تلك اللحظة القابضة التي تداهم قلوبنا عند حضور سيرة المرض حتى وإن كنا بكامل صحتنا، ولكن نصاب بالذعر والخوف على أنفسنا وعلى من نحب خشية أن يتبع المرضَ فراق للأبد.
ولكن أن ترحب بالمعاناة وتحتضن المرض وترضى بالألم، لا بل وتحدث ذلك المزج العجيب ليتحول ألمك إلى أمل وتقرنه بابتسامة، وتؤمن بأن المرض هبة من اللّه لعبدٍ أحبه، هذا هو التحدي الذي يتوقع منك أن تخوضه وتنهيه بشكر اللّه على إصرارك الذي ذبح المرض في وسط ساحة القتال.
تعددت الأمثلة وكثُر طرحها في مجالس النجاح عن هؤلاء المحاربين الذين ينحتون الابتسامة رغم ما يعانونه من ألم وعجز، ولكنه عجز يعجز عن الظهور، وتخنقه إرادة المحارب، كما يستوطنون بقعة لهم في قلبك؛ ليقوموا بإنشاء مستعمرة باسم الابتسامة، ويخوضوا بداخلها لاعبين.
أما حمزة إسكندر، الطفل الذي وُلد وقد أدركه عيب خلقي في قلبه أودى به إلى سرير العمليات منذ طفولته ثلاث مرات، ولكن ما أثار الجدل بالنسبة لأصدقائه الجدد، ومن يحظى بمعرفة حمزة، حول إصابته بالمرض، هو كثرة حركته وترحاله المستمر، فيعجزون عن تصديق قصة مرضه. ولكنه بخفة ظله استطاع أن يقنع الجدد بحقيقة مرضه، فيقربهم من صدره، وينشد: استمعوا بإنصات؛ لترن دقات ذلك الصمام المعدني الذي يعالج مشكلة ضخ الدم لسائر مناطق جسمه لتكون هذه هي شفرة الصداقة الخاصة بحمزة: "استمع لقلبي، تجدني بقلبك".
أشرق عُمر حمزة وهو يتحايل على المرض فيقسو عليه بابتسامة، كما حصد حمزة حب مَن حوله بشيفرته المميزة؛ ليداهم تفكيرنا ويقلب استطلاعاته حول المرض، ويقنعه بقدرته على محاربة العجز بابتسامته، وبعض الكلمات المفعمة بالإيجابية.
ولكن شاء اللّه أن يختاره من جديد من بين الكثيرين ليسمع صوته فـ"إذا أحب اللّه عبدا ابتلاه"، فقد شُخص حمزة بمرض السرطان من الدرجة الثالثة، منتشر بين المريء والمعدة، بعد أن بلغ الحادية والعشرين من شبابه.
وكأنه انتقام من ذاك المرض الذي صعُب عليه أن يرى ابتسامة حمزة تحتل وجهه في حضوره، فاستعان بالسرطان آمِلاً أن يدمر إصرار حمزة، ولكنه ولسوء حظه قد أساء الاختيار.
في بداية التشخيص تدخلت الكآبة لتساعد حليفها السرطان، كما يحدث لكل المحاربين (ليسوا مرضى)، فأصيب حمزة بإرهاق نفسي في الشهر الأول من العلاج، ولم يكن هذا يروق لعائلته أبداً، فجلس والده يحاول أن يعيد حمزة إلى رشده، ويحيي فيه ابتسامته، فقال له: "اعتدنا على حمزة المبتسم فلمَ لا تحارب عدوك السرطان بابتسامة؟"، دخل الكلام لجوف حمزة؛ لينعش صمام قلبه ليضخ دم الحياة من جديد، ومن هنا غرست الابتسامة جذورها من جديد في عمق سرطان حمزة، ولم تعد تفارقه أبداً، بل كانت تتمدد ليبلغ وجودها الحضور معه في جلساته،
وكان إيمانه كامناً في أن المحاربة تحتاج لدعم من حوله، فأطلق تلك الحملة التي دعم بها نفسه، ولم يكن ينتظر الدعم من المحيط الخارجي فقال: #أنا_أحارب_السرطان_بابتسامتي، واستطاع بذلك أن يباغت المرض بابتسامةٍ ترسم على وجهه تُخفي أثر الكيماوي والأشعة والعمليات، وانتشرت الحملة ولفتت انتباه الكثير، ومن مختلف فئات المجتمع، حتى أضاف شعاراً آخر لها #السرطان_ما_يقدر، ووجد إقبالاً من الناس على طريقة إدراج المرض في دماغه حتى استطاع بإيمانه أن ينهي حياة المرض من الوجود بالنسبة له.
كما غرس الأمل في نفس كل محارب أتاحت له الفرصة مقابلة حمزة أو حتى مشاهدة مقطع يخص به حمزة حديثه عن المرض والحرب التي خاضها.
"ما حخذل أمي وأبوي".
"في يوم من الأيام كلنا راجعين لربنا، ومستحيل تتخبى من الموت، فالموت جايك، إذا مو اليوم بكرة إذا مو بكرة بعده فليش ما تحاول تقدر تغير طريقة استقبالك للمرض".
هذا من أبرز ما علق في ذهني من رسالات الإلهام من حمزة التي ضجت في قلبي، واستدعت قلمي لينشر رسالة حب الحياة التي لا طالما دعا إليها حمزة.
ولكن في الرابع والعشرين من يناير/كانون الثاني من العام الحالي 2017 جاء يوم حمزة، كما قال، ووافته المنية بعد أن كان رسالة سامية وأثراً خالداً، لا يهمني سبب الوفاة، فكما قلت "الموت جايك"، قدر ما اهتممت بتفاصيل رسالتك حتى نكملها مع من يساندني من بعدك لتحقيق ما حرصت جاهداً على تحقيقه في حياتك.
وبالنسبة لي فقد قمت بسرقة ابتسامتك من بعدك، وأعدك بألا نخذلك، وسنحارب العجز بابتسامتنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.