منذ بضعة أعوام، خرجتُ في موعدٍ مع أماندا (ليس هذا اسمها الحقيقي)، وقبل أن أتوجَّه لشراء المشروبات، فجَّرت أماندا مفاجأةً كبيرة، ولا أعرف كيف وصل بنا الحديث إلى هذه المرحلة بهذه السرعة، لكنها بدأت في الحديث عن "العلاج الكيماوي" و"السرطان"، ونظرت إليَّ وكأنها في انتظار رد فعلي، لم أقل شيئاً سوى سؤالها عن المشروب الذي ترغب في تناوُله، وطلبت كأساً من النبيذ الوردي بطريقةٍ تُشبه الاعتذار. أحضرتُ المشروبات، وبدأنا حديثاً عقلانياً هادئاً في موعدنا الأول، ولم نفتح موضوع السرطان مُجدداً خلال هذا الحديث، وقبل أن نفترق، شكرتني على استقبال مفاجأتها العفوية بهدوء، وقالت لي إنَّها المرة الأولى التي لا يُظهر فيها الشخص الآخر امتعاضه حينما يعلم عن إصابتها بالسرطان، وأعتقد أنَّه على الأرجح في مرةٍ من المرات تركها رفيقها بمُجرَّد سماعه لتلك الكلمات، اتفقنا على اللقاء مُجدداً قبل رحيلها، وكان الأمر سيكون رومانسياً للغاية لو قلت إنَّني التقيت بحُب حياتي في هذا الموعد الأول، لكن هذا لم يحدث؛ إذ تواعدنا أنا وأماندا لفترة، لكن الأمر انتهى بعد بُرهةٍ من الوقت، وقررنا أن نظل مجرد أصدقاء.
أصبت بالسرطان بعدها بفترةٍ قصيرة، كانت أماندا من بين أوائل الأشخاص الذين اتصلتُ بهم لأُخبرهم بذلك، وكانت تقريباً هي الوحيدة المصابة بالسرطان بين الأشخاص الذين أعرفهم. وعندما تُصاب بالسرطان، لن تثق في أحد إلَّا لو كان مُصاباً بالسرطان مثلك؛ لأنَّه سيصدقك على الفور. التقيتُ بأماندا مرةً أخرى لتناول المشروبات، وكان أول سؤال وجهته لها هو كيفية إخبار شخصٍ أواعده بأنَّني مُصابٌ بالسرطان، وكانت فلسفة أماندا في هذا الأمر هي قول الخبر مُباشرةً منذ البداية، مثلما فعلت هي معي. شخصياً، كُنتُ أميل لإخبار الشخص الآخر بالتدريج، لكي أُخَفِّفَ من هول الصدمة، لكنَّها كانت مُصرةً على أهمية الوضوح والصراحة منذ البداية. فالإصابة بالسرطان تجعلك بمثابة بضاعةٍ معيبة مدى الحياة، ولن يبقى معك سوى الأشخاص الذين أُصيبوا بالسرطان، أو سبق لهم التعامل مع إصابة أحد أحبائهم بالمرض من قبل.
أعتقدُ أن السرطان لا يتناسب مع المواعدة، أو مع العلاقات طويلة الأمد، فالإصابة بالسرطان تضع عبئاً ثقيلاً على كاهل شريكك المُحتَمَل، وكمُصابٍ بالسرطان، احتمالات وفاتك تكون كبيرة، وببطء على الأغلب، وبطريقةٍ مُنهكةٍ أيضاً، وحتى ذلك اليوم المُنتظر، يؤثر السرطان جُسمانياً ونفسياً بشكلٍ قوي للغاية على المُصاب، وهو ما يجعله غير صالح للمُواعدة.
الآثار الجسدية للسرطان هي الأسهل على الأغلب، وبالنسبة لي، كُنت محظوظاً للغاية؛ إذ إن العلاج الكيماوي لم تظهر آثاره الجانبية سوى على جلدي فقط. واكتشفتُ فجأة عالماً رائعاً من الكريمات المُرطِّبة وتقشير الجلد الميت، وبعد إجراء عمليتين في الكَبِد، حصلت على ندبةٍ كبيرةٍ في بطني، وعلاوةً على ذلك، لدي فَتقٌ في البطن يجعلني أبدو وكأنني حامل. ولكن لأنَّني لا أنظر لجسدي بطريقةٍ سيئة، فالأمر ليس أزمةً كبيرة بالنسبة لي. وفي حالتي كشخصٍ مُصاب بسرطان القولون، كانت لديَّ مُشكلةٌ في السيطرة على أمعائي؛ لذلك أحياناً يكون كل شيء على ما يُرام، وفجأة أفقد السيطرة وأُوسِّخ نفسي، وليس هذا مشهداً جيداً عندما تكون في موعدٍ غراميٍ أو حفلة عشاء، ولكنَ يُمكن للأوضاع أن تسوء أكثر من ذلك، لذلك عليك التعايش مع الأمر.
أما الآثار النفسية للسرطان فيصعب التعامل معها. الإصابة بالسرطان مُجهِدَةٌ للغاية، بدايةً من تأكيد تشخيصك بالمرض، ووصولاً لمراحل العلاج المُختلفة، ومهما كنت قوياً ذهنياً ونفسياً، فهناك أوقات ستنهار فيها دون شك. وسينصحك العديد من الأشخاص بالتفكير بإيجابية، لكنها نصيحةٌ لا قيمة لها، ولن يُخبرك مُصابٌ آخر بالسرطان أن تُفكِّر بإيجابية، فهو يُدرك حجم المعاناة. وبطريقةٍ أو بأخرى، يَمُرُّ مُصابو السرطان بحالةٍ من اضطراب ما بعد الصدمة. وعلى عكس المُصابين بـ"اضطراب ما بعد الصدمة"، الذين يُمكنهم تحديد سبب توترهم، يظل مُصابو السرطان في حالةٍ دائمةٍ من الصدمة والاستشفاء.
يدفعك "اضطراب ما بعد الصدمة" للشعور بالرغبة في العُزلة، وهذا الشعور يتعارض مع الرغبة الإنسانية في الشعور بالأُلفة، وإصابتك بالسرطان تعني أنك ستُحرم مع الوقت من الأُلفة التي تسعى للحصول عليها؛ إذ يرتبك الناس عند عناقك لهم، ويبدأون في الجلوس بعيداً عنك، وينفرون منك عندما تقوم بتقبيلهم أو لمسهم، كما لو كان السرطان مرضاً مُعدياً، ولا تظهر التغيرات التي طرأت على نظرة الناس لك وتصرفاتهم أثناء وجودك، لكنهم يشعرون بعدم الارتياح لوجودك دون شك؛ لذلك تُصبح أكثر ميلاً للعزلة، إذ يُحوِّلك السرطان إلى إنسانٍ منبوذ.
– هذا الموضوع مترجم عن النسخة البريطانية لهافينغتون بوست؛ للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.