قوانين اللجوء وتأثيرها على اللاجئ

لكن الأمور والأشياء التي تعيد اللاجئ إلى دائرة الصفر وتحبطه أكثر بكثير من الأشياء التي تريحه، تعيد له مشاعر الخوف والوحدة والتوجس من المستقبل، قد يحدث ذلك أي شيء، مكالمة هاتفية أو اتصال عبر الإنترنت، سواء بالكتابة أو بالاتصال عبر التطبيقات الكثيرة مع صديق أو أحد أفراد العائلة، إن دار الحديث عن شيء يشعل الذاكرة

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/07 الساعة 03:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/07 الساعة 03:03 بتوقيت غرينتش

قبل خمس سنوات غادرت سوريا متجهاً صوب إقليم كردستان العراق، بعد أن كانت الأوضاع الأمنية في سوريا تسوء يوماً بعد يوم، كما كنت قد اعتقلت في بداية الثورة السورية في مدينة دمشق بالمدينة الجامعية بعد مظاهرة طلابية.

كنت أعتقد -كما غيري- أن مدة بقائي في كردستان العراق لن تدوم إلا بضعة شهور وسأعود إلى سوريا، لكن كان ذلك غير صحيح، وما زلت خارج سوريا لحد اللحظة.

الفترة الأولى لي في كردستان العراق كنت لا أشعر فيها بأني لاجئ، بل كنت أعتقدها تغيير جو أو زيارة إلى الإقليم الكردي الذي طالما حلمت ان ازوره بسبب أجواء الاضطهاد السياسي والقومي ضد الكرد في سوريا.

لكن مع مرور الأيام بدأت الصورة تتضح أكثر، وبدأ خروجي من حالة الصدمة المؤقتة لأدرك الواقع أكثر، خاصة مع صعوبة إيجاد عمل أو تكوين بيئة جديدة لي هناك.

لكن لم يكن هناك صدى للقرارات الدولية بشأن اللاجئين عليَّ أو على أي لاجئ آخر في إقليم كردستان العراق، الطبيعة هناك كانت بسيطة، ولم تتغير عما كانت عليها في سوريا، لربما لأن الإقليم كان كردياً، ولا داعي لمحاولات الاندماج في المجتمع، ولم يكن هناك أحزاب سياسية أو قنوات إعلامية متخصصة في معاداة اللاجئين، وتكوين جو معادٍ لهم كما هو متوافر في أوروبا.

أعتقد أنه من الصعوبة جداً أن يعود الإنسان إلى مرحلة الصفر مراراً وتكراراً، بعد أن كان قد أتمَّ شيئاً معيناً يخص حياته ومستقبله، لكن الأمر يتعدى ذلك إلى العودة مجدداً في حلقة البحث عن الأصدقاء وتكوين العلاقات الاجتماعية بعد فقدان تلك العلاقات، كل هذه الأمور تأخذ حيزاً من تفكير اللاجئ، الذي فقد كل شيء، حتى إيجاد البقالة التي سيشتري اللاجئ منها احتياجاته تحتاج إلى بحث، والحلاق الذي سيقص شعره يحتاج إلى عملية بحثية أيضاً.

عندما يبدأ اللاجئ أو يحاول أن يعتقد أنه أصبح جزءاً من المجتمع الجديد، يشعر بتلك الهرمونات التي تتحرك داخله وتنتج السعادة، مثلاً أي نجاح بسيط، أي علاقة اجتماعية جديدة، تجعله يشعر أنه جزء من المجتمع الجديد، يشعر لوهلة أنه لم يعد بحاجة إلى وطنه، أو لا يحتاج أن يعود ويمكنه البقاء.

لكن الأمور والأشياء التي تعيد اللاجئ إلى دائرة الصفر وتحبطه أكثر بكثير من الأشياء التي تريحه، تعيد له مشاعر الخوف والوحدة والتوجس من المستقبل، قد يحدث ذلك أي شيء، مكالمة هاتفية أو اتصال عبر الإنترنت، سواء بالكتابة أو بالاتصال عبر التطبيقات الكثيرة مع صديق أو أحد أفراد العائلة، إن دار الحديث عن شيء يشعل الذاكرة، وبالتأكيد أي جزئية صغيرة تحرك المشاعر، سواء كانت ذكريات جميلة أو سيئة. جملة "تعرف شو؟ ليك عم ينزل تلج" قد تكون كالعاصفة عليه، أو "الصديق الفلاني تزوج بنت العيلة الفلانية من الضيعة"، هذه الجمل ستعيدك إلى شوارع وحارات قريتك، لكن للأسف الأخبار السيئة هي الغالبة إذا تكلم أي لاجئ مع شخص ما في سوريا، سيدور الحديث بالتأكيد حول الشهيد الفلاني الذي كان صديقاً جميلاً ذا روح مرحة، الفقر والدمار الذي حلَّ بسوريا.

في أواخر عام 2015 قررت أن أعبر إلى القارة الأوروبية بسبب الأزمة المالية السيئة التي كانت ولا تزال تضرب إقليم كردستان، ونتائج الحرب على تنظيم داعش والجو السيئ الذي تشكل بسبب ذلك هناك.

الآن وأنا في ألمانيا منذ ما يقارب السنة، الهاجس الأول والأخير هو الاندماج وتعلم اللغة، التأثيرات التي كانت تؤثر على نفسي في كردستان العراق هي نفسها هنا، لكن بالإضافة إلى القرارات السياسية الخاصة باللاجئين، فاللاجئ في أوروبا هو ضحية للقوانين التي تصدر كل فترة، كالقانون الذي يحدد الإقامة والتنقل، أو الذي يخفض من المساعدات الحكومية، وغيرها من القوانين،

وكذلك صعود حركات اليمين المتطرف وتأثيرها على الحياة السياسية، وكما ذكرت آنفاً تنشط في أوروبا أحزاب سياسية تتخصص في معاداة اللاجئين؛ لذلك تخلق جواً من عدم الراحة لدى اللاجئ، وتشعره بعدم ثقة البيئة المحيطة به، المشكلة أن هذه القوانين ليست من الضرورة أن تصدر في الدولة التي يعيش فيها اللاجئ حتى تؤثر عليه، هنا ونحن في ألمانيا الكل يتكلم عن قوانين ترامب العنصرية المعادية للمهاجرين والمسلمين والأقليات الأخرى في الولايات المتحدة، أقول لنفسي: ولك شو دخلك بأميركا أنت بألمانيا، لكن مشاعر الخوف لا تتلاشى أبداً،

قد لا يكون خوفاً ولكنه غصة وحرقة، هو تألم داخلي وتساؤلات تعيدني إلى الدائرة الأولى، الصدمة الأولى عندما كنت أسأل نفسي: أنا شو عم أعمل هون؟ أنا لاجئ؟ معقول رح أرجع لسوريا؟

لكن رغم كل ذلك، أقول لنفسي: "الحمد لله أنا لاجئ وخارج سوريا"، لو كنت في سوريا لحد اللحظة كنت إما سأكون قتيلاً أو معتقلاً من هذه الجهة أو تلك، أو أنا السجان والظالم؛ لذلك البقاء بعيداً عن دائرة القتل والمقتول أفضل بكثير، ولو بوجود مائة ترامب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد