي تسبب وقتها في وقف نمو القطاع العقاري ما يقرب من 10 سنوات وأصبح المعروض فقط يُعرض للتمليك وكان فيما سبق في عصر الملكية تُعرض الوحدات للإيجار والتمليك، فاقتصر الأمر بعد صدور قانون الإيجارات القديمة على البيع بالتمليك، وأدى إلى توقف نمو القطاع العقاري مدة مع استمرار نمو وتضاعف عدد السكان، ما خلق فجوة بين العرض والطلب في القطاع العقاري، وهذا كان بداية أسباب تزايد أسعار العقارات في مصر وأزمة الإسكان.
السبب الثاني الذي أدى إلى تضاعف أسعار العقارات، كان الأموال القادمة مع العاملين في الخليج العربي والتي واكبت وجود أزمة سبقتها في نمو القطاع العقاري كما شرحنا.
ومع تزايد المعروض النقدي وزيادة رواج الأموال في مصر أواخر السبعينات ثم الثمانينات، أدى ذلك إلى ارتفاع وتضخم أسعار العقارات؛ بسبب أن العاملين في الخليج العربي عادوا بكميات كبيرة من الأموال يريدون استثمارها في المدن الجديدة التي ظهرت وقتها وفي القطاع العقاري بشكل عام.
فبدأ القطاع العقاري، من وقتها، الصعود غير متراجع كل سنة عن الأخرى، ليوافق معدلات التضخم الاسمي بالاقتصاد. وفي عصر مبارك، راج القطاع العقاري وصناعة المدن الترفيهية والكمبوندات العقارية مع نمو وتحسن الاقتصاد ورواج السياحة وارتفاع أسعار البترول، والتي أدت بدورها أيضاً إلى رواج تحويلات العاملين في الخارج والتي تشكل جزءاً مهماً في معادلة صياغة أسعار العقارات بمصر.
لكن، حالياً، إلى أين تتجه سوق العقار في مصر؟
في الحقيقة، إننا يجب أن نحلل الجوانب التي تؤثر على معادلة تحديد أسعار العقارات بمصر.
انهيار الطلب
رغم استمرار الفجوة بين الطلب على العقارات وعرض العقارات، فإن الطلب على العقارات سيتحدد على أساس القدرة الشرائية المتاحه أو المتبقية لدى القطاع العائلي، حيث إن القدرة الشرائية للأفراد ستتراجع؛ بسبب الارتفاع في أسعار المعيشة اليومية.
فمع رفع أسعار الخدمات الحكومية والضرائب وأسعار المرافق العامة، وخفض الدعم، ووقف نمو المرتبات في القطاع الحكومي، إضافة إلى انهيار قطاع السياحة وتأثر دخول العاملين فيه وكذلك العاملين في القطاع الخاص بشكل عام؛ وذلك لأسباب ترجع إلى تراجع الأداء الاقتصادي. كل ذلك سيؤثر على الأموال المتاحة والموجهة للادخار، سواء وُجّه هذا الادخار إلى القطاع المصرفي أو للقطاع العقاري.
وكذلك التأثر الحادث بسبب تراجع الأداء الاقتصادي في دول الخليج وانخفاض الأموال القادمة من هذه المنطقة، التي كانت تشكل عاملاً أساسياً في صياغة معادلة أسعار العقارات في مصر، ستشكل أيضاً عاملاً من عوامل انهيار الطلب وتراجع السعر.
فيما يتعلق بتراجع الأداء الاقتصادي في الداخل أو تراجع الأموال القادمة من منطقة الخليج العربي، سيؤثر ذلك على الأموال المتاحة، سواء للادخار أو للاستثمار في القطاع العقاري، ما سيشكل ضغطاً على مستوى السعر المعروض، فلن يلتقى الطلب عند مستوى السعر المعروض نفسه، لذا سيتطلب من منحنى العرض أن يتواءم مع منحنى الطلب الجديد عند مستوى سعر أقل.
كذلك، تراجع الأداء في القطاع الخدمي الحكومي والمرافق العامة، سيؤدي إلى سوء الخدمات في كثير من مناطق التوسع العقاري، خاصة المدن الجديدة التي قد تعاني مشاكل في توصيل المياه أو تمهيد الطرق وتوصيل الخدمات؛ لأن الأموال المتاحة في الموازنة العامة للدولة للمرافق والخدمات العامة ضعيفة وغير قادرة على تقديمها بشكل مناسب يواكب التوسع الحالي.
وهذا التوسع في النمو العقاري، سواء بالعقارات الخاصة لذوي الدخل المحدود أو العقارات الفاخرة، شهد نمواً في المعروض منها الفترة الماضية عكس تراجع مؤشرات الأداء الاقتصادي.
لذا، فإن القطاع العقاري في الفترة المقبلة -إذا استمر تراجع الأداء الاقتصادي وانخفاض القوة الشرائية والأموال المتاحة لدى القطاع العائلي- سيتراجع الطلب عليه، وسيواجه ركوداً، وستنخفض أسعاره، وسيكون مدى التأثر مقاساً على استمرارية وطول ومدى التراجع في الأداء الاقتصادي للاقتصاد المصري.
سيقول قائل: أنت لم ترَ الطوابير التي كانت على عقارات "ماونتن فيو" المرتفعة في السعر! هذا صحيح، ولكن هذا لا يمثل السوق الحقيقية للعقار في مصر، هؤلاء إما مضاربين متوقِّعين ارتفاع السعر، وإما متحوطين من انخفاض قيمة الجنيه في الفترة المقبلة، ولكن في الحقيقة هم لا يمثلون جمهور المتعاملين في سوق العقار بمصر.
وبشكل عام، فإن الطلب الموجود حالياً بالقطاع العقاري، في أغلبه طلب متحوط من انخفاض قيمة الجنيه ويلجأ إلى تخزين القيمة الحقيقية في العقار.
في الحقيقة، إن أسعار العقارات بمصر مبالَغ فيها جداً، لك أن تعلم أن لي صديقاً حكى لي أنه اشترى شقة بالقرب من لندن في إنكلترا، قيمة الشقة هناك 27 ألف جنيه إسترليني؛ أي تقريباً 534 ألف جنيه مصري! قل لي: بالله عليك، هذا المبلغ ماذا يشتري في مصر؟!
هذا المبلغ لا يشتري شقة في حي مثل حدائق القبة بمصر؛ إن سعر الشقة في حي مثل حي شبرا قارب المليون وتجاوزه في بعض الأحيان؛ أي إن أسعار العقارات في مصر أكثر بكثير من مثيلاتها في دولة متقدمة مثل إنكلترا، هل هذا يعقل! لذلك فإن فقاعة الأسعار في السوق العقارية لا بد أن تنكمش في الفترة المقبلة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.