يعد التوثيق والتأريخ للماضي من الحقوق الوطنية التي يجب بذل المزيد من الاهتمام بحفظها، وينبغي ألا تمس أو تطالها عوامل الإهمال أو الغفلة عن تحرّيها، خاصة أن الأوطان في رقيها وتطورها تمر بمراحل شتى، بعضها مصيره النجاح، وبعضها محطات انتقالية نحو ما ننشده من نجاح وتقدم.
وتزداد في عصرنا الحاضر الحاجة لتوثيق كل مناحي حياة مجتمعاتنا الماضية إزاء كثرة من الأخطار والمخاوف التي تتهدّد ليس الأرض فحسب، وإنما الأكثر خطورة هو ما قد يمسّ الهويّة والانتماء في زمان اضطربت فيه القيم، وتخلخلت الأعراف، وتبدّلت الاهتمامات، وتنوّعت التهديدات.
ولذلك كثيراً ماتشدّني أي كتابات أو وثائق تتناول هذا الجانب الذي أحسب أنه لا يطرقه إلاّ القليلون ممن ينبض فحسّ تحمّل عناء البحث والاستقصاء في معلومات وبيانات يمكن ادخارها للأجيال في متون كتب أو موسوعات يمكن الرجوع إليها في مستقبل الأيام، خاصة لأجيالنا الحالية التي انصرفت اهتمامات الكثير منهم عن كتب العلوم والتاريخ والأدب، وتوجهت نحو أنواع دخيلة وغريبة من الكتب ليس لها قيمة علمية أو وطنية أو معنوية، وإنما هي نتاج ما يمكن تسميته بصناعة التفاهة.
في هذا الصدد بين يدي كتاب قيّم، صدر حديثاً، أهداني إياه صاحبه، الأخ العزيز إبراهيم محمد بن عبدالله الحسن، عنوانه (على متن الطائرة المائية .. حج إلى بيت الله الحرام 1364-1945م) يحمل في طياته عرضاً دقيقاً وسلساً لرحلة إلى الحج من البحرين إلى جدّة قبل حوالي سبعين سنة، سجّل كل تفاصيلها جدّه المرحوم عبد الله بن خليل الحسن.
يتبين من قراءة هذه التفاصيل الموجودة في هذا الكتاب أن السفر إلى الحج آنذاك، ليس سهلاً وميسوراً كما هو الآن.
كان السفر إلى الحج يحتاج ترتيبات واستعدادات لرحلة تتجاوز مدتها – ربما – ثلاثة أشهر؛ حيث كانت تتم عن طريق البحر إلى الهند، ثم إلى جدّة تفادياً لقطع طريق الصحراء التي لم تكن آمنة في ذلك الوقت، كما لا توجد خطوط طيران، ولم يكن حينذاك معروفاً الطريق الجوي.
وفي ذلك يقول المؤرخ الكويتي الدكتور صالح العجيري في مجلة بيئتنا (العدد 108): "الحج قديماً كان يتطلب استعدادات عديدة ومبكرة جداً. وقد ارتبط الحج قديماً بالإبل والجمال التي كانت وسيلة النقل للحجاج من الكويت إلى مكة المكرمة ، وبعد تطور العصر قليلاً، وتحديداً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهر الحج بالسيارة، ومن بعده ظهر الحج بالطائرة، وقد كنت في أول رحلة حج بالطائرة التي خرجت من الكويت عام 1954".
على أن هذا الكتاب يعرض لرحلة الحج على (راحلة) من نوع آخر؛ حيث كانت على متن طائرة مائية (FLYBOAT) هي عبارة عن رحلات قصيرة تعتمد على الهبوط على المسطحات المائية، كانت تسيّرها آنذاك شركة اسمها امبريال أيروايز (IMPERIAL AIRWAYS).
ركب هذه الطائرة للحج جدّ صاحب كتاب (على متن الطائرة المائية.. حج إلى بيت الله الحرام 1364-1945م) مع عدد من أصحابه، كان طريقها الإقلاع من البحرين لتصل إلى مصر ومنها إلى جدّة، مروراً بمحطات البصرة والحبانية وطبرية، وذلك في رحلة لا ينقصها العناء ومقدار الوقت والجهد من أجل الوصول إلى الديار المقدّسة.
أحسب أن قيمة هذا الكتاب ليست فيما وثّقه فحسب، وإنما تمتد لتقدّم لنا مقارنة بين تلك الأيام والآن، وتستنتج حجم التطوّر الهائل في البنى التحتية والطرق والخدمات التي تأسست في عموم دول الخليج بحيث أن السفر إلى الحج الآن أصبح متاحاً وسهلاً من خلال شبكات طرق سريعة وآمنة بين كل دول مجلس التعاون الخليجي، لا يستغرق السير فيها سوى بضع ساعات لتكون في تلك البقاع الطاهرة، وشبكة مترابطة من المحطات الجوية تنقل مئات الآلاف من المسلمين من شتى بقاع الدنيا للوصول بهم إلى مكة المكرّمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.