هل تهتم بآراء ومعتقدات الآخرين؟ ما احتمالات اختلاف الآراء السياسية بين الأصدقاء؟ منذ طُلب منا المغادرة أو البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، ودعم كلينتون أو ترامب في أميركا، أصبح لهذه الأسئلة مدلولٌ جديد تماماً، ولم تعد "العلاقة الاستثنائية" بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هي الشراكة الوحيدة التي تعاني من ضغوطٍ حرجة؛ إذ أدى الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وانتخابات الرئاسة الأميركية كذلك، إلى بث الفُرقة بين الأصدقاء، والعائلات، والأحزاب السياسية على حد سواء، وما زال يمكننا الشعور بتوابع هذه الزلازل السياسية الأخيرة.
وعندما قامت مؤسسة ريليت الخيرية باستطلاع آراء 300 من العاملين لديها، اكتشفت أن حوالي خُمس العاملين استقبلوا حالاتٍ تشاجرات بسبب قضية انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وأخذت قصة غايل ماكورميك هذه النقطة إلى مستوى جديد تماماً؛ غايل انفصلت عن زوجها بعد زواجٍ دام 22 عاماً، بعد أن أعلن نيته التصويت لترامب في الانتخابات الرئاسية.
يبدو أن الحب لا يساعد في التغلب على كل شيء في النهاية. وبينما أقرأ هذه القصة، وجدت نفسي أتساءل: كيف قررت غايل الزواج بهذا الرجل من الأساس؟ حتى لو لم يناقشوا تفضيلاتهم الشخصية في التصويت من قبل، ألم تكن هناك إشاراتٌ في حديثهِ تدل على هوسِهِ بالديماغوغيين المُولعين بتويتر؟ (الديماغوغية هي استغلال مخاوف الشعوب وأفكارهم المسبقة للحصول على السلطة والقوة)، فالأزواج يتناقشون في جميع القضايا السياسية، سواءً اختاروا تسميتها بذلك أو لا، بدايةً من تكاليف الوقود ورعاية الأطفال، إلى توافر حجوزات الأطباء والإسكان.
والعَيَّش مع شخص يتوافق معك في الرؤية السياسية سيجعل الحياة أسهل ولو قليلاً، علاوةً على أن الوقوف على أرضيةٍ مشتركة يعني أنَّكما ستستمتعان بصحبة بعضكما البعض. أنا شخصياً لا أتشارك نفس الآراء السياسية بالضبط مع زوجي؛ لكن إذا كان يُمَيِّز ضد الآخرين بناءً على توجهاتهم الدينية أو الجنسية، ويرى أن تعذيب البشر هو استراتيجية سوية لمكافحة الإرهاب، فلا أعتقد أنَّنا كنَّا سنصل حتى إلى نهاية أول لقاءٍ بيننا، ناهيك عن الوصول إلى حفل زفافنا.
أما الساسة، تلك الفصيلة من الكائنات المعروفة بالقَبَلِيّة، فَهُم على استعدادٍ لدعم أفكار أحزابهم حتى عندما لا يتفقون معها، وهم كمن يحاول إنقاذ السفينة من الغرق، بينما يُلقي بسترات النجاة في عرض البحر لأنَّ الناخبين طلبوا ذلك. لكن تماماً مثل الصداقات والعلاقات؛ يُمكن تكوين الشراكات الانتخابية على الرغم من الانقسامات السياسية؛ لأن الناس من مختلف الأحزاب السياسية يمكنهم أن يتشاركوا نفس القيم الإنسانية؛ لهذا عندما يتعلق الأمر بوضع السياسات، يمكننا تشجيع فكرة تقديم الدعم للأحزاب الأخرى في مختلف القضايا المعاصرة. ومثالٌ على هذا هو "تعديل اللورد دابس"؛ الذي قدم خطةً لتوفير الملاجئ للأطفال السوريين الأيتام الفارين من الحرب في سوريا.
فعند تقديم التعديل في أبريل من العام الماضي، حصل على دعم حزب العمال البريطاني، وحزب الديمقراطيين الأحرار، والحزب القومي الاسكتلندي، وخمسةٍ من نواب حزب المحافظين البريطاني. وعلى الرغم من دعم الأحزاب المختلفة لمشروع التعديل؛ أنهت الحكومة هذه الخطة الأسبوع المنقضي، في خطوةٍ تُمثل هروباً مخزياً من تحمل المسؤولية، وتقديم أبسط أشكال التعاطف الإنساني.
وعندما يتعلق الأمر بالعلاقات؛ يتسبب غياب الانجذاب الجنسي أو الحب غير المشروط في جعلنا أقل تسامحاً، ففي الأيام التي تلت استفتاء الاتحاد الأوروبي؛ أثار كاريكاتيرٌ مصور لشخصية "ويني بوه" جدلاً كبيراً على الشبكات الاجتماعية (إذ صوَِّر ويني وبيغليت في طريقهما إلى الحانة لتناول مشروبٍ دافئ، على الرغم من اختلاف آرائهما حول الاستفتاء). واكتسحت الشبكات الاجتماعية بعدها نسخةٌ معدلة من الكاريكاتير، أُعيدت كتابتها بواسطة جيني ستيفنسون. وعند سؤالها عن أسباب كتابتها للنسخة المعدلة، أوضحت جيني أنَّها كانت ترغب في شيءٍ أكثر دقة في التعبير عما شعرت به حينها، لأن آراء البشر السياسية لا تختلف كثيراً عن شخصياتهم الحقيقية. وهذا هو بيت القصيد. فبعض الآراء ووجهات النظر تكشف الكثير من الحقائق عن البشر، وهي بمثابة نافذةٍ خفية على نفوسنا، تُظهر كيف نتعامل مع الآخرين، وكيف نختار أن نعيش حياتنا؛ لذلك فلا مفر من القول بأنَّ السياسة تؤثر على نوعية الأشخاص الذين نرغب في قضاء الوقت معهم.
