مُعلِّمتي عشق لا ينتهي

أجَل لي معها قصص وحكايات كُثر، ودروس وعبر، لولاها لكنتُ تائهاً في درب الحياة، فهي التي أصرت إصراراً شديداً على أن أكون طالباً في مقاعد الدراسة، ستستغربُ لو قلتُ لك إنها ولمدة أكثر من شهر في العام الدراسي الأول الذي التحقتُ به كانت تأتي معي إلى المدرسة؛ لأنه عندما سجلني والدي رفضتُ المباشرة والالتحاق مع الطلبة، حينها لا أدري لماذا رفضت؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/28 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/28 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش

ما زلتُ أذكرُ ذلك الجدار في غرفة صغيرةٍ، كانت الغرفةُ مأوى للنوم والجلوس والراحة والطعام ومكتبة تحتوي على مجموعة كتب قيمة، في حجرة من بيتٍ صغير تسكنه ثلاث عوائل معاً، لا يزالُ عالقاً في ذاكرتي ذلك الجدار التي كانت معلمتي تخطُّ عليه حروف الهجاء الأولى، كان لشديد حرصها على تعليمي، تفعلُ أشياء يراها أصحابُ التربية الحديثة خاطئة، كنتُ مع بداية النوم، وما أن تأخذ أجفاني تلِذ بالنوم تصرخُ بي: قم اكتب الكلمة الفلانية، فإنني آراك لم تتقنْ كتابتها، أقومُ مسرعاً لأكتبها بإصبعي الصغير على الجدار،

ثم أرجع لأكمل النوم، وهكذا تستمر الأيام، ويستمر التعليم في المدرسة، مدرسة الأم العظيمة، أجل إنها المعلمة والمربية الأولى التي عشقْتُها، ولن ينتهي هذا العشق ما حييت، ولي معها مشاهد كثيرة، إنها أمي.

أجَل لي معها قصص وحكايات كُثر، ودروس وعبر، لولاها لكنتُ تائهاً في درب الحياة، فهي التي أصرت إصراراً شديداً على أن أكون طالباً في مقاعد الدراسة، ستستغربُ لو قلتُ لك إنها ولمدة أكثر من شهر في العام الدراسي الأول الذي التحقتُ به كانت تأتي معي إلى المدرسة؛ لأنه عندما سجلني والدي رفضتُ المباشرة والالتحاق مع الطلبة، حينها لا أدري لماذا رفضت؟ هل لأنها واقع جديد؟

العبرة من القصة أنها كانت تأتي معي إلى المدرسة تقف بجانب الصف تنظرُ إليَّ من بعيد عسى أن أتأقلم مع الواقع الجديد، لم يحدث هذا، ولا زالت في مُخيلتي تلك الأيام إلى أن استقرت الأمور بعد مضي شهر، قامت بعمل تربوي تحفيزي باتفاق مع إدارة المدرسة، كانت تجلب الهدايا وتعطيها للإدارة، وكانت المديرة تقوم بتكريمي أمام الطلاب، كان لها أثر كبير في نفسي، تبيَّن لاحقاً أنها أمي هي مَن كانت تجلب الهدايا (طلع مضحوك عليَّ).

ربما لو أحصينا المواقف فهي كثيرةٌ جداً، لكن لا بدَّ أن نشير لشيء غايةٍ في الأهمية إلى أننا ما زلنا نذكر كل المعلمين والمعلمات، ولا نذكر الأم أبداً، الوفاء في مجتمعاتنا قليلٌ جداً، الوفاء لا يكاد يذكر، عندما نصل إلى القمة نتخيل أنفسنا وصلناها بمفردنا، وننسى أن هناك أناساً كانوا يدفعون بنا إلى الأمام، أجَل هي التي حفزتني وأقرأتني القرآن منذ نعومة أظفاري، لربما لو تحدثنا عن كل شيء، لكتبْنا الكثير والكثير، إنها معلمتي الأولى، رفيقة درب الحياة، أول سؤال أساله عند دخول البيت أين أمي؟

تمضي الأيام ويُنهي تلميذها الأول الدراسة الجامعية، هو إنجاز لي ولها، كل ما سيكتبُ في سيرتي الذاتية هي أصله، وهو امتدادٌ لسيرتها، فسيرتها لن تقتصر عليّ، ستمتد على من أعلمهم وأدرسهم.

الكلام كثيرٌ عنها، لكن أودُّ أن أخرج بما يلي:

1- إصرار الأم على نبوغ ابنها وتعليمه وتربيته، وألا يفوت فرصة للتعليم وإتقان العلم.

2- التحفيز المستمر الذي لم ينقطع على مدار عام في العام الأول، ينبغي على أولياء ممارسة هذا الدور في التربية على أن يكون بعد الإنجاز وليس قبله.

3- دور الإدارة المدرسية في التعاون مع الأهل، وهذا يؤكد أن المدرسة والعائلة هي عملية تربوية تكاملية يكمل بعضها الآخر.

وأخيراً:

لَيْسَ يَرْقَى الأَبْنَاءُ فِي أُمَّةٍ مَا ** لَمْ تَكُنْ قَدْ تَرَقَّتْ الأُمَّهَاتُ

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد