العاطفة هي مجموع المشاعر التي أُطلق عليها لقب إنسان؛ إنسان يعقل بعاطفته لا بفكره المتجرد من كل إحساس، هي ليست هوى، وليست انفعالاً لحظياً يزول بزوال المسبب، هي الحب والكره والحزن والأمل والاشتياق، هي كل ذلك مجتمعاً؛ بل هي الإيمان، "فلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
عاطفةُ الحب تُخرجك من حدود العمر الأرضي، تعرج بروحك إلى السماء، وتسري بك إلى عالم الحس، عالم مخبوءٌ اخترق حجاب الإنسانية، لتكون أنت ومحبوبك فقط في فلكٍ تسبحان هياماً، داخل قلب كبير لا ينبض إلا بحبكما.
عاطفةُ الحب وفيّة؛ ذلك أنها صادقة نقية لا ينالها إلا من أتى الله بقلب سليم، خالية من كل الأحقاد والشكوك والأنانية والأمراض القلبية الأخرى التي من شأنها تعكير مجرى ماء الروح، وحبسه في ثنايا منزوية لا تجلب إلا الكره والمقت.
"أُحُد، جبل نحبه ويحبنا"، قول رسول حبيب عن جبل أصم؛ حيث إن لغة المشاعر لا يتقنها إلا المحبون؛ بل إنه وبّخ صاحبه يوماً عندما غيّب عاطفته "أَنُزِعت منك الرحمة يا بلال!" حين مرّ بامرأتين على قتلى رجالهما في المعركة، هي مشاعر دافئة وشفقة متأوّهة تتجلى وقت الحروب، وتتكشف مع يهود أعداء.
بموت العاطفة يموت الإنسان، وبموت الإنسان لا تموت العاطفة، يبقى صيتُها ويبقى طيفها حاضراً، فهي ذكرى لا تموت ومشاعر لا تندثر، كما في قصة أبي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيع زوج بنت رسول الله، "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا إن شئتم"، ففعل الصحابة، وذلك بعدما رأى قلادتها التي أهدتها السيدة خديجة لزينب… أخلص لها لوعةً وحباً حتى وهي في قبرها، بمجرد رؤية قلادة كانت فيما مضى تلف عنقها الطاهر.
استمراءُ القتل وتعظيم الحيوانية ينتجان مسخاً على شكل كائن بشري لا يميز ماهية وجوده؛ إذ إنه لا يشعر، ولأن الرحمة جزءٌ من عاطفة، فهي لا تُنزع إلا من شقي، وما أكثر الأشقياء الذين حرموها، فقاسوا عذاب الجفوة والفراغ الروحي!
"فبما رحمة من الله لِنْت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"، رغم كونها رسالة حق ومصدَّقة من عند الله ومدعمّة بإعجازٍ إلٰهي "القرآن" ومؤزّرة بالغيب والوحي، فإنّه لو كان خشناً جلفاً هائجاً -"حاشا رسول الله"- لانفضوا من حوله، ولكنّ عاطفته المشبعة حبّاً وفطرته المجبولة رحمةً لَيّنت له كل القلوب.
لما هاجر أصيل الغفاري إلى المدينة، سأله الرسول عليه السلام: "كيف عهدت مكة؟"، فبدأ أصيل يتكلم عن جمال مكة وهواء مكة وزينة مكة، فأسكته الرسول عليه السلام وقال:"ويحك يا أصيل! لا تُبكنا، دع القلوب تقر قرارها". هي عاطفة الحب، هو حب الأوطان يا حميم، وعاطفة الشوق الحانية دوماً لموطن ولادتك ونشأتك.
لطالما غلّبت العاطفة على ما سواها؛ ذلك أن عقل الإنسان في قلبه (لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾، إذاً العاطفة هي روح العقل وأصلُ القلب، هي وجدانٌ متأصل في الفؤاد، ودافع فطري يضمن استمرار الحياة "حياة الروح"، فمن يكُ عاقلاً يألم، يشعر بوطأة المظلوم ويتأوه لمصابه؛ حيث إن العاطفة حدث يمتحن مشاعرك ونبض قلبك، يختبر جهازك الحسي المتجمد قسوة، يلهبه حرارة، ويبعثه على الدفء، حدثٌ يجدد خلاياك الحسية ويحييها من بين الرماد الملتهب، خلاياك الحسية التي لربما ماتت دون علم منك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.