يتغيّر العالم من حولنا بصورة مفزعة، لا تترك لنا قدرة على التخيّل، وتتزايد الفجوة بين العالم المتقدم تقنياً ومعلوماتياً واقتصادياً وبين باقي بلدان العالم، ليس يوماً بعد يوم فقط، بل كل دقيقة، وهو قول ليس من قبيل المبالغة، فما كنّا نعرفه ونألفه أصبح تقليدياً وعفا عليه الزمن، وتجاوزه الآخرون؛ لتصدق في النهاية نظرية التكيّف والتأقلم مع المتغيرات الجديدة فما لم نتمكن من التأقلم سنلقى مصير كائنات حية هلكت قديماً لجمودها.
الحديث عن عالم جديد من الاقتصاد الرقمي، لم يعد مقتصراً كما عرفنا وقرأنا على مبادلات نقدية أو معاملات للبيع والشراء عبر الويب، فرأى هؤلاء أن فكرة العملة النقدية أو الورقية التقليدية أصبحت بحد ذاتها عبئاً على التطور الاقتصادي الرقمي، فكان ظهور فكرة عملة رقمية جديدة Bit Coin، تتحرر من سيطرة وهيمنة البنوك المركزية العظمى، وتصبح في نهاية الأمر هي معيار المبادلات للسلع والخدمات، بل هي المحدد لقيمة العمل من أجر أو راتب أو تعويض، فنجد أنفسنا أمام وسيط جديد، غير ملموس، لا تقف وراءه جهة معينة، هو مستقبل العالم والاقتصاد، وما لم نتوقف لتقييم ما يحدث بموضوعية ونحدد خطواتنا للانطلاق والتأقلم مع هذا العالم الجديد، فالمقابل مخيف، ولا يمكن تصوره.
فكرة النقود التقليدية
ظهرت العملة الورقية أو الأوراق النقدية (بالإنكليزية: banknote) بسبب المشكلات المتعلقة بتكلفة تخزين ونقل النقود السلعية (التي كان من أهمِّها معدنا الذهب والفضة) التي كان تستخدم لأغراض التبادل السلعي. من هنا تم ابتكار العملة الورقية لتكون بمثابة وعد من الجهة المصدرة بتحويلها إلى نقود سلعية متى ما أراد حاملها ذلك، بعد ذلك تطورت الأوراق النقدية بتطور النقد، فأصبحت قيمتها ليست نابعة من القدرة على تحويلها إلى نقود سلعية، إنما أصبحت تستمد قيمتها من ضمان الحكومات المصدرة لها، وبهذا أصبحت تدعى (النقود القانونية).
والعملة الحالية التقليدية، أو ورقة النقد banknote التي نتداولها يومياً، في صورة مقبوضات نتحصّل عليها مقابل عمل أو بيع وشراء فننفقها في أشكال مختلفة من صور الإنفاق أو ندّخرها، هي في حقيقتها وسيط للتداول أو مخزن للقيمة أو للاحتفاظ بها واكتنازها، والعملة الحالية التقليدية هي شيء ملموس، سواء أكان ورقياً أو معدنياً، كما أنها "أي العملة التقليدية" هي تعبير نهائي عن مقابل السلعة أو الخدمة أو العمل المبذول في صورة ثمن أو أجر أو راتب أو تعويض.
ظهرت Bit Coin للوجود كفكرة في عام 2009، على يد شخص مجهول حتى الآن (أطلق على نفسه اسماً حركياً: ساتوشي ناكاموت)، وتمثل البداية الحقيقية للاقتصاد الرقمي الكوني.
فما هي Bit Coin؟
هي عملة رقمية، لا وجود لها من الناحية المادية، أي غير ملموسة، ولا يقف وراء إصدارها بنك مركزي محدد أو دولة بعينها، وهي أي عملة Bit Coin، عملة يتم تداولها عبر الويب "الإنترنت" وقابلة للتداول مع العملات الرئيسية الأخرى، مثل الدولار واليورو أو غيرها، ومن الناحية التقنية، تتميز هذه العملة بمستويات كبيرة جداً من التشفير التي تحمي مستخدمها من كافة أشكال التحايل والتزوير.
وتزايد الاهتمام بالعملة الرقمية أو بالتدفقات النقدية الرقمية خلال السنوات القليلة الماضية لدرجة أن الخبراء يقدّرون أن هناك ما يقرب من 180 مليوناً من هذه العملة "Bit Coin" منذ إصدارها وحتى ديسمبر/كانون الأول 2016، وتساوي العملة "Bit Coin" قرابة 79, من الدولار الأميركي، وأن ثمة زيادة مطردة في تداول هذه العملة.
كيف يمكن الحصول على عملة Bit Coin؟
ورغم أن ألمانيا من أولى البلدان الأوروبية التي اعترفت بعملة Bit Coin، باعتبارها قابلة للتداول، وتُخضع الشركات التي تحقق أرباحاً من استخدام هذه العملة للضرائب، إلاّ أن مالكي عملات Bit Coin (حتى الآن) خياراتهم ليست كثيرة لإنفاق أموالهم من خلالها، وهو ما يدفع ببعضهم إلى استبدالها مقابل العملات التقليدية، يتم ذلك عادة عبر منصات خاصة بذلك عبر الويب؛ حيث يتم استبدال Bit Coin مع مُستخدمين آخرين لها، يبدو أنه وفي حال ما إذا رغبت الحكومات في معرفة هويات أصحاب بعض الحسابات فما عليها سوى أن تقوم بتقنين عمليات التحويل بدل منعها؛ حيث سيصبح بالإمكان معرفة اسم صاحب كل حساب بُمجرد أن يرغب في استبدال ما بحوزته مقابل عملات تقليدية، وهو ما يُمثل نقطة انطلاق لتتبع الأموال المسروقة.
تتواتر الأخبار اليوم عن بدايات إفريقية للدخول في معاملات اقتصادية رقمية مع الصين، في اقتصاد يبلغ قيمته قرابة 220 مليار دولار أميركي، فكثير من البلدان الإفريقية وضعت قدميها على أول الطريق، للرقمنة الاقتصادية الصحيحة، وللاستفادة من توجهات اقتصادية كونية رقمية لا نعرف إلى أين ستصل بنا بعد سنوات قليلة فقط.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.