ويصدف أنه لا مهرب من صناعة الكذب في حياتنا اليومية، ولنا أن نصوغ ما نشاء من الأكاذيب ليكون لنا سُلطة على الآخرين، فأحياناً يكون الكذب سُلطة من لا سُلطة لهُ، يتمرمغُ فيه كما تتمرمغ الحيوانات في التراب؛ لينظف ما يشاء من حقائق مريعة في نفسه، يأتي الكذب ليغطي حقيقة بشعة فينا ويُجمّلها، عندما لا نستطيع الاعتراف بهذه الحقائق.
فهو صناعة نتعلمها قبل أي دراسة وأي مهنة..
ثم نخال أننا نستطيع أن نمارس هذه السُلطة في حياتنا اليومية كما نمارس الأكل والنوم وكسب المال، ولكن أن نخطط لنكذب فهي من الصناعات الضخمة، ليست للرعاع، والخاصة من الناس يُموّلون هذه الصناعة، فينشئون لها المعامل الضخمة؛ لتكون صناعة رائجة مع سبق الإصرار، فكيف إذاً نُنشئ صناعة الكذب؟
أولاً: علينا أن نتوهم أن كل من حولنا كاذبون، ولذا عندما نقابلهم بالكذب فلا ضرر.
ثانياً: المُماطلة من أهم ظروف اللعبة، تبدأ بكذبة وتلحقها بأخرى، كالمسبحة خيط واحد يربطها والعقدة في يديك، تقفلها متى تشاء.
ثالثاً: الضحك والفكاهة من أهم ظروف هذه الصناعة أيضاً، فهي لا تسبب الحقد، وتأتي كالماء بترطيب القلوب.
رابعاً: عليك أن تموّل هذه الصناعة بين الحين والآخر ببعض الحقائق لتكون النتيجة جيدة.
خامساً: الجديّة؛ فطابع الجديّة يضفي على الكذب مظهر الصدق.
سادساً: لا بد من محاور عدّة وخط دفاع، يأتي كالجنود أمام الملك في لعبة الشطرنج، تشبه الحقائق التي ذكرناها ولكن سُلطتها بيد بعض الأصدقاء، أي اتحاد الشياطين الذي يوثق الحقائق، فعندما نكذب يساعدنا الآخرون على توثيق هذه الكذبة.
سابعاً: وأخيراً وليس آخِرًا.. الضربة القاضية تختارها في أي وقت تشاء.
وعندما تتمكن من هذه البدايات، تكون المُصنّع الأول لحياة وهميّة كاذبة، مُمثلوها أمامك والمخرجون خلفك، وأنت المُنتج والكاتب، وبهذا تتمركز على عرش صناعة الكذب، لتمدَ يدكَ وتشرب كأسَ التلاعب والإبداع في رؤية الآخرين بعدسة مُكبِّرة، كيف يتحركون ويعملون في هذا الجو الذي خلقتهُ؟! ومن المفيد أن تفاجأ في بعض الأحيان بأن كل ما تفعله لا يسري على البعض، فتتعجب: كيف بهذه السُلطة العظمى في العالم ألا تحرك أتفهَ الناس أمامها؟! كيف لا يسري هذا القانون على هؤلاء البعض؟! ولمَ؟!
فهل الكذب جينات وراثية موجودة عند الأكثرية وعند الأقلية مفقودة؟ أم أن الاهتمامات تختلف بين بعض الناس عن بعضهم الآخر؟ فيشذون عن القاعدة ليسجلوا رقماً قياسياً بأن البرمجة الأكثرية المنطقية لا تدخل في مناطق هؤلاء، فنجد أنهم مُستهلِكون سيئون لمنتجات هذه الصناعة، فقد تستهويهم صناعة أخرى، كصناعة الصدق، ولكن من يعلم كيف تحدث المفارقات؟ فما تحبه من البسكويت والشوكولا اليوم قد تكرهه غداً! وأولى بصناعة الكذب وتجارته أن تتحول مع المستقبل ووسط زحام الضحايا لتكون موادها الأولية أصفى وأنقى مما لدينا في هذا الجيل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.