العدل قيمة تامة ومجردة؛ لأنها مشتقة من اسم الله تعالى، تتفاوت تطبيقاً بين الناس، مسلمين كانوا أم ملحدين؛ لأنه ما من أحد تام، إلا أن الناس تقبل الغالب من العدل إن وقف على الحق وسار على الصدق.
اليوم، تطبيق العدل الذي افتخر به الشعب الأميركي منحوتاً في دستورهم؛ إذ كان خلاصة تجربةِ من أرادوا فكاكاً من البريطانيين وملوكهم، ورغم الفجوات التي اعترت تطبيقه عقوداً، خصوصاً مع الأفارقة الأميركيين، قد أصبح على المحك في تطبيق جديد بين قيمة العدل ذاتها وبين قيمة سد ذريعة الأذى أو الضرر، ملخصّه الأمن، المتوقع من مجموعات بشرية قاسمها المشترك هو الدين الإسلامي.
دعك من نظرية المؤامرات المتعلقة بمن وراء المجموعات الإرهابية "الإسلامية" بنظر الإدارة الأميركية الجديدة، ولننظر إلى الطرح المجرد للإنسان العادي الأميركي أو غيره، ألا وهو الخيار بين العدل أو الأمن!
يقول الفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بايكن: "إذا لم نحفظ العدل فالعدل لن يحفظنا،" وهي إشارة مبطنة إلى أن الأمن هو نتاج العدل. وبالمنظور القرآني، الله هو العدل، وقد خوطبت قريش من خلال هذه القيمة لتنعم بنتاجه؛ الأمن والإطعام: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" سور قريش.
الديانات السماوية، التي تدّعي إدارة ترامب أنها تتحرّك ضمن مفهومها الروحي، تدعم هذا المفهوم، فقد جاء في العهد القديم: {من يسلك بالاستقامة يسلك بالأمان ومن يعوج طرقه يعرف} سفر الأمثال. ولذلك، فإن الأمن إذا قام على الظلم استحال خوفاً، خوف الطالب للأمن من أثر ظلمه وخوف المظلوم من هدر حقوقه، فتعيش البشرية صراعاً لا ينتهي.
إن القرارات الرئاسية التي اتخذها الرئيس الأميركي ترامب، خصوصاً بما يتعلق بالحظر الأمني ضد سبع دول جلها مسلمون واستثنى منها بعض المسيحيين، سوّقت ولاقت قبولاً واستحساناً من شريحة كبيرة من المجتمع الأميركي بسبب ذريعة الأمن. ولكننا رأينا شريحة أكبر وقفت ضد قرارات كهذه، ونزلت الشوارع واعتصمت وما زالت دفاعاً عن قيمة العدالة في الدستور والحياة. يتساءل المرء: كم من ذريعة الأمن استخدمت في بلاد المسلمين لظلم الناس ولم نجد الشعوب المسلمة وقفت دفاعاً عن هذه القيمة إلا من رحم ربي.
الأمن القائم على العدل يغدو قيمة تستقطب البشرية دون فوارق دينية أو عرقية، وما هجرة المسلمين لنجاشي الحبشة "إن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد" (حديث شريف)، وما نزول المجموعات اليهودية القاطنة إسبانيا إلى المغرب العربي والدولة العثمانية، وهي نفسها التي تتكرر اليوم من توافد المهاجرين الهاربين من جحيم وويلات الحرب في بلدان المسلمين وغيرها إلى بلدان أكثر عدلاً وأماناً إلا تجسيد ودليل لهذه القيمة.
المطلوب هو التفاف الناس، كل الناس، حول قيمة العدل والتشبث بها وعدم الاستسلام لضغوط التخويف بحجة الأمن.
تحية لقضاة العدل، تحية للجماهير التي نزلت الشوارع لقيمة العدل، تحية لكل صحفي أردف مقالاً لقيمة العدل، لكل إعلامي نطق حقاً، ولكل سياسي وقف حقاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.