قد يكون سؤالي غريباً للبعض، ولكني فعلاً أبحث عن الإجابة، هناك الكثير من الشركات والهيئات التي لا تتسم ببيئة عمل إيجابية ومحفزة، وما أعنيه هنا ليس الديكور وبعض الشكليات فقط، بل بيئة تعطي للموظف الراحة النفسية، والدافع لتقديم المزيد، وتساهم بشكل مباشر في تحسين إنتاجيته وخلق علاقة إيجابية بينه وبين زملائه والمديرين.
ما لاحظته عند زيارتي للكثير من الشركات والهيئات هو الإغفال شبه التام لهذا العنصر الهام في العمل، وأكاد لا أتذكر عدد الشركات التي فعلاً لاحظت اتسامها ببيئة عمل إيجابية ومحفزة، ولكنني متأكد من أنها لا تكاد تتجاوز العشر شركات.
إن بيئة العمل الإيجابية والمحفزة مبنية على عدة عناصر، وهناك الكثير من التجارب في هذا المجال، منها الفاشل ومنها الناجح، ولكن في وجهة نظري فقد جمعت أهم سمات بيئة العمل الناجحة وألخصها في النقاط التالية:
1 – مشاركة القيم والأهداف: من الضروري جداً عند أي إدارة هو توضيح الأهداف المرجو تحقيقها للموظفين، وأخذ آرائهم والتأكد من استيعابهم لها والإيمان بها، وكذلك الاتفاق على قيم وقوانين معينة تحكم بيئة العمل، لضمان سير العمل بشكل إيجابي وخلق البيئة المثالية للموظفين وتعزيز التواصل بينهم.
2 – إزالة القيود وتعزيز الثقة: وهي نقطة هامة ومتشعبة، فبعد الاتفاق على القوانين والقيم والأهداف، يأتي دور إزالة القيود التي تحرم الموظف من الإبداع والابتكار والمشاركة وتهدم الثقة بين الموظفين، ومن أهم العوامل التي تساعد على الإنتاجية والإيجابية على حد سواء، إتاحة الفرصة لكل موظف لإبداء الرأي والسؤال، فعلى سبيل المثال إن طرح أحدهم فكرة لمشروع يمكن لأي موظف السؤال عن جدوى هذا المشروع أو طرح فكرة مختلفة لإدارته أو اقتراحاً لتطويره دون الخوف من الحساسيات وردود الأفعال،
وذلك لأنه قد تم الاتفاق مسبقاً على أن الهدف هو دفع عجلة العمل إلى الأمام، والعمل الجماعي، والتقبل من الطرف الآخر، وبذلك ينمو عنصر الإبداع والابتكار والمشاركة لدى جميع الموظفين، مما ينعكس بشكل إيجابي كبير على أهداف العمل والموظفين كذلك.
3 – الشفافية وسهولة التواصل: بيئة العمل يجب أن تتميز بالشفافية في تبادل المعلومات، سواء كان ذلك بين الزملاء والمديرين على حد سواء، كذلك يجب أن تتميز بسهولة التواصل بين الموظفين، وسهولة التواصل بينهم وبين المديرين وتمكينهم من الحصول على الدعم الكافي منهم، إضافة إلى الحصول على التوجيهات المناسبة بكل يسر وسهولة، وجزئية اتخاذ القرار مهمة جداً، إذ إن سهولة الوصول إلى صاحب القرار أمر مهم جداً للموظف.
4 – التحفيز: وهو يتخذ عدة أشكال أيضاً، ولكن قبل التحدث عن التحفيز، يجب أن يتمكن الموظف من أداء عمله دون الاكتراث بالأساسيات التي من الضروري أن تتوافر له، مثل عدم توافر موقف لسيارة الموظف، أو تعطل جهاز الكمبيوتر الخاص به، أو أن الهاتف لا يعمل.. وهي مشكلات يعانيها الكثيرون من الناس يوميا، والتي يجب على كل رب عمل عدم السماح بحدوثها من الأساس.
من أنواع التحفيز هو عدم التضييق على الموظف وإلزامه بساعات عمل رسمية، وكذلك عدم السماح لأجواء العمل بخلق الضغوطات التي تؤثر عليه وعلى عائلته، فيجب أن تُتاح للموظف الفرصة للعمل بساعات عمل أكثر سلاسة أو حتى من المنزل في بعض الأحيان بشرط تحقيقه للمهام المطلوبة منه، وكذلك إتاحة الفرصة للموظف لتغيير جزء من ديكور مكتبه وشكل المكان الذي يجلس به، فكل ذلك يساعده نفسياً على أداء عمله ويقربه من المكان.
5 – التقدير: وهو مهم جداً ومرتبط بالتحفيز ارتباطاً وثيقاً، فهناك التقدير المالي والترقيات، وهناك التقدير المعنوي، وكلاهما مهم، وهنا يوجد عنصر الإبداع، فيمكن تقدير الموظف مثلاً عبر إعطائه أيام إجازة مدفوعة خارج رصيده، أو إلحاقه بدورات تدريبية تؤهله لأخذ مناصب أكبر وإثراء خبرته وصقل مهاراته على أن تكون هذه الدورات مخصصة للمتميزين فقط، أو تصميم برامج للتقدير مثل برنامج الموظف المثالي، إضافة إلى التكريم والتقدير العلني، وكل ذلك يساهم في دفع الإيجابية بين الموظفين وخلق تنافس شريف بينهم، فهل تعلمون أن هناك شركات تقوم بإعطاء عطلات مجانية للموظفين المتميزين ليسافروا وعائلاتهم إلى أهم العواصم العالمية كتقدير على جهودهم وتميزهم في العمل؟!
6 – الديكور والتصميم العام: بيئات العمل الإيجابية تتميز بالديكور البعيد قليلاً عن الرسمية، فهناك غرف للاستراحة وللترفيه، وهناك عدة مرافق مثل حضانة للأطفال ومطاعم وكافيتريا وحتى صالة للياقة البدنية وحمام للسباحة، فشركة جوجل العالمية مثلاً توفر طعاماً مجانياً لموظفيها في الكافتيريا، إضافة إلى الكثير من المميزات والمرافق الأخرى، وهناك شركات تقوم بتنظيم البطولات والمسابقات الرياضية والترفيهية المختلفة ليس للموظفين فقط، بل لعائلاتهم أيضاً!
وعودة إلى السؤال الذي قمت بسؤاله في بداية المقال، كم شركة وهيئة في وطننا العربي لديها بيئة عمل إيجابية ومحفزة؟ لدينا العقول والقدرات والإمكانيات التي تمكننا من القيام بأفضل مما كتبته أعلاه، ولكن لماذا عدد الشركات والهيئات التي تقوم بالتركيز على بيئة العمل قليل؟ هل هي مشكلة أولويات؟ أم هو الخوف من التغيير وتجربة الجديد؟
في وجهة نظري فإن المشكلة هي مشكلة تطبيق ثقافة بيئة العمل، فهناك الكثير من الأفكار الإبداعية التي كتبت على الورق، وظلت عليه.. بحجة أن الموظف قد لا يتقبّل التغيير، أو بسبب عدم ثقة المسؤول بالموظف، وغيرها من الأعذار، نعم أسميها الأعذار؛ لأنه من الأساس.. إن لم يرتَح الموظف في بيئة عمله، فسيبحث عن عمل آخر يوفر له الراحة والتحفيز والتقدير! وإن لم يكن الموظف مبدعاً في عمله فسيصبح العمل روتيناً وضغطاً نفسياً يعانيه مجبراً كل يوم حتى يتخلص منه! المطلوب هو تغيير الثقافة، والمضي بتجربة الجديد.. فالصعوبة تكمن في الخطوة الأولى فقط.
وفي النهاية، إليكم قائمة بأفضل الشركات العالمية تميزاً في بيئة العمل لعام 2016:
1 – Airbnb
2 – Bain & Company
3 – Guidewire
4 – Hubspot
5 – Facebook
6 – LinkedIn
7 – Boston Consulting Group
8 – Google
9 – Nestlé Purina PetCare
10 – Zillow
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.