يوميات من قارب نجاة (2) | مَن يقود السفينة؟

دعني أحدثك سريعاً عن السفينة التي نركبها الآن، الأكواريس؛ الأكواريس هو الاسم الإنكليزي للمجموعة النجمية المسماة ببرج الدلو، ولمن يهتمون بالأبراج، فإن مواليد برج الدلو يُعرفون برغبتهم الشديدة في مساعدة الآخرين، وربما كان ذلك سبب تسمية السفينة التي بُنيت كسفينة لحماية الثروة السمكية قبل أكثر من أربعين سنة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/11 الساعة 07:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/11 الساعة 07:13 بتوقيت غرينتش

ترتبط رحلة الهجرة الخطيرة عبر المتوسط بالكثير من الموت، إلا أن الأمر ليس كذلك دوماً، فقبل أقل من أربعة أشهر، وفي يوم الاثنين الثاني عشر من سبتمبر/أيلول الماضي، وُلد طفل نيجيري على متن الأكواريس، السفينة التي نستقلها.

"كانت عملية ولادة طبيعية للغاية في ظل ظروف خطيرة وغير معتادة على الإطلاق"، كما قالت القابلة جونكيل، (نعم هناك قابلة هنا!)، التي كانت تعمل مع "أطباء بلا حدود" على متن الأكواريس.

عندما وصلت إلى رصيف ميناء كاتانيا وشاهدت الأكواريس لم أعرف ما الذي يجب عليّ توقعه بالضبط، فسفن الشحن الكبيرة التي تملأ الميناء تعطي انطباعاً أوليّاً بصغر حجم السفينة التي على وشك أن تنقلنا لعرض البحر، لكن طاقم السفينة التي يبلغ طولها 77 متراً استطاع أن يُقلّ منذ نهاية فبراير/شباط الماضي، أي خلال 10 أشهر فقط، 11621 شخصاً من بينهم 7487 طفلاً ورجلاً وامرأة تم إنقاذهم عبر 53 عملية إنقاذ، وهذه المعلومة لا تعزز أبداً ذلك الانطباع الأوليّ.

كان الجميع يعملون عندما وقفت على ظهر السفينة لأول مرة، رأيت يوهان، الذي سأعرف بعد قليل أنه قائد فريق الإنقاذ التابع لـSOS، كان واقفاً على سطح السفينة يشد عدداً من الحبال إلى القارب المطاطي الذي تم إطلاقه في البحر باتجاه القوارب المهاجرة أو من هم بحاجة للمساعدة.

لم أكمل الدقيقة أراقب المشهد قبل أن تأتي منسقة فريق "أطباء بلا حدود" على السفينة لترحب بي ولتخبرني أن هناك تدريباً يجري الآن للمسعفين، انضممت إليهم، لكن للتدريب قصة أخرى!

دعني أحدثك سريعاً عن السفينة التي نركبها الآن، الأكواريس؛ الأكواريس هو الاسم الإنكليزي للمجموعة النجمية المسماة ببرج الدلو، ولمن يهتمون بالأبراج، فإن مواليد برج الدلو يُعرفون برغبتهم الشديدة في مساعدة الآخرين، وربما كان ذلك سبب تسمية السفينة التي بُنيت كسفينة لحماية الثروة السمكية قبل أكثر من أربعين سنة.

تستأجر منظمة SOS Mediterranée الأكواريس منذ فبراير/شباط 2015، وتولت منظمة أطباء العالم Médecins du Monde الجانب الطبي من عمليات البحث والإنقاذ لثلاثة أشهر، قبل أن تتولى تلك المسؤولية منظمة أطباء بلا حدود في مايو/ أيار.

يبلغ عدد أفراد الطواقم المختلفة على السفينة أكثر من ثلاثين شخصاً، بينهم عشرون شخصاً ينتمون لمنظمتي الإغاثة، فيما أتت البقية من خلفيات عسكرية بحرية وهندسية.

قانون البحر الذي يؤمن به مديرو السفينة جميعاً يقول بأنه من غير المسموح أبداً الإحجام عن مساعدة من يحتاجون للمساعدة في البحر، وهو ما يعني أن طواقم المسعفين والأطباء وحتى التقنيين والمهندسين والبحريين، جميعهم يعملون لهدف واحد.

