سيدة الابتسامة

ابتسامتها الصباحية تلك كان لها رونق خاص بحيث كانت تبعث في نفسي نوعاً من البهجة والحيوية، أحس بها طبيعية لا مصطنعة، صادقة لا مزيفة، نابعة من أعماقها ومليئة بالحب والعطاء

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/11 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/11 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش

أذكر وأنا في سلكي الدراسي الثاني كنت أصادف كل يوم، وأنا في طريقي إلى المدرسة، سيدة تبدو في أوائل عقدها الثالث، قد يتساءل البعض: ما الذي جعلني أنتبه لتلك السيدة بالذات دون غيرها؟ أو لماذا ما زلت أتذكرها بعد مرور كل تلك السنوات؟ إنه ببساطة ابتسامتها.

أجل.. فطوال ثلاث سنوات وفي كل مرة كنت أراها أذكر أنه لم تفارقها الابتسامة يوماً، سيدة لا أعرف عنها شيئاً أكثر من أنها موظفة في إحدى الإدارات العمومية، ولم أحاول أن أسأل يوماً عن اسمها أو عن نَسَبها، ولا عن أي شيء آخر، بل كان كل ما شغل بالي هو ابتسامتها، وأعترف أن ابتسامتها حيَّرتني بقدر ما حيَّرت ابتسامة الموناليزا العالم.

ابتسامتها الصباحية تلك كان لها رونق خاص بحيث كانت تبعث في نفسي نوعاً من البهجة والحيوية، أحس بها طبيعية لا مصطنعة، صادقة لا مزيفة، نابعة من أعماقها ومليئة بالحب والعطاء، أراها مشعة ومتلألئة بين كل تلك الوجوه الجامدة في بلدتي الصغيرة؛ حيث لا تكاد الوجوه تختلف عن بعضها البعض.

عندما تنظر إلى وجه الموناليزا تحس وكأنها تعرفك، وكأنك تربطك بها صلة ما، وكذلك الحال مع صاحبة الابتسامة تلك، كلما نظرت إلى وجهها البشوش ينتابك شعور بالدفء والطمأنينة فيوحي إليك بأنها تغمرك بابتسامتها.

قد يبدو لمعظم الناس غريباً رؤية شخص يمشي في الشارع وهو يبتسم مع نفسه، بل إن أقل ما يمكن أن يقال عنه هو إنه شخص مجنون، وأعترف بأني عندما صادفتها لأول مرة شككت للحظة من اللحظات في قدراتها العقلية، أظنني لصغر سني حينها ولضعف نضجي الفكري كان من البديهي جداً أن أفكر كما يفكر غيري بحيث كان سهلاً على بعض تلك الأفكار النمطية المحيطة بي أن تتسلل لفكري من حين لآخر، ولكن مع تقدمي في السن تعلمت أنه لا يجب أن أمر مرور الكرام على أي شيء، وإن بدا بسيطاً أو دون أهمية تذكر، بل أن أقف عنده وأحاول فهمه، فلا بد أنه يحمل في طياته رسالة قيمة.

أتأمل ابتسامتها فأفكر تارة في كل الناس المحيطين بها، والمقربين إليها، وكيف أنها تنشر السعادة حولها، وأفكر تارة أخرى في كل عابس حرم نفسه ومن حوله متعة الشعور بالحياة.

أيها العابس.. حاول أن تبتسم لوالديك، لإخوانك، لجيرانك، لزملائك بالعمل، لموظفيك، لطفل صغير، لعامل نظافة، لرجل فقير ولمريض يائس، حاول أن تجعل الابتسامة وسيلة تواصلك اليومية وستفهم حتماً الحكمة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقة"، ستدرك أنك بابتسامتك تتصدق على نفسك قبل أن تتصدق عليهم، ستدرك أنك تروح عن نفسك وعن أنفسهم، تخفف الأحزان عنك وعنهم، وتدخل السرور عليك وعليهم.

تمنيت لو أن العالم يدرك أن الابتسامة هي بوابة المحبة والألفة والتعايش مع الآخر، وأنها الدواء الشافي لكل أمراضهم النفسية من غلو وحقد وأنانية وغرور وتعصب وغيرها من الأمراض النفسية التي أشعلت نيران الخلافات والنزاعات والحروب بينهم، تمنيت حقاً لو أن العالم يتخذ الابتسامة، أروع لغات العالم، لغته التواصلية المشتركة.

ما أحوجنا إلى الابتسام في وجوه بعضنا البعض، فابتسم أيها الإنسان، فربما تكون ابتسامتك هي ما سيخلد في ذاكرة أحدهم بعد رحيلك، ومن يدري قد تكون ابتسامتك مصدر إلهام أحدهم وتصير موضوع إحدى كتاباته وأنت لا تدري، كما هو الحال مع صاحبة الابتسامة.

فيا سيدتي، لا أدري إن كنت تذكرين أو لا تذكرين فتاة صغيرة ابتسمت في وجهها ذات يوم فأصبحت ابتسامتك تلك مصدر إلهامها وحيرتها، أعرف أنك أينما كنت ما زالت ابتسامتك تفيض حباً وعطاء ومكان وجودك يزيد إشراقاً من فرط حبه لابتسامتك.

أريدك فقط أن تعلمي أنك تستحقين لقب "سيدة الابتسامة"، واعذريني إن كنت قد قارنتك بالموناليزا فإن سر ابتسامتك أنت أعظم من سرها، ففي آخر المطاف تبقى ابتسامة الموناليزا لوحة جامدة أبدعتها يد مخلوق، "ليوناردو دافنشي"، فأما ابتسامتك أنت فهي هدية ثمينة أرسلها خالق كل شيء، الله سبحانه وتعالى.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد