قبل ستة أعوام تقريباً، الصورة سوداء للإعلام في سوريا، عشرات آلاف "الواسطات" مقابل فرصة حقيقية لشخص مهتم بهذا العالم، باحث فيه، أو دارس له، استطاع بعرق جبينه أن يصل إلى مرتبة إعلامي أو صحفي، في وسط موبوء، يحتاج إلى سنين من الإصلاح وإقناع البعض بأنهم ليسوا حتى كتّاباً درجة عاشرة.
كانت أكثر المظاهر التي تزعجني وتزعج الشبان الجامعيين، دارسي الإعلام، هي أمراض مجتمعنا الذكوري التي تستطيع أن تصل بسيدة ما "مغرية" إلى مرتبة "إعلامية"؛ لأن "البابي" رأى فيها وجهاً إعلامياً مميزاً.
لكن لا تختلف – من وجهة نظري – الصورة كثيراً من حيث كم السوريين العاملين في حقل الإعلام، من دون دراية بعلومه وتفاصيله الدقيقة، بين الوقت السابق وحالياً.
كوني صحفياً، يسألني يومياً ما بين 5 و10 مواطنين سوريين عاديين عن فرص عمل في مجال الإعلام، بعضهم يطلبون أن يعملوا معي، وبعضهم يتحدثون عن "مهارات فائقة" في مجال الإعلام يمتلكونها ويستطيعون من خلالها إقناع مدير أي مؤسسة إعلامية بها، لكن في الحقيقة فإن هنالك على الأقل شخصاً من بين كل 100 أو 200 من هذا النوع يستطيع استيعاب فكرة أن الإعلام يحتاج إلى بحث ودراسة ومعرفة وهو ما ليس موجوداً لدى البقية.
القضية أشبه بالمسلسل السوري "بقعة ضوء"، الذي كان يستقبل القائمون عليه عشرات آلاف اللوحات ثم يختارون من بين كل هذه اللوحات ثلاثين لوحة أو حتى أقل، علماً أن معظم مقدمي اللوحات يدّعون مناسبتها للمطلوب، حتى إن لوحة من لوحات المسلسل الكوميدي الشهير تحدثت عن كون الكثير من فئات الشعب تدّعي امتلاكها لموهبة الكتابة، والكتابة الكوميدية بالتحديد.
على الجانب الآخر، الملايين اتجهوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ ليعبّروا عن آرائهم، ليكتبوا عن عشرات القضايا منها في السياسة والمجتمع، ويعلّقوا على أحداث ضخمة، ويشرحوا قضايا من وجهة نظرهم، لكن كثيراً منهم يتعاملون مع جمهورهم كأنهم شخصيات عامة.
آلاف المحللين في كل المجالات يجدون في حائطهم على "الفيسبوك" منفذاً لأفكارهم، لكن من دون أن تحقق الوسيلة معناها الآخر "تواصل اجتماعي"، أي تبادل آراء، نقاشات، وبحث في قضايا معينة كمجموعة، وليس فقط عرضها من وجهة نظر واحدة، يعتقد صاحبها أنها سديدة.
في الحالة السورية، عشرات "البوستات" حول مواضيع متعددة، أستغرب هذا الكم من الأفكار مقابل نسيان أن "البوست" مذيّل بـ"تعليقات"، وبالتالي احتمال مشاركة الأصدقاء والمتابعين لأفكارهم حول ذات "البوست أو الموضوع"، لكن الملايين من كاتبي "البوستات" أصحاب شخصيات ونفسيات "الشخصية العامة"، من إذاً سيعلّق ويتناقش ويتحاور في مواضيع خلقت أسياداً معتدين بآرائهم ويحاولون شرح مدى عبقريتهم لك؟
حتماً كشفت مشكلتا الإعلام والتواصل السابقتان حاجة كثيرين إلى الظهور، إبراز الذات، والشعور بالنجومية، إما عبر الدخول في عالم الإعلام و"شاشات التلفزيون" أو عبر تصنيف البعض لأنفسهم كشخصيات عامة عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي الحالتين هنالك خلق أكثر لأزمات الثقة بالنفس "الزائدة عند البعض"، وإشعارهم مع كل ظهور أو "لايك" جديد بأنهم "قادة رأي – شخصيات هامة"، الكثير من الناس ينتظرونهم بفارغ الصبر.
ثم عمّقت ميزة الظهور المباشر "في الفيسبوك تحديداً" المشكلة؛ إذ بات كثيرون يستخدمونها "لنصح الغير"، وبات جمهور الفيسبوك محاطين بعدد كبير ممن يتحدثون عما يجب للناس عمله، وما يجب الامتناع عنه؛ ليستغل البعض هذه الحالة في زيادة عدد المعجبين والمتابعين، وبالتالي عدد المشاهدات، ثم زيادة حالة النشوة بـ"أنا محبوب ويجب ألا أنقطع عن جمهوري".
لا يمكن نكران أهمية وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في إظهار آراء لشخصيات واعية ومؤثرة يستفاد منها متابعون كثر، لكن هي أيضاً أفسحت المجال لبعض الأشخاص للظهور بعُقدهم النفسية في وقت هم بحاجة ماسة إلى علاج حقيقي قد يكون بزيارة أقرب طبيب نفسي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.