يوميات قارب نجاة (6) – “لا تفزعوا، نحن هنا لمساعدتكم”!‎

ومع توزيع سترات النجاة، وإخبار المهاجرين بكيفية الانتقال إلى السفينة، التي تتم عبر نقلهم في مجموعات من خلال قاربي الإنقاذ، تبدأ عملية الإخلاء. أحد القاربين يكفي لـ17 شخصاً تقريباً، وهو ما يعني أن نقل المهاجرين من قارب يحمل 120 شخصاً مثلاً، قد يتم في 7 "نقلات"، وخلال أكثر من ثلاثين دقيقة تقريباً

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/18 الساعة 07:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/18 الساعة 07:12 بتوقيت غرينتش

في واحدة من عمليات الإنقاذ التي قام بها طاقم أكواريوس من "أطباء بلا حدود" و"إس أو إس"، بدا أفراد الفريق مرهقين للغاية لدرجة أنهم ظهروا متجهمين أثناء استقبال المهاجرين القادمين من البحر، لم ألتفت للأمر، لكني انتبهت فقط عندما صاح يوهان، منسِّق عمليات الإنقاذ، في الجميع على السفينة بصوت جهوري: ابتسموا!

يوهان أثناء تقديم المساعدة لمهاجرة وصلت للتوّ

قد لا يشغلك الأمر مثلما لم يشغلني، فأي شيء قد يمتن له الغارق أكثر من أن يتم إنقاذه؟ لكن الحقيقة أن لهذه الابتسامة وقع السحر على المرعوبين القادمين إلينا مرتعدين من الخوف والبرد.

بالنسبة لطاقم أكواريوس، هناك طريقان اثنان لمعرفة أننا أمام مهمة إنقاذ جديدة: الأول، هو أن نرى بأعيننا قارب المهاجرين يتهادى في الأفق أو تتقاذفه الأمواج أمام ناظرينا. والثاني، هو أن تخبرنا غرفة العمليات المركزية، ومقرها روما، بوجود قارب للمهاجرين في موقع محدد على الخريطة، يبعد عنا مسافة قد تتراوح بين ساعة وتسع ساعات، أو ربما أكثر إن لم تكن هناك سفن أقرب من موقع القارب؛

إذ إنه في بعض الأحيان، تستطيع بعض القوارب إرسال إشارات استغاثة بموقعها، هذه الإشارات تلتقطها غرفة العمليات المركزية تلك، وهي مركز لتنسيق جهود الإنقاذ في البحر المتوسط، Maritime Rescue Co-ordination Centres، ومن ثَمَّ يقوم المركز بتحويل هذه الإشارة وبيانات الموقع إلى قائد سفينتنا، الذي يخبرنا بدوره عما يعرفه عن المهمة التي نبحر في طريقنا إليها.

وسواء استطعنا رؤية القارب، أو أُبلغنا بموقعه ثم وصلنا إليه، في الحالتين، يقترب قائد الأكواريوس من القارب، في الوقت الذي يجهز فيه فريق SOS قاربي الإنقاذ على سطح السفينة، وعند الوصول إلى بُعد مناسب عن القارب، ينطلق القاربان وعلى متنهما أفراد الإنقاذ من "إس أو إس"، بالإضافة لـ"أطباء بلا حدود"، يقتربان من قارب المهاجرين، ثم يبدأ ماكس آفيس، نائب منسق عمليات الإنقاذ،
بمخاطبة المهاجرين على القارب قائلاً أول ما يقول: "لا تفزعوا.. نحن هنا لمساعدتكم"، لا ينسى ماكس أن يبتسم أثناء قوله هذه الكلمات، ولا يقترب قاربا الإغاثة من قارب المهاجرين إلا بشكل محسوب، قبل أن يخبرهم ماكس بأن أفراد الإنقاذ سيقومون بتسليمهم سترات للنجاة، وأنهم سينقلونهم إلى مكان آمِن في غضون دقائق.