تتسع السفينة لما بين 200 و400 شخص، لكن في حالات سابقة قام المسعفون بإنقاذ أكثر من 700 شخص من قارب خشبي متهالك قبالة السواحل الليبية، ولذلك فهم "يعيدون النظر في تحديد أعداد من يمكن أن تحملهم السفينة" كما أخبرتني ماتيلد، من منظمة SOS، تضم أكواريس غرفاً تتسع لأفراد الطاقم جميعهم ولمن هم على ظهر السفينة، كذلك هناك غرفة للطعام ومطبخ وغرف لغسيل الملابس، ومخازن للمؤن، وما يُطلق عليه "الجسر" وهو المكان الذي يقود منه قبطان السفينة، وكذلك مقر المراقبة والرادار، وغرفة للراديو، وهواتف متصلة بالأقمار الصناعية.

هناك أيضاً قاربا نجاة صغيران يُستخدمان في عمليات الإنقاذ، ومكان يُسمى الملجأ لإقامة من يتم إنقاذهم.
لكن مَن يدير كل ذلك؟
في مايو/أيار من عام 2015 قام القبطان البحري الألماني كلاوس فوجيل، وناشطة حقوق الإنسان الفرنسية صوفي بيو، بتأسيس منظمة SOS MEDITERRANEE بهدف مساعدة الأشخاص الذين يحتاجون للمساعدة في البحر المتوسط. تقول المنظمة إنها مستقلة تماماً سياسياً ودينياً ولا تخضع إلا للمبادئ الإنسانية، وكرامة البشر، بلا أي تحيز ولا وضع في الاعتبار لجنسياتهم أو أصلهم أو انتمائهم العرقي أو طبقتهم الاجتماعية أو اعتقاداتهم الدينية أو حتى مواقفهم السياسية.

يقول مسؤولو المنظمة إن تمويلها بنسبة 99٪ يأتي من تبرعات الأفراد والشركات أو رجال الأعمال، وإن 1٪ فقط من التمويل يأتي من بلدية العاصمة الفرنسية باريس.

تحتاج المنظمة لتبرعات مستمرة؛ إذ تبلغ تكلفة تشغيل السفينة أكواريس ما متوسطه 11 ألف يورو يومياً، ومن ذلك الأيام التي تتوقف فيها السفينة في الميناء لتغيير الطواقم أو لإيصال المهاجرين، أو للتموين.

للمنظمة ثلاثة مقرات رئيسية في أوروبا، وتحديداً في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، تقول ماتيلد أوفيلين، ضابطة الاتصال التابعة للمنظمة على أكواريس، إن الموظفين في SOS لا يحصلون على رواتب تنافسية، ولذلك فهم هنا لأنهم يؤمنون بأنه يجب فعل شيء ما لصالح المهاجرين واللاجئين، وليس أبداً للأمان الوظيفي أو المستقبل المهني، كما تشير إلى أن بعضاً من أفراد الطاقم قرر ترك العمل على سفن تجارية للمساعدة هنا.

المنظمة الثانية على السفينة هي منظمة أطباء بلا حدود.
لأطباء بلا حدود تاريخ طويل من العمل الإغاثي والإنساني، فالمنظمة التي تأسست عام 1971 على أيدي 13 طبيباً وصحفياً في فرنسا وأكثر من 300 متطوع. للمنظمة 28 مكتباً حول العالم، وتوظف أكثر من 35 ألف شخص.

أما عن التمويل، فتقول تيزيانا، مسؤولة التواصل الإعلامي لأطباء بلا حدود على أكواريس، إن 92٪ من تمويل المنظمة تأتي من التبرعات الفردية، في حين تأتي بقية الأموال من الشراكات التي تعقدها المنظمة مع المؤسسات، ومن ضمن ذلك مؤسسات سياسية كالاتحاد الأوروبي، إلا أن تيزيانا أخبرتني أن المنظمة توقفت عن قبول تبرعات الاتحاد الأوروبي بعد الاتفاق بين بروكسل وأنقرة حول ترحيل اللاجئين إلى تركيا، الذي تراه المنظمة غير أخلاقيّ على الإطلاق.

تعمل "أطباء بلا حدود" على أكواريس عن طريق طبيبة وممرضة ألمانيتين وقابلة يابانية، ومنسقة للتواصل الطبي وضابطة للشؤون الإنسانية فرنسيتين، ومنسق لوجستي أميركي، ومنسق للبرامج، ومسؤولة إعلامية إيطالية، ولا يختلف طاقم SOS كثيراً من حيث تنوعه واختلاف جنسيات أعضائه وخبراتهم.

وعلى الرغم من هذا التنسيق المميز، فإن تنظيم رحلات البحث والإنقاذ لا يخلو من الصعوبات، لكن لهذا حديث آخر.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد