يدّعي الصندوق الدولي لرعاية الحيوانات (IFAW)، الذي يقع مقره الرئيسي في مدينة لندن، أن حيوانات الفقمة تُسلخ حية على الثلوج بعد إزالة أعضائها الذكرية (التي تباع باعتبارها طعاماً يثير الشهوة الجنسية). كما تؤكد هذه المنظمة استمرار عمليات قتل صغار الفقمة على الرغم من حظر ذلك.
ولا تحتوي حملة العلاقات العامة التي تُعدها جمعية صائدي الفقمة على أي صور لهذه الحيوانات، ولكنها تحتوي بالفعل على فيديو يُظهر أحد صائدي الفقمة وزوجته وهما يدافعان عن أسلوب حياتهما، فيقول ويل إليورد من جزيرة نيوفاوند لاند: "لقد ظلت عائلتي تصيد الفقمة على مدى أجيال عديدة، فهذا أحد المقومات الأساسية لثقافتنا".
وهكذا يميل أنصار التعددية الثقافية إلى أن يكونوا طيور العقعق الفكرية (وهي طيور magpies من فصيلة الغراب تتميز بأنها تنجذب إلى الأشياء اللامعة)، وهنا نجد أن هنالك 3 ادعاءات حول الثقافة يعتمد عليها منظرو التعددية الثقافية؛ أولها أن نوعاً من الدفاع عن ممارسة معينة هو القول بأنها تُشكل عنصراً في ثقافة الجماعة التي تمارسها كما هو الحال لدى صائدي حيوان الفقمة الكنديين، والتي تعني ببساطة أن تلك الممارسة جزء من ثقافة الجماعة، وبالتالي إلى أي مدى يمكن الاحتكام إلى الثقافة، بمعنى أنه لا يوجد معيار مشترك يمكن بواسطته تقييم الثقافات والممارسات التي تعد جزءاً منها. ومن خلال ذلك، نجد أن الاحتكام يتنافى منطقياً مع ادعاء ثالث، هو أن الثقافات متساوية في القيمة أو أنه ينبغي على أي حالٍ افتراض أو تأكيد أنها متساوية في القيمة. غير أن هذا التضارب بين اللامقايسة الثقافية والمساواة الثقافية لا يمنع منظري التعددية من تبني كل منهما.
وفي ضوء ما سبق، هنالك من يرى أن "المساومة على المبادئ الليبرالية ليست إحدى القيم الليبرالية، ولا يمكن أن تكون كذلك". ومن ذلك تبرز "سياسة الاختلاف" على الرغم من "احترام الثقافات الخاصة"، حيث "لا يمكن أن تتساوى الجماعات من الناحية الاجتماعية إلا إذا كان هناك تأييد علني للخبرات والثقافة الخاصة بتلك الجماعات ومساهماتها الاجتماعية والاعتراف بتلك الخبرات والثقافة والمساهمات".
ولذلك، فقد أفرزت تلك الجدلية قضية أخرى ماثلة في "احترام الفرد لذاته " باعتبارها "إحدى المنافع الرئيسية لليبرالية "، حيث يمكن القول إن "الأساس الاجتماعي لهذا المعنى الأولي لاحترام الذات هو تقدير الآخرين لأنشطة الفرد وأهدافه.. لما كان ما يقوله الشخص ويفعله والخطط التي يضعها، وينقحها تحمل إلى حد ما سمات هويته الثقافية، فإنه لا يمكن الوفاء بشرط احترام الذات إلا في مجتمع يتم فيه الاعتراف بثقافات جميع أفراده وتأييدها من قِبل الآخرين، سواء كانوا يشتركون أو لا يشتركون في تلك الثقافات".
والأمر برمته قد يتطلب، على الأقل، ثورة ثقافية، من أجل تحقيق تلك المبادئ، انطلاقاً من كون تلك المسألة ليست مجرد مسألة " تأمل ونقد"؛ بل ينظر إليها من منظور صائدي حيوان الفقمة الكنديين بأنه "يجب عدم استبعاد أي عادات أو أنشطة اجتماعية باعتبارها موضوعات لا تناسب المناقشة أو التعبير العام أو "الاختيار الجماعي"، وكذلك "تلك الاختيارات الفردية" يجب أن تخضع للتدخل السياسي والتعديل، إذا ما كانت جزءاً من ثقافة المجتمع، التي قد تطلب التقدير المتساوي لجميع الثقافات السائدة، واعتبار ذلك التباين في القيمة الثقافية من ضمن متطلبات "الثورة الثقافية"، إذا ما تم التعامل مع مشكلة ذلك التباين من زاوية أنه لا يمكن التغلب على تلك المشكلة إذا ما كانت الثقافات تحتوي في مضمونها على فرضيات.
فمن بين المظاهر الحتمية لأي ثقافة، احتواؤها على أفكار تفيد بأن بعض الممارسات الفردية أو الجماعية تتعرض لمشكلات مفاهيمية ليست أساسية بطبيعتها؛ بل ضمنية، وفي إطار يخضع لنوعية الثقافة في الحيز الجغرافي لدى المجتمعات المستهدفة، وقد يمكن لتلك المشكلات أن تتزايد لأن "جميع المجتمعات تتحول على نحو متزايد إلى مجتمعات متعددة الثقافات". ويمكن أن تقل تلك المشكلات في حالة الاعتراف بالاختلافات الثقافية.
وتأسيساً على تلك السياقات -المقاربات- المعيارية، حول "سياسة الاختلاف" ينبغي تأكيد أن لكل جماعة ثقافية سياسات عامة مصممة لتلبية مطالبها الخاصة. ومن المعقول أن يكون هذا الأمر قابلاً للتحقيق فقط، من خلال ضمان قدرة الأفراد المنتسبين إلى "الأقليات الثقافية Cultural Minorities" على التحكم في السياسات العامة التي تؤثر فيهم، إما من خلال امتلاك سلطة سياسية تُنقل إليهم، وإما عن طريق منحهم مكانة خاصة من نوع ما فيما يتعلق بالعملية التي توضع على أساسها السياسات.
ولربما نتوقع منهم أن يختلفوا حول السياسات التي من شأنها تعزيز المصلحة العامة بصورة عملية، والتوزيع العادل للمنافع والأعباء الناشئة عن مؤسساتهم العامة، وهذا ما قد نجده في حالة الصراع السياسي حول موجّهات تلك السياسات، ومقدرتها على تقديم صورة واضحة المعالم لتسوية الخلافات باتباع السياسة التي يُفضلها الأغلبية، أو في المسائل ذات الاهتمام المشترك، ولذلك تتألف الأقلية من أولئك الذين هم الخاسر في الخلاف حول مستقبل المؤسسات التي يتشاركونها مع الأغلبية، ويبدو أنه لا تكون هناك أي حجة لإقرار صورة خاصة للأقلية. وبالقطع، سيكون من السخف أن نقول إن أي أقلية تُعرف بهذا الشكل يجب أن يكون لها حق رفض السياسة التي تفضلها الأغلبية، أو أن تكون لأفرادها القدرة على المطالبة بألا تنطبق عليهم السياسة التي لا يوافقون عليها.
وخلاصة القول، نجد أن التداخل بين الثقافة والسياسة يكمن في "سياسة الاختلاف"، وفي "القواسم المشتركة" بعملية دائرية من التعزيز الذاتي، لتبرير تمديد سياسات التعددية الثقافية ما بين الخاص والعام، وانعكاساتها على المظاهر الثقافية التي يمكن أن تنجم عنها، وهذا ما نجده في السياقات التفاوضية أو التشاورية حول قضايا معينة بالمبادئ الليبرالية أو التصورات الفكرية التي يمكن أن ينتج عنها مبادرات إجرائية ذات صلة بتلك المبادئ أو التصورات، والتي تقدم حلولاً بديلة، مبنية على استجابة ليبرالية بديلة، من خلال قرارات استراتيجية المدى في إطار وضعته حركة التنوير للمجال العام للسياسة والثقافة باعتبارهما يحققان الشمولية لإرادة عامة تنظر في الاختلاف والخصوصية والاهتمامات والاحتياجات والمصالح الجزئية في عملية صنع القرار.
ومن هذا المنطلق، جميع المجتمعات تضم بدرجات متفاوتة مجموعة متنوعة من الديانات واللغات والأقليات العرقية والممارسات الثقافية، وبالتالي فهي تضم أيضاً مجموعة متنوعة من المثل الأخلاقية العليا. ويعد المجال العام نوعاً من التسوية يوضح حاجة الأشخاص الذين يتبعون أساليب حياتية مختلفة إلى وضع مجموعة من المعايير المشتركة لتنظيم التفاعل بينهم باعتبار أن التفاعل أمر لا يمكن تجنبه. ولذلك، نجد من يقترح رؤية عملية لمجتمع يدين بالكثير للتفكير الفوضوي حول ادعاءات منظري التعددية الثقافية كما وردت لدى صائدي حيوان الفقمة الكنديين، من منظور "الفوضى الأخلاقية" التي تستند إلى فرضية "التسامح"، ومن تلك العملية نفسها يمكن أن نفسر كيفية ظهور المجال العام من خلال التفاعل بين الجماعات أو المجتمعات المحلية التي تقل الاختلافات بينها فيما يتعلق بالمصالح المتعارضة في مجال يتصل بالاختلافات الثقافية والمبررات الإنسانية بين (حقوق الحيوان/ الإنسان).
وإذا ما كانت هنالك معايير شاملة يمكن وفقاً لها الحكم على الجماعات والمجتمعات المحلية من حيث تلك المصالح المتعارضة أو أن هذه الأحكام لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون أساساً شرعياً لممارسة السلطة السياسية، والتي قد ينجم عنها انعكاسات غير ليبرالية فيما يتعلق بالأسس المتصلة بمفهوم "المواطنة المتكافئة"، التي تواجه بمشكلات محاولات تطبيق "الثورة الثقافية" من حيث المطالبة بالمساواة الثقافية؛ لكونها قد تتعرض لمشكلات مفاهيمية مثل السلطة أو الفرص أو احترام الذات، وهي مفاهيم ذات صلة بتوزيع المنافع غير المادية وعلاقتها بمفهوم آخر يتمثل في عدالة التوزيع؛ أي توزيع الثروات والدخل وغيرها من المنافع المادية.
ومن خلال ذلك، تعمل السياسات المبنية على تلك المفاهيم على صياغة اتجاهات الرأي العام إزاء القضايا المطروحة في المفاوضات أو المشاورات في ضوء استنتاج يتمحور معناه على النحو التالي: "إن السعي إلى تحقيق المصالح الخاصة تحت ضغط مطالبات جماعات معينة، يجب أن يتم في إطار المجتمع والرؤية المشتركة التي يُقرها المجال العام". وبذلك، تحدد السياسات العامة الموجهة لتلك السياقات التفاوضية أو التشاورية ومآلاتها ودورها في احتواء أوجه الاختلافات في المفاهيم، الذي قد يحدثه الصراع الثقافي حول برامج "الثورة الثقافية" ما بين التداخل الثقافي والسياسي، إذا ما تم التعامل مع السياقات الإجرائية للأسس الاجتماعية المكونة للثقافات المحلية، بتنوعها وعلاقاتها مع تيار الثقافة السائدة بصفتها روافد له، والتي قد دأبت على إخضاع الواقع لمفاهيمها، لا أن تخضع هذه المفاهيم لحقائق هذا الواقع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.