عملية توزيع سترات النجاة على المهاجرين قبل نقلهم إلى السفينة

عندما سألت رالف، قائد أحد القاربين المخصصين للإنقاذ، عن سبب عدم الاقتراب تماماً من قارب المهاجرين في البداية، أخبرني أن المهاجرين في هذه اللحظة غالباً ما لا يكونون في كامل وعيهم، ما يعني أنهم قد يقدمون على القفز في المياه والسباحة إلى قارب الإنقاذ؛ لأن هذا هو أول ما سيلمع في أذهانهم بمجرد أن تكون قوارب الإنقاذ قريبة للغاية منهم، وعندما حدث ذلك من قبل، كان هناك العشرات في المياه، وهو ما صعّب كثيراً من مهمة فريق الإنقاذ!
عندما يقترب منسق عملية الإنقاذ من القارب، يبدأ بملاحظة المهاجرين، يتوقع أعدادهم التقريبية، ويسألهم بشكل مباشر عما إذا كان هناك أطفال رُضّع أو حالات مرضية خطيرة أو نساء حوامل أو حتى حالات وفاة على متن قاربهم. إذا كان هناك أحياء بحالة خطرة أو أطفال رُضّع، تكون لهم الأولوية القصوى في عملية النقل إلى السفينة، كذلك يحاول منسق عملية الإنقاذ أن يستكشف حالة القارب؛ إذ إنه إذا كان وضع القارب سيئاً، فقد يعطل عملية الإنقاذ، وقد يكون خطراً كبيراً على المهاجرين أيضاً، علمت من أحد من ممرضة شاركت في عمليات الإنقاذ أن هناك أشخاصاً غرقوا داخل قارب المهاجرين حتى بعد أن تحقق التواصل الأول بينهم وبين المنقذين؛ إذ كان القارب مكسوراً من المنتصف، ولم يستطِع المنقذون مساعدتهم في الوقت المناسب، فغرقوا داخل قاربهم!

نقل عدد من المهاجرين إلى قارب مطاطي أكثر أماناً أثناء إحدى عمليات الإنقاذ

ومع توزيع سترات النجاة، وإخبار المهاجرين بكيفية الانتقال إلى السفينة، التي تتم عبر نقلهم في مجموعات من خلال قاربي الإنقاذ، تبدأ عملية الإخلاء. أحد القاربين يكفي لـ17 شخصاً تقريباً، وهو ما يعني أن نقل المهاجرين من قارب يحمل 120 شخصاً مثلاً، قد يتم في 7 "نقلات"، وخلال أكثر من ثلاثين دقيقة تقريباً، يُنقل 17 شخصاً كل مرة، ثم يتحرك القارب إلى السفينة لإيصالهم، في حين يظل القارب الثاني بجوار المهاجرين يهدئ من روعهم ويتابعهم عن كثب.

على الجانب الآخر، ينتظر بقية طاقم السفينة المهاجرين، وبالابتسامة ذاتها التي كان يوهان يتحدث عنها، يرحب الأفراد على السفينة بالمهاجرين بالإنكليزية والفرنسية والعربية، يخلع المهاجرون سترات النجاة، ويساعدهم الطاقم، فيما يحصلون فوراً على حقيبة قماشية تضم ملابس جافة وطعاماً عالي السعرات الحرارية وغطاء أو بطانية، ويتم سؤالهم عن اللغة التي يودون التحدث بها، ثم تتم عملية تسجيلهم.
في عملية التسجيل يسأل موظفو الإغاثة المهاجرين عن أعمارهم، وأي البلاد جاءوا منها، وعما إذا كان لديهم أقارب على السفينة أو في ليبيا إذا ما كانوا أصغر من 18 سنة.

خلال الجولة الواحدة في البحر، قد يتم إنقاذ أكثر من قارب مهاجرين، ولذلك من أجل التنسيق، يعطي الموظفون لكل مجموعة يتم إنقاذها أساور ورقية ملونة يرتدونها حول معاصمهم، يختلف لون كل مجموعة عن المجموعة التي تليها، كذلك يُعطى المرضى أساور ذات لون أزرق، في حين يُعطى القُصّر أصغر من 18 سنة أسورة إضافية ذات لون أصفر.
كل هذه الخطوات تُسهّل لاحقاً وبشدة من مهمة نقل المهاجرين إلى الأراضي الأوروبية عندما يحين الوقت.

موظفو أطباء بلا حدود مسؤولون عن تسجيل المهاجرين على متن أكواريوس
بالتنسيق مع السلطات، يُنقل المهاجرون إلى سفينة أخرى، عسكرية أو مدنية، تذهب بهم فوراً إلى سواحل أوروبا أو يظلون على سفينتنا، التي ما إن يصل عدد المهاجرين فيها لحد معين، قد يبدأ من 300 وقد يصل إلى 700 شخص، تعود أدراجها إلى السواحل الإيطالية لتسليمهم.

أثناء تسليم عدد من المهاجرين إلى سفينة تابعة لخفر السواحل الإيطالي

وفي حالة عدم نقل المهاجرين إلى سفن أخرى، فإن سفينتنا ستقوم بإيصالهم إلى أقرب ميناء بالتنسيق مع السلطات، وخلال هذه الفترة، يتابع الفريق على السفينة توزيع الطعام على "الضيوف" كما يُطلَق عليهم، ويستمر الأطباء في متابعة الجميع، إلى حين الوصول إلى السلطات الإيطالية.. ولكن هذه قصة أخرى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد