مسلسل العنف والعنف المضاد.. إلى متى؟!

من هذا الاستعراض السريع لمسيرة العراق السياسية خلال الـ60 عاماً الماضية، نرى أن الصراع بقي مستمراً، إلا أنه يأخذ منحىً مغايراً كل مرة. وقد نتج عن هذه الصراعات، وفي كل مرة، محاولات لِزجِّ عموم الشعب فيها، وذلك عن طريق تشكيل منظمات عسكرية شعبية،

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/23 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/23 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش

يُعرف العنف الاجتماعي بأنه سلوك عدواني يتخذه الفرد أو مجموعة أفراد في مواجهة الآخرين، ويستند إلى الكراهية وإنكار الآخر.. وما يهمنا هنا، هو مسيرة العنف التي لازمت المجتمع العراقي. وحتى لا نطيل ومن دون مقدمات أخرى، نبدأ من انقلاب أو ثورة 14 يوليو/تموز 1958.

تحت شعار القضاء على الرجعية وأذناب الاستعمار، قام كل من الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف، وبعض الضباط الآخرين بهذه الحركة الانقلابية للإطاحة بالحكم الملكي، فتم قتل الملك والوصي ورئيس الوزراء المخضرم نوري السعيد، ورهْطٍ غير قليل من أقطاب السياسة، ليتم إعلان الجمهورية.

لم يمضِ وقت طويل حتى تم اتهام عبد السلام عارف بمحاولة الانقلاب على الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس وزراء الحكم الجمهوري، وزُجّ به في السجن. وعندئذ، برزت التناقضات الجوهرية بين رفاق الأمس الذين ساندوا الثورة أو الانقلاب على الحكم الملكي، وأعني الحزب الشيوعي وجماهيره من جهة، والاتجاه القومي العربي الذي تزعّمه فيما بعد حزب البعث ومؤيدوه، من جهة أخرى.

وقد بدأ الخلاف الشكلي على موضوع الوحدة العربية، إلا أنه في الحقيقة كان الخلاف أعمق من ذلك، حيث إن كلا الطرفين كان يطمح إلى السلطة. وقد أدرك عبد الكريم قاسم هذا الخلاف بين الطرفين، فحاول استغلاله للاستئثار بالحكم، فقرب الشيوعيين بادئ ذي بدء؛ بهدف القضاء على التيار القومي العربي، الذي رفض بشدة إبعاده عن السلطة. فحاول الانقلاب عليها بحركة العقيد عبد الوهاب الشواف عام 1959.. وقد أدى القضاء عليها إلى اندلاع الحرب الأهلية الأولى في العراق بين الاتجاهين أو التيارين القومي والشيوعي، فقتل الكثير من أبناء الشعب في الموصل وكركوك وبغداد. ثم استقر الأمر لزعامة عبد الكريم قاسم، الذي توجس خيفة من الشيوعيين، ورغبتهم في الوصول إلى السلطة، فبقي فوق الميول والاتجاهات، على حد زعمه.

وبعد فترة من محاولة اغتياله الفاشلة، تمكنت قيادات حزب البعث من القيام بعملية انقلابية دموية، أطاحت بعبد الكريم قاسم، والشيوعيين معاً في فبراير/شباط عام 1963، وأُعدم عبد الكريم قاسم في محطة الإذاعة العراقية، كما قُتل الآلاف من الشيوعيين وأنصارهم في الشوارع، واعتُقل الكثير منهم أيضاً.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، أُطيح بحزب البعث أيضاً من قِبل عبد السلام عارف، الذي مثَّل الاتجاه الناصري العربي، فقتل الكثير من البعثيين ومؤيديهم، وزج بالباقين منهم في السجون.

وبعد مقتل عبد السلام عارف بحادث طائرة في البصرة، تسلم أخوه عبد الرحمن عارف مقاليد الحكم من بعده. وقد اتسمت فترة حكمه بالهدوء السياسي، وجرت انتخابات ديمقراطية للنقابات والجمعيات، فاز في أغلبها الاتجاه اليساري آنذاك.

بعدها، اندلعت الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1967 التي سميت نكسة يونيو/حزيران، وكان من إفرازاتها غضب الشعوب العربية على حكامها، فعاد حزب البعث بزعامة أحمد حسن البكر إلى السلطة بانقلاب عسكري على الرئيس عبد الرحمن عارف، وذلك عام 1968. ثم بعد ذلك بأكثر من 10 أعوام، انقلب صدام حسين عليه، فهيمن على حزب البعث الحاكم، بعد أن أعدم بعضاً من رفاقه في القيادة، ثم دفع بالعراق إلى حروب ذهب ضحيتها الآلاف من خيرة أبناء الشعب العراقي في حرب الخليج الأولى مع إيران، ثم في حرب الخليج الثانية بعد غزو الكويت.

ونتيجة للغزو الطائش للكويت، تم حصار الشعب العراقي لمدة تزيد على الـ10 سنوات، وقد كان حصاراً جائراً عانى منه الشعب الأمرين، والذي لم يمر بسلام، حيث جرى بعد ذلك احتلال العراق عام 2003، فقتل الآلاف من المدنيين والعسكريين جراء هذا الاحتلال.

وبعد إسقاط النظام، تبوأت الأحزاب الإسلامية والكردية والمعارضة الحكم في العراق، فتم حل الجيش، واجتثاث البعث، الذي كان يهدف في حقيقته إلى اجتثاث الفكر القومي العربي في العراق، وإلا لكان بدل ذلك إحالة من ارتكب جرائم بحق الإنسانية إلى المحاكم مثلما جرى في جنوب إفريقيا مثلاً.

وعلى كل حال، فإن ذلك قد أدى إلى صراع بعض القوى المتضررة فكرياً ومادياً، مع السلطة. وقد استغلت القاعدة، وهي حركة إسلامية متشددة، هذا الصراع ابتداء. وبعد القضاء عليها من قِبل الصحوات، جاء تنظيم "الدولة الإسلامية" أو ما يسمى "داعش"، فاحتل أراضي شاسعة من أرض العراق. وقد ساعد على ظهوره وتوسعه، السياسة الفاشلة التي اتبعها المالكي في محاولته للاستئثار بالحكم ليكون القائد الضرورة الثاني بعد صدام.

وقد فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، وأدى بالعراق إلى أن يخوض حرباً شرسة أخرى، ذهب ضحيتها الآلاف من خيرة شباب العراق. كما أدى إلى ضياع ثروة العراق الطائلة التي كانت تحت يده.. وما زالت الحرب قائمة إلى يومنا هذا، وما زال نزيف الدم مستمراً.

من هذا الاستعراض السريع لمسيرة العراق السياسية خلال الـ60 عاماً الماضية، نرى أن الصراع بقي مستمراً، إلا أنه يأخذ منحىً مغايراً كل مرة. وقد نتج عن هذه الصراعات، وفي كل مرة، محاولات لِزجِّ عموم الشعب فيها، وذلك عن طريق تشكيل منظمات عسكرية شعبية، فتم البدء بالمقاومة الشعبية، ثم الحرس القومي، فالجيش الشعبي، وأخيراً الحشد الشعبي.. وكأن التاريخ يعيد نفسه! فلا الشعب استفاد من تجاربه الدامية المريرة، ولا النخبة حاولت العثور على نقاط الالتقاء أو مد الجسور، بدلاً من إثارة النزاعات، وإشاعة الفرقة، فمن المسؤول عن كل ذلك؟! هل هو الشعب الذي يدفع النخب السياسية إلى الاتجاهات المتصارعة أم أن الزعامات الحزبية والفئوية تستغل الشعب للوصول إلى السلطة؟

ولكن، السؤال يبقى يلح في الأذهان: متى سنكون قادرين على إيقاف دوامة الدم، والعنف، والعنف المضاد.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد