يموج العالم بنظريات كثيرة في مختلف الأصعدة التي تنظم المجتمعات وعلاقاتها وسبل السيطرة عليها، من خلال تنظيم العلاقة الهرمية بين الحكومات المدنية والسلطات العسكرية والمجتمعات.
حيث نجد أن أول من نظم هذه العلاقة المعقدة، هي الأديان من خلال وضع قيم ومبادئ تربط السلطة بالمجتمع؛ لحث المجتمعات على القتال من أجل نصرة قضية أو غزو أرض معينة.
وكذلك، نجد كثيراً من النظريات التي سببت حروباً وصراعات على مدى أجيال كثيرة؛ كنظرية داروين التي لامها كثير من المحللين السياسيين ورأوا أنها سبب من أسباب حدوث الحرب العالمية الأولى، وكذلك نظرية جنوويتس التي تصف علاقة المجتمع والسلطة والجيش وطريقة اتخاذ القرار ومن يتخذه في هذه المؤسسة، حيث تمت السيطرة على بعض الشعوب من خلال هذه النظرية لتحقيق الانقلابات في بعض البلدان. ونظرية هنتنغتون الواصفة لهذه العلاقة والتي تسيطر على الدول من خلال تنظيم العلاقة واتخاذ القرار ابتداء من الحكومة ثم الجيش.
النظرية الداروينية:
نظرية تنص على أن الكائنات الحية تتطور وفقاً لاستجابة البيئة وتتمثل على 4 أركان رئيسية؛ الانتخاب الطبيعي: ويعني أن الطبيعة تنتقي الفرد الذي يمتلك صفات أكثر تلاؤماً مع البيئة. والتغاير: ويقصد به أن الأفراد تختلف فيما بينها في الصفات حتى على مستوى النوم وتكون فرص البقاء للفرد الذي يحتوي على صفات أكثر ملاءمة للبيئة من غيره… إلخ (كتاب التطور، د.ساهي).
نظرية التطور تقول بأن الإنسان حيوان تطور بالقتال من أجل البقاء. وقد تطور الصراع في العالم لتكون السيطرة والسيادة بيد الأقوى كالحيوانات، وسريان قانون الغاب الذي تتقوى كثير من الأفكار وتستند فكرته عليها كالعنصريّة، والفاشيّة والشّيوعيّة، وكثير من الرؤى العالمية الوحشية الأخرى التي بنيت على أساس الصراع.
فكل شعب يعتقد أنه الأفضل ليقود ويسيطر على هذا العالم، وقد لام كثير من المحللين السياسيين النظرية الداروينية على الحرب العالمية الأولى، حيث كانت فكرة النازية تعتمد اعتماداً أساسياً أو مشتقة من النظرية الداروينية.
فنرى أن كل نظرية من الممكن أن يتم سحب مفاهيمها وبلورتها بلورة سياسية للحصول على منافع لجهة معينة فسرت الفكرة كما تريد، فكذلك نرى أن معظم الأفكار التي استُخدمت من أجل غاية سياسية لفرض سيطرة عرق معين أو قومية معينة أو شخصية ديكتاتورية أو أسست على أساس غير صحيح وغير علمي، انتهى بها الطريق إلى هذا المطاف.
على سبيل المثال، سيطرة الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا وإنهاؤها بثورة شعبية أدت إلى إنهاء دورها السياسي وفصل الدين عن السياسة في الغرب، حيث سبب هذا طفرات نوعية في الحياة العملية والاجتماعية.
نظرية جنوويتس:
موريس جنوويتس، برفيسور وعالم اجتماع أميركي، يعد هو وهنتنغتون من مؤسسي علم الاجتماع الحربي الذي من خلاله يتم تنظيم عمل السلطات المدنية والعسكرية وعلاقتها بالمجتمع.
نظريته في علم الاجتماع الحربي التي تشرح طبيعة العلاقة الواحدة بين السلطة المدنية والسلطة العسكرية، حيث يكون قادة الجيش جزءاً من الحكومة وجزءاً من القرار السياسي، حيث تسود سياسة الحزب الواحد والمنظومة الواحدة في اتخاذ القرارات في هاتين السلطتين. جنوويتس لا يوافق على تقسيم العمل بين السلطتين اعتماداً على الاحترافية والتي يعدها جنوويتس عاملاً أساسياً.
تعد هذه النظرية نظرية صراع وفجوة بين الشعب والحكومة المتضمنة الجيش والقادة العسكريين، وقد تؤدي هذه النظرية إلى فجوة كبيرة بين الجيش والمجتمع قد تسبب مشاكل كبيرة بالدولة أو في المجتمع نفسه.
فقادة الجيش يسيطرون على كل جزء وكل قرار، وهذا يؤدي في أغلب الأحيان إلى منافسات كبيرة بين القادة العسكريين تسبب انقلابات عسكرية بتأثيرات قوى خارجية كما نرى بكثير من الدول في تسعينات القرن الماضي؛ كتركيا والعراق وغيرها من الدول التي كان يسيطر عليها القادة العسكريون المدعومون من قوى خارجية والتي تدعمهم لتنفيذ آيديولوجيات هذه القوى في المنطقة.
نظرية هنتنغتون:
بروفيسور وعالم سياسي في جامعة هارفارد، ويعد كتابه "الجندي والدولة" من أهم الكتب التي تدرس العلاقة بين السلطة المدنية والعسكرية، ويعد كذلك مؤسساً لعلم الاجتماع الحربي.
نظرية هنتنغتون تتكلم عن الانفصالية بين الجيش والحكومة وتقسيم العمل فيما بينهما، وعدم غض النظر عن الاحترافية في الجيش، حيث تتكلم النظرية عن أن القرارات تؤخذ من قِبل السلطة المدنية ويقوم الجيش بتنفيذ هذه القرارات، في حين أن السلطة المدنية لا يحق لها تحديد عدد الجنود في هذه المهمة، حيث تعد جزءاً من مهام الجيش.
نظرية هنتنغتون من أكثر النظريات نضجاً واستقراراً في عصرنا هذا، حيث تعتمد أغلب الأنظمة المتقدمة على هذا التقسيم في العمل. على سبيل المثال، إن من قرر دخول الجيش الأميركي إلى العراق هو الكونغرس والرئيس، ومن بعدهما أعطيت المهمة للجيش لتنفيذها، حيث من قام بإعداد وتنفيذ الخطط وتحديد عدد الجنود هو الجيش كسلطة منفصلة، حيث تعد واحدة من صلاحياته.
الاستنتاج، في كل حقبة من حقب التاريخ جاءت فكرة بصراعاتها ومحددات هذه الصراعات للسيطرة على العالم من حيث لا ندري. فنرى أن من يسيطر على هذه القوى الجبارة هي الأفكار القابعة في العلوم الإنسانية؛ منها علم الاجتماع وعلم السياسة وحتى علم الأحياء.
حيث رأينا ما أحدثته نظرية داروين من صراع عالمي تلام عليه وقد لا تكون المسبب المباشر، ولكنها كانت جزءاً من الحرب التي راح ضحيتها ملايين البشر وكذلك بقية النظريات التي ما زالت تسيطر على العقول وعلى كثير من الحركات المجتمعية التي أشرنا إلى بعض منها في علم الاجتماع الحربي.
ومن هنا، نستطيع أن نستنتج أن من سيحكم العالم هو من سيأتي بفكرة جديدة مغايرة عن سابقاتها، ولكن هذه المرة يجب أن تسيطر هذه الفكرة على عقول وقلوب الشعوب؛ لكي تكون ناجحة مطوّرة مواكِبةً لتطوُّر عصر حكم الشعب من أجل الشعب.
يقول هنتنغتون الذي أشرنا إليه سابقاً، إن من يصنع الحضارات هي الأديان وليس غيرها، فإذا نظرنا إلى تاريخ البشرية فستؤكَّد هذه الفكرة وصحتها. على سبيل المثال، لننظر إلى الدول المسيحية والإسلامية التي حكمت كدولة روما والقسطنطينية وكذلك دولة الخلافة الراشدة ومن بعدها الأموية والعباسية والعثمانية وحضارة الأندلس وغيرها الكثير. إن هذه الفكرة الجديدة قد تخرج من روسيا أو الصين أو الهند، وصاحبها هو من سيحكم العالم.
ما لا يدركه كثير من المسلمين، أن هذه الفكرة موجودة في القرآن ومخبأة في التعاليم والأصول الفكرية فيه، والله أعطاهم الاختيار؛ فإما أن يُبقوا على تخبطهم، وإما أن يعودوا من هذا التشتت إلى الفكرة الأساسية؛ كي يحكموا من جديدٍ القارات الثلاث وينشروا تعاليم الله وعدله على هذه الأرض.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.