وتماماً مثل السؤال المطروح في استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإنَّ السؤال عما إذا كان بإمكان العلاقات التغلب على الخلافات السياسية هو سؤالٌ مُعقد ومُتعدد الأبعاد، لدرجةٍ أكبر بكثير مما يَسمح به الاختيار بين إجابتين. ومثل العديد من الأشياء في حياتنا؛ تعتمد الإجابة على العديد من المتغيرات: علاقات صداقة أم علاقات عائلية، وعلاقة حب أم إعجاب، وعلاقة طويلة الأمد أم حديثة العهد، وقوة المشاعر، وغيرها.
لكن من الواضح أن بعض العلاقات لا يمكنها التغلب على الخلافات السياسية، ولا أعتقد شخصياً أن على العلاقات محاولة التغلب على تلك الخلافات. فلا يجب أن نخاف من الخلاف والجدال؛ إذ أنَّه أحياناً يجب علينا اختيار أحد الجانبين، فالحياد أو البقاء صامتاً ليس تصرفاً شجاعاً أو دبلوماسياً، لكنه الخيار الأسهل، خاصةً عندما تكون بحوزتك "علامة تجارية" عليك حمايتها. غاري لينيكر مثلاً، لاعب كرة القدم الإنكليزي السابق، لم يكن بحاجة إلى خوض حرب ضد صحيفة "ديلي ميل" البريطانية (بسبب خلافهما حين نشرت الصحيفة تقارير تزعم فيها أن غاري حاول سابقاً التهرب من دفع الضرائب)،
كما كانت تُفضل "جوان رولينغ"، مؤلفة سلسلة هاري بوتر الشهيرة، بالتأكيد عدم إهدار كلماتها وذكائها على بيرس مورغان، مقدم البرامج على شبكة "سي إن إن" الأميركية، في حرب التغريدات التي اشتعلت بينهما على تويتر، لكن الاثنين، من وجهة نظري، هما صورتان مُشرفتان للمشاهير (باستثناء بيرس مورغان بالطبع) الذين اختاروا الحديث علناً، لأنَّهم معنيون بما يحدث من حولهم، ولأنهم يفهمون مدى تأثير وقيمة كلماتهم. قرر هؤلاء خوض المعركة من أجل قضيةٍ نبيلة، مُدافعين عن حقوق الإنسان، ومُتحدثين بالنيابة عن المستضعفين، ليُظهروا حُسن الخلق والتعاطف مع غيرهم من البشر. وهذه هي الصفات التي أحترمها في الآخرين، وخاصةً أولئك الذين أُحبهم وأعتبرهم أصدقاءً مُقربين، يخوضون معاركهم من أجل القضايا النبيلة.
اختيارك لأصدقاءٍ لديهم نفس الأفكار لا يعني أن تحصر نفسك داخل فقاعتك، وترفض الاستماع إلى وجهات النظر الأخرى. وليس من الغريب أن أرى الناس من حولي يقومون بتشكيل العصبيات والمجموعات تماماً كما يفعل الساسة. وعلى الرغم من الحديث الدائم عن مخاطر ترديد الآراء السياسية وتضخيمها دون تفكير، يُفضل الكثيرون الآن الانسحاب إلى مساحاتهم الآمنة، والتخطيط للمقاومة في هدوء. ورغم كوني أؤمن أنَّه يتعين علينا الخروج من مناطق راحتنا من أجل إقناع الآخرين؛ لكن بعد انتصار قوى الظلام في هذه الجولة، أشعر أن البقاء وسط أصحاب الأفكار المماثلة هو التصرف الأكثر أماناً الآن. ما زال أمامنا طريقٌ طويل، والمخاطر أكبر مما تصورناه بكثير. وعندما يتعلق الأمر بالتقارب؛ فالحقيقة المُرَّةُ هي أن بعض العلاقات لم يعد بالإمكان وصفها بـ"الاستثنائية".
أحياناً، نُضطر إلى ترك الطرف الآخر، أو عدم التقرب إليه من الأساس؛ لأن النزاهة واحترام الذات أكثر أهمية في حقيقة الأمر، وأحياناً تكون التصدعات موجودة بالفعل في علاقاتنا، وأحياناً أخرى تكون العلاقة سيئة منذ البداية. وليست رئيسة الوزراء البريطانية بحاجة إلى خبير علاقات ليساعدها على إدراك ذلك، ونحن أيضاً لسنا بحاجةٍ إليه.
– هذا الموضوع مترجم عن النسخة البريطانية لهافينغتون بوست. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.