كلهم لديهم نفس الحلم، ويشتركون في الهدف نفسه، يحلمون أن يصلوا إلى تلك القارة العجوز اسماً، الفارعة الجمال مدناً وبلداناً، والحية سياسياً واقتصادياً، كلهم سمعوا أن فيها قوانين تحمي الإنسانية، وتضمن الحقوق وتحفظ للناس كرامتهم قبل كل شيء.
شباب في سن الزهور ما بين كاره للعيش في وطنه، ومهجّر بالقسر، وفار بأهله من براميل الموت المتفرقة، يقطعون أميال الأطلسي والبحور ويتسلقون التلال والجبال لو تطلب الأمر، فالمقصد واحد.. "تلك المنطقة من الدنيا لا غير"، إلا أن منهم مَن تتلقفه الأمواج، ومنهم مَن تقذفه إلى ضفاف الأنهار لينجو، أو على الأقل لا تكون جثته فريسة للأسماك المتوحشة، كما كانت حاله دائماً مع بلده الأم.
ظلت "القارة العجوز"، ومنذ عصورها الذهبية إبان "ثوراتها" خالدة الذكر، حاضنة للعرب والمسلمين وأُماً حنوناً، تستقبل كل مهاجر مغضوب عليه من بلده، فتحنّ عليه بعاطفتها الجيَّاشة، وتستفيد منه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً قبل ذلك.
منذ يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 والموقف الأوروبي تجاه المسلمين في تخبط، ومرض "الإسلاموفوبيا" ينتشر انتشار السرطان في الجسد الأوروبي من بلد إلى بلد وكأن الأمر دُبِّر بليل، ألم يأتِك نبأ "المجنَّسين في فرنسا"، وأقصد المسلمين منهم؟ سَل عنهم شوارع مرسيليا ونيس وباريس وبقية المدن، وكيف استفادت فرنسا منهم في سوق "السياسة والاقتصاد العالمي"؟ وما أوسع تلك السوق وأكثر المتاجرين بها، فظلت باريس كلندن وميونيخ وبروكسل وبقية العواصم تستفيد من المهاجرين العرب إليها، وتلعب بورقة الهجرة كملف رابح وورقة سياسية ناجعة.
فلماذا انقلبت القارة الحنون فجأة على المسلمين وضاقت ذرعاً بهم؟ فمنذ ذلك اليوم المشؤوم من سنة 2001 وهجمات "الحادي عشر من سبتمبر" التي أصابت المسلمين في أوروبا خاصة، والمسلمين عامة، قبل أن تصيب قلب الأميركيين وتقتل الآلاف منهم، قتلت حلم الأمان في أوروبا، قبل أن تقتل الأميركي، وجرحت عاطفة أوروبا تجاه المسلمين، قبل أن تسقط الجريح الأول في واشنطن أو نيويورك.
منذ ذلك اليوم والموقف الأوروبي تجاه المسلمين في تخبط، ومرض "الإسلاموفوبيا" ينتشر انتشار السرطان في الجسد الأوروبي من عاصمة إلى عاصمة، ومن بلد إلى بلد، وكأن الأمر دُبر بليل، فلا منطق في السياسة إلا "المنطق الميكافيلي": الغاية تبرر الوسيلة.
ولا أخلاق في السياسة، فمنهج أرسطو قائم لدى الساسة، ألم يأتِك تلاعبهم باللاجئين، فتارة ترحيب وتارة تنكيل وطرد، رغم أنه موقف إنساني يحسب للمجتمعات الأوروبية الإنسانية بطبعها أن مدت يدها لبعض العرب بعدما ضاقت بهم السبل، وغدر بهم القريب والجار والشقيق!
منذ ذلك اليوم عندما أعلن بوش حربه الشهيرة على الإرهاب، ولم يميز يومها في لحظة غضب أو ربما قصد بين الإسلام والإرهاب، وحركات "اليمين المتطرف" في أوروبا عامة، وفرنسا خاصة، والمعادية للإسلام والمسلمين، في نشوة، فوجدت في ذلك فرصة سانحة لطرد هؤلاء من أرض أوروبا والتنكيل بهم، والتخلص من هذا المرض العضال، حسب رأيها.
ألم يأتِك موقفهم من اللاجئين العرب وأن لا مكان لهم بينهم؟! وجاء ظهور الحركات المتشددة كتنظيم القاعدة وداعش؛ ليزيد الوضع سوءاً على ما هو عليه.. فهل ضاقت القارة العجوز ذرعاً بضيوف الأمس وأبناء الغد من المهاجرين العرب؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.