ما عدد المرات التي تساءلت فيها عما لا يُسأل؟ كم من مرة أبحرت في مجرة نجومها ممنوعة أنوار ضيائها؟ وجاذبيتها محدودة ومحصورة لعدد قليل يفقَه وتنعدم بين أرجل من لا يفقهون؟
يتزايد حجم بحر التساؤل مع كل قطرة علم تشربها، ويُصبح الشك هو الضيف الثقيل الذي ما باستطاعتك دفعه مُبعِداً له قبل وصوله لأعتاب ذهنك.
الشك هو التفكير، والتفكير هو الشك، وعلى سبيل الشك، يُقال كل موجود له مُوجد فهل الله موجود؟
منذ فترة ليست بعيدة صادفت كتاباً لم يجذبني غلافه وحتى عنوانه لم يُعطِني أي لمحة عن أي محتوى إلهي، فقد جاء عنوانه كالتالي "الزحف نحو السماء".
توقعت رواية رُبما خيالية أو بها شيء من علم النفس، أو باختصار شيء ينتمي للعلم الذي لا ينفع والجهل الذي لا يضُر، ولكني لمحت جُملة بخط رفيع تحت العنوان كانت "رحلة البحث عن الله".. إذاً نزحف للسماء بحثاً عن الله.
أقنعتني تلك الحروف الرفيعة بالقراءة لأرى إن كان باستطاعتي أنا الأُخرى أن أزحف للسماء باحثة عن الله، كانت بدايتها تتحدث عن شركة مُتخصصة بتحقيق الأماني لمن اقتربوا من الموت، بسبب مرض أو كهل عمر، يلتقي موظفها بعجوز يُطل على شرفات البرزخ ويُبشره بأنه قد تم اختياره لتحقيق أمنية أخيرة له، فيسأله عن الأمنية التي يود حقاً أن تُحقق في ظل وجود شهيقه وزفيره الذي -على الأغلب- لن يدوم لفترة طويلة!
كان جواب العجوز: "أريد أن أرى الله"، لم تَكُن أمنيته بداعي الجهل أو الكُفر أو التعجيز، بيد أنه وللوهلة الأولى يُخيل إليك كقارئٍ لتلك الأمنية وكموظف لتحقيقها بأنها مُستحيلة أو صعبة جداً، وبأن ذاك العجوز سيموت بلا تحقيق لأي أمنية أولى أو أخيرة.
قوانين تلك الشركة تنُص على عدم رفض الأماني مهما كانت صعبة أو مستحيلة ويُجبَر الموظف -مُكرهاً- على البحث عن طريق يزحف به ليرى إن كان باستطاعته تحقيق تلك الأمنية لذاك العجوز الغريب، وأن يُريه الله!
تلك الطريق التي زحف بها الموظف هي نفس الطريق التي نزحف بها جميعاً كل يوم، جماعة أو فُرادى، نفس المصاعب ونفس الشخصيات والمحطات المُحبطة، المُشجعة، المنطقية واللامنطقية وما بعد المنطق حتى.
بدواخلنا جميعاً بضع رغبة تُلح برؤية الله، بغض النظر عن أبعاد الرؤية ونوعها أو حجمها، وكما حال كثيرين نلتقي بمن يوقفنا بمنتصف الزحف ويوهمنا بضبابية الطريق المؤدية لله وبوجوب اتباع أهل العلم الذين عادةً ليسوا أهلاً للعلم -ولا أُعمم- توارثوا علمهم وقلدوا من قبلهم، وجاءونا بحجة اختصار الطريق علينا واتباعهم كما اتبعوا هم مَن قبلهم بتجمعات تتأسس عمدها بحجة الإخلاص لله، بالرغم من أن لا مكان لله فيها، فنتبعهم بلا ذرة شك أو تفكير، بلا أي سؤال أو تدبر، على مبدأ "مَن قَلد عالماً لقي الله سالماً"!
هناك طريق يُرينا الله، سنراه في كل زاوية من زوايا هذا الملكوت، سنراه في إخلاصنا وتلمسنا الصحيح بفطرتنا، لكل منا طريق مختلف، وكأن الله هو مُلك خاص لكل حي فينا، أنا أبحث عن إلهي، وأنت ابحث عن إلهك، واسلك تلك الطريق التي تراها مُناسبة لخريطة الوصول لله الخبير اللطيف خاصتك.
لا تُقلدني ولا تتبع عالماً ولا فيلسوفاً، واعلم أننا سنلتقي بتقاطع يجمعنا؛ لأن الله واحد، ولكنْ لعظمته ونوره ألف وألف طريق.
بعض تلك الأمكنة والطُرق ضبابية والأخرى شوكية، منها السهل ومنها الصعب، بها من الرحمة والعطف والرأفة كما بها من الاختبار والابتلاء. "إن هي إلا لحظة ستكون أكثر من كافية إن مسنا شعاع الانعتاق في الوقت المُناسب، فكل الكرة الأرضية وحتى الفضاء من الممكن له أن يكون المكان المُناسب لتطور روحي هائل كهذا".
فازحف زحفاً بعيداً عني، وطِر في السماء، وابحث عن الله، فلا تغرَّنك قلة السالكين في درب الهُدى، ولا تخشَ من وحشة الطريق.. وعُد ودَع يقينك يُحدثني عن الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.