تتميز الأمم المتحضرة في تجسيد نقاشاتها عن الرفاهية والإنسانية والتخطيط لتوفير خدمات تتعلق باحتياجات الإنسان، وبأسعار في متناول الأغلب من الناس.
في معظم الدول المتقدمة، وحتى بعض دول العالم الثالث، توجد شبكة مواصلات تسهّل تنقّل الإنسان إلى أماكنه المقصودة، بعض تلك الشبكات يستحدثها أو تُستحدث بجهود أبناء المدينة أو القرية نفسها، لغياب شركات النقل الوطنية، وليس بها أي استثمار من القطاع العام.
ما دعاني إلى أن أسجل المقال هذا، هو أن حسن التخطيط والقراءة المتمعنة للكتب السياحية كسلسلة كتب lonely planet، ومواقع تناقل المحادثات المفيدة للسياح كـ trip advisor تخلق فرصاً أفضل لاستغلال كل دولار بشكل أفضل، واقتناص الفرص سياحياً لدى الاستخدام الفعال والذكي لقطاع النقل الداخلي في البلد المزار سياحياً، والاستمتاع بالمال الموفر بشؤون أخرى مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء أثناء السفر السياحي، أو العلاجي، أو المعرفي.
فمثلاً في مدينة سياحية عالمية كمدينة سان فرانسيسكو الأميركية تجد بدائل كثيرة في وسائل التنقل من قطار Bart أو تاكسي أو مترو أو شركات سياحية للتنقل داخل وبين المدن.
من علامات التخطيط الناضج للمسافر الواعي، كما سجَّلتها شخصياً، هو دراسة مناطق الجذب السياحي أو العلاجي أو المعرفي، وطرق الوصول إليها بوسائل النقل العام داخل تلك البلاد.
لديَّ تجارب شخصية، وكانت بجهد شخصي، وهي دراسة التجول في بعض المدن السياحية الرئيسية بأرخص التكاليف، وكانت تجربة ناجعة.
وأستعرض بين أيديكم تجربتي في سان فرانسيسكو الأميركية، فكنت أتنقل من مكان السكن إلى مناطق الجذب السياحي باستصدار تذكرة نقل عام بتكلفة 2٫25 دولار مستخدماً:
باص رقم 8
Union square-pier 39
باص رقم 30
Caltrain depot-stockton
باص رقم 28
19 avenue-Golden Gate
باص رقم 47
خط Fisherman Wharf – Van Ness via civic center
لزيارة Golden Gate Bridge, Pier 39, Wax Museum, Financial district, Chinatown , Little Italy, Union Square, Bank of America, Fisherman , Bay bridge, ومحلات تجارية كبرى، واطلعت أكثر وأكثر على المناطق المقصودة سياحياً من خلال استخدام موقع المواصلات العامة الافتراضي للمدينة www.smfuni.com وهو موقع جيد في حينه، وما زال للمسافر الفردي solo أو الشباب، طبعاً لاحقاً استكشفت أنه في كتب صادرة بعنوان "اكتشف سان فرانسيسكو بالمشي!!".
ومن خلال الدراسة الميدانية البسيطة لشبكة التنقل يستطيع المسافر الفطن أن يتجنب التكلفة الباهظة والاستغلال للتاكسي لسائح بالذات في دول منعدمة الرقابة، أو حيث يكثر فيها الرشوات وتآمر أصحاب التاكسي على السائح، أو تضييع الوقت، وتطويل المسافات باللف والدوران.. إلخ.
لعل شأن التنقل بالمواصلات العامة أكثر كفاءة في الدول الصناعية العالمية كباريس، وبرشلونة، وتورنتو، ومونتريال، وسان فرانسيسكو، وهونغ كونغ، وطوكيو، و جوانزو، ولندن، والقاهرة.. إلخ؛ لوجود شبكة مواصلات عامة، مريحة نسبياً، مُعرفة الرسوم، مسبقة الدفع، متوافرة الحراسة والأمن.
ولكن هذا الأمر أثار تساؤلاً آخر في نفسي، هو: ما هو المستقبل الوظيفي للمرشدين السياحيين وشركات السياحة مع انتشار المعارف الرقمية وانتشار تطبيقات الآيفون المتعددة، لا سيما في المجال المعرفي والسياحي والفندقي؟ هذا التساؤل كان في ذهني ما يربو على عشر سنوات تقريباً.
ما زاد حجم التساؤل هو أنه استنهض تساؤلات أكبر، واستحضارها من واقع عشته عندما كنت أعمل قبل عام 1991م، وفي أحد مصانع البتروكيماويات بإحدى الشركات تمت إعادة ضبط برمجة تشغيل مجمع معمل احتباس الضغط الترددي pressure swing absorber لإنتاج غاز خاص من خلال 5 – 6 خطوط هاتف لتأمين الاتصال عن بُعد، أي تمت إعادة ضبط إعادة التشغيل التوازني للمعمل من خلال فني إلكتروني وتشغيل من خارج قارة آسيا، وكان التقني رجل صيني يحمل البطاقة الخضراء ويعمل لصالح شركة UOP ويقيم خارج آسيا، لاحِظ أن هذا العمل قد تم القيام به قبل التطور الإلكتروني الرقمي التقني المتسارع والمعروف في هذه الأيام، ولك أن تتصور التطور الرقمي بعد مرور أكثر من 26 سنة بعد ذلك العمل في مجالات عدة.
ما يزيد من حجم التساؤلات والتحديات في أذهان الجميع من أبناء البشر هو مستقبل الوظائف التي يعملون بها من جهتين:
1- غياب الأمان الوظيفي بسبب القرارات التعسفية الإدارية في بعضها، والتقلبات الاقتصادية العالمية المتشابكة.
2- توسع التطبيقات الإلكترونية للذكاء الصناعي المتسارعة من جهة أخرى وإحلاله مكان بعض البشر.
فحديثاً وسائل الإعلام تنقل لنا عن تسارع تطبيقات التنقل الذكي بدون سائق، وعن إدخال خدمة النادل الروبوت في بعض مطاعم اليابان، وعن تدشين المكتبات الإلكترونية والصوتية الافتراضية في أوروبا وأميركا واليابان، وإطلاق الدورات الدراسية التدريبية عن بُعد، وتحليق الدراسات الجامعية عن بعد، وانتعاش التجارة الإلكترونية العابرة للحدود تطرح تساؤلات مُلحة في ذهن سائقي التاكسي حول العالم، وعاملي المطاعم، أي النوادل في مطاعم الدنيا، وأمناء المكتبات في المعمورة، وأصحاب المحلات، ومحاسبي المحلات، وملاك مراكز التدريب المحلي وكوادر بعض الجامعات الأهلية عن مستقبل مشاريعهم ومصدر رزقهم ووظائفهم المهددة بالانحسار، أو العولمة مع نمو تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
في أحدث تقرير قرأته عن وظائف المستقبل الصادر عن مركز معارف للتعليم والتدريب، يفتتح التقرير صفحاته بالقول:
* 65% ممن هم في عمر الثانية عشرة سيعملون في وظائف لم تظهر بعد.
* 60٪ من فرص العمل التي سوف تظهر بعد عشر سنوات من الآن لم تبتكر بعد.. هذا الكلام نقلاً عن السيد Thomas Frey, Senior,
Futurist at the DaVinci Institute.
شخصياً أنصح القارئ لهذا المقال ولمن يود أن يشارك في نقله بأن يكون على اطلاع تام ومتابعة لصيقة بتقارير تغطي وظائف المستقبل؛ لأن حجم التحديات سيزداد مع تزايد حجم البشرية في دول العالم الثالث من جهة، ومن جهة أخرى تزايد الصراعات الاستباقية التجارية والإلكترونية بين الدول الصناعية التي تزداد نسبة الشيخوخة بين مواطنيها، وقلة الخصوبة لنسائها، والاستطراد السريع في تفعيل التطبيقات الذكية للبرمجيات سداً لنقص في الموارد البشرية من ناحية، وللنأي بأنفسها عن استجلاب موارد بشرية قد تؤثر في البناء الديموغرافي والأيديولوجي لمجتمعات الدول الصناعية.
من المهم للمقيمين في بلد ما والمهاجرين لأي بلد والمواطنين المتواجدين في الدول ذات الملاءة المالية العالية، أن يستقرئوا حركة النمو في التطبيقات الإلكترونية الذكية؛ لئلا يصحو وقد أصبحت مهنهم في خبر كان أو على وشك، وهذا يذكرني بحجم المظاهرات العارمة في عام 2016 التي عمَّت دولاً نامية عدة كمصر والهند وبعض دول صناعية متقدمة كفرنسا ضد تطبيق شركة uber لخدمة المواصلات.
المؤلم هو أن معدل التوعية الاجتماعية في هذا المجال يكاد يكون منعدماً في دول العالم الثالث، ويتفاجأ الكثير من الناس، خصوصاً قليلي الاطلاع، بحجم النمو في عالم التطبيقات الذكية.
وللحق فإن التطبيقات الذكية والذكاء الصناعي إلى جانب أنها سحقت وستسحق مهناً خدماتية تقليدية، ففي الضفة الأخرى من الحدث، ستخلق التطبيقات الجديدة وظائف جديدة أخرى لم نسمع بها الآن.
أذكّر نفسي والقراء الكرام بأنه من الضروري معرفة أنه قد يسجَّل تنافس على بعض وظائف المستقبل بين المواطن المحلي والمواطن العالمي digital citizen الذي يقبع في بلد آخر أو قارة أخرى، هذا إذا استمر مفهوم العولمة في نموه، الذي سيتجاوز مع التطبيقات الحديثة حدود الجغرافيا والخرائط المرسومة، وحينها سيجد الكثير من الناس والشركات وقد سُحب البساط من تحت أرجلهم على حين غفلة.
للاطلاع أكثر:
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.