الأول يلفظ أنفاسه، يلملم أشياءه للرحيل، والآخر يوضّب مفاجآته للقدوم والحلول. إلهي، قبل أن تسمح لهما بالمرور، اكتب لنا فرحة باللقاء، اكتب لنا عزة وكرامة تسعدنا مع القادم الجديد لتشكيل وتمهيد الطريق، لخارطة الطريق.
إلهي، أسألك أن تكتب لنا مناعةً من الأحزان لا تأكل القلب والروح بصمت وقهر واحتقان. إلهي، أسألك أن تغرز لنا مصدات للرياح لا تكسر النفوس، ولا تقتل بهجة القلوب. إلهي، ارسم لنا ضحكات من القلوب بلا دموع، ولا تشنجات. اكتب لنا المحبة إلهي، ضوِّي لنا ليالي سعيدة، فيها الفرح والتسامح والسلام.
لو رسمنا لوحة المستقبل، ترى كيف تكون؟ ملطخة بالدماء؟ أم مستكينة بالواقع المحتوم؟ لِمَ لا أرسم تلك الخارطة للطريق؟ نحن نرسم وهم يرسمون! أولاً في الألوان ومن ثم المسارات! لأناقش في ألوان الحاضر وأبحث بين ظلال الماضي لعلي أتنبأ ببعض خطوط المستقبل.
اللوحة قاتمة، سماؤها رمادية، وبيوتها هيكلية، وشخوصها هزيلة، طيورها تئنّـ، وزهورها تذبل وتموت.. الشموس تخفت وتذوب، ولا يُرى إلا ظلام حالك السواد.
هي اللوحة.. قاتمة وأنا أبغي التفاؤل الذي لا أجده، وأبغي الفرح الذي لا ألامسه.. في الرسم والحركات والتلوين.. نرسم ويرسمون..!
لنبدأ رسم الشخوص.. أرى هياكل تسير بين مخالب الفقر وأظافر البرد والجوع، نتوجع لهم وهم يتوجعون ويئنّون، أرى طفلاً كان يرتع بالمرج يلاحق الفراشات، والآن يدور وينادي أماً قضت في ملجأ، كان عش الصغير.
أرى شاباً يسابق به في دهاليز الطوارئ يسابق الموت والحياة! من غدر عدو أو صديق! أرى حكاماً تشبثوا بالكرسي وتشدّقوا بالكرامة وضللوا شعباً يطلب الموت الرحيم.. أرى مدناً تفوح منها رائحة الجثث من شهداء كرامة وموت زؤوم.. أرى قدساً تنادي..! وحلباً تباد..! وسوريا تئن..! وعراق يُقسّم، يذوب.. وقبلهم مأساة وفاجعة فلسطين.
ينادون ولا حياة لمن تنادي.. ومن تنادي؟! والجلاد بينها، والسجن بيتها، والوليمة شبابها، والشقيقة عدوتها، والعدو صديقها، والموت رائحة ترابها وهواؤها.
أشاهد اللوحة منقوصة، مبتورة، بلا حبكة، ولا معنى؛ فكلماتها هزيلة، وصورها مبتورة؛ لبشاعتها وفظاعتها… ونحن نرسم وهم يرسمون!
أرى قيماً تُدفن، وموتاً يُنسى، قتلاً لم يعد خبراً عاجلاً، وشباباً ضائعاً تائهاً وسط دوامة العولمة ووسائل التواصل والتقليد والهيمنة والرقص والتطريب، والعصبية والمحسوبية، لشركات ولبرامج وفضائح في الصحافة والتزييف والصفراء من الورقية والمرئية والإلكترونية التي أمست هي التقديس.
أرى شعوباً تركع للجلاد وتدّعي أنها تثور رغم أنها تقتات من فتاته القليل، أرى تقاعساً في هواء نتنفّس، وذلاً في ماء نشرب، ومراً في زاد نطفح… ونرسم ويرسمون!
أرى أمة لا تقرأ كتاباً، لكنها تسلط عليك سيوفاً من الكلمات وقذائف من العبارات، تُقسّم العباد والأديان والبلاد، وهذا هو عين الضياع. ضاعت الأرقام، وتاهت الحروف، اختلطت اللغة وتقسّمت الضاد، اعوجت الدروب واسودت الحارات… ونرسم ويرسمون!
لأقف على حافة ديسمبر/كانون الأول، قد تكبر الصورة التي رسمت، فنحن دوماً نكبّر بالشدّة على الباء، ومن ثم نصغّر، هكذا تعودنا! لأنفسنا! نضع التعاليم والصور والمبادئ والمجسمات، والشعارات الجوفاء، ثم تأتي الأهواء والمصالح والفتن عبر الدهاليز؛ فنقص من هنا ولفة من هناك، قص لحرية مسجونة وللغة غير مفهومة، السجين أدمن الجلاد والباب مكسور بلا مزلاج! هو الخوف والإذعان… ونرسم ويرسمون!
هل وصلنا لاكتمال اللوحة أم هي منقوصة! مبتورة! لِم نشعر بنشوة الانتصار رغم الانكسار؟! ككومة القش تشتعل سريعاً وتبهرك بضوئها ولهبها.. ثم تخمد سريعاً وتموت!
يا لهذا التخاذل في تلك اللوحة..! لعلنا بحاجة لبعض الراحة لإكمال تلك اللوحة فقد تقوّس الظهر وانحنت القامة وضعفت الحواس..
لنغنِّ مع ماجدة الرومي "سقط القناع عن القناع".. حقاً ما يقال له "ربيع "عربي أحرق كل أخضر ويابس وجميل، أسقط كل الأقنعة وهدم كل الشعارات والجسور والصلات.
حرية.. ديمقراطية.. عدالة.. تنمية، أصبحت أوراقاً تُلف بها الأطعمة والسندويتشات على عربة الطرقات، لو! كان هناك سكك، تصل لأمان.
تريدون التفاؤل! لنقف بشموخ وصمود لاستقبال سنة فردية العدد على خارطة الطرقات، ونعيد رسم خارطة الطريق، فها هو عام جديد ونحن بحاجة للون جديد.
كل عام ونحن نرسم خيراً جديداً، كل عام وهم لا يرسمون ولا يتلونون، ولا يلوِّنون! كل عام وأنتم بخير، لعام يقال له سبعة عشر جديد!
لنعد إلى كلمات محمود درويش وغناء ماجدة لنحتفل بالعام الجديد: "سقط القناع عن القناع… قد أخسر الدنيا نعم…. لكني أقول الآن… لا.. إلى آخر الطلقات.. لا.. إلى إلا ما تبقى من هواء الأرض.. لا ما تبقى من حطام الروح.. لا".
كل عام وأنتم بخير.. نعم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.