الزواج حرمني من نفسي.. وهذه أسبابي!

أطفالنا حين يكبرون سنكبر مع أحلامهم، فيخبرك أحدهم أنه يتمنى أن يصبح طياراً، تشجعينه وتأخذين بيده، ولكن هيهات أن "تحمّليه جميلة"، وتذكرين أمامه: كنت أتمنى أن أكون مضيفة طيران، ولكن عندما أنجبتك أغلقت فمي ولازمت البيت، وكم كبرت اليوم على أن أكون كذلك.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/23 الساعة 00:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/23 الساعة 00:51 بتوقيت غرينتش

يعز عليَّ أن يكون دافع كتابة هذه التدوينة بشكل خاص هو الغيرة، فور أن عرفت أكثر من كاتبة شابة ومدونة من بلدي الأردن شعرت بأنني العجوز التي أوشك القطار أن يفوت أحلامها في الأدب والإعلام.

هذه الغيرة أخذت نصيبها من الغضب، من نفسي، وممن حولي.
لا تستهويني كثيراً النصوص التي يتحدث فيها الكاتب أو الكاتبة عن تجربته الشخصية، إلا أنني في هذه السطور أكتب عن سابق إصرار وتحسّر فيما يتعلق بتجربتي اليومية.

نحن نعيش حياة إما نختارها أو يجب أن نعيشها، ولسنا دائماً موفقين بحسن الاختيار، اخترت مرة أن أكون امرأة متزوجة، وأنا أعي إلى حد كبير كيف ستضيق خياراتي كأم في مرحلة لاحقة.

الحالة التي سترافق مشواري الكتابي بشكل أبدي هو أنني أُم، والأم لا تمتلك وقت يومها، وليس أن الكتابة هي عمل أستطيع تأديته بعد أن ينام جميع من بالمنزل.

لست الأم التي تنشر صور أطفالها على الإنستغرام، والفيسبوك تحت عنوان" حبايبي الشطار" أو "روح قلبي الله يحميهم"، جميع الأمهات يدعون بسرهن "الله يحمي أولادنا"، ولا داعي أن نستعرض حبنا فقط لأطفالنا على هذه المواقع، وذلك أننا نتعب منهم ونغضب في اليوم أكثر بكثير مما نفرح وننعتهم بـ"الأمامير"، ننشر فقط الجانب الكوميدي والجميل، فلِمَ هذا النفاق على أنفسنا وعلى بعضنا؟!

أطفالنا حين يكبرون سنكبر مع أحلامهم، فيخبرك أحدهم أنه يتمنى أن يصبح طياراً، تشجعينه وتأخذين بيده، ولكن هيهات أن "تحمّليه جميلة"، وتذكرين أمامه: كنت أتمنى أن أكون مضيفة طيران، ولكن عندما أنجبتك أغلقت فمي ولازمت البيت، وكم كبرت اليوم على أن أكون كذلك.

أن أنسى من هي الدولة الخامسة التي تملك حق الفيتو وأنا في هذا العقد من العمر ليس جريمة لا تؤهلني للكتابة والنشر، أن أنسى أحداثاً تاريخية كثيرة مهمة متعلقة ببلدي الأردن، وبلد أجدادي فلسطين، والبلاد العربية وغير العربية هو مؤشر لا يحتاج إلى النقاش على مستوى ثقافتي المتراجعة والتي لا تساعد من تطمح لأن تصبح كاتبة في شيء.

كنت أعتقد أن مَن يكتب هو فرد ملتزم، ملتزم مثلاً بصلاةٍ خاشعة، له حضوره الخاص أينما ذهب حتى لو ذهب إلى "سوق الخضرة"، ولا يفاصل البائع في شيء، لا يأكل بنهم، لا يتثاءب في العلن، لا يعنف أطفاله ولا يشتمهم، إذا فكر بفعل خطيئة يفعلها بأدب، وهو لا يطمع بالميراث بعد موت والده ولا يغار من إخوته في شيء، وأنه يستطيع أن يجيب عن أسئلة المحاور بطلاقة حتى لو كانت باللغة الإنكليزية، ليس لأنه منّزه عن فعل الأخطاء، ولكنه ككاتب أو كاتبة مشهورة يستطيعان تحويل تفاصيلهما اليومية إلى قصة قصيرة مؤثرة أو قصيدة مغناة، فالغيمة للجميع هي غيمة، أما بالنسبة للكاتبة فلها دلالات مختلفة.

كما أعتقد أن للكاتب أو الكاتبة طقوساً محترمة، فكل النصوص التي قرأتها وأعجبتني كنت أتمنى لو عرفت عن قرب كيف كتبت، وما هي الهيئة التي كان يتخذها الكاتب بينما هو يكتب.

وهناك مَن يكتب فيعرفه الناس، وهناك مَن يكتب ويبقى هو وحده من يقرأ كتاباته، أما أن يختار أحدهم بكامل إرادته أن لا يعرفه أحد، هذا لم أفهمه بعد.

بنت الشاطئ لم تعرّف عن نفسها لأسباب معروفة تعود للزمان الذي كانت تكتب فيه المرأة، أما في يومنا هذا فمن الغريب أن يحصل أحدهم على جائزة عربية ويبقي شخصيته مجهولة.

عندما نكتب نحن نفكر كيف نختصر الفكرة بكلمات براقة تطير بها إلى المكان المراد النشر فيه، نحذف كلمة معترضة، ونتخطى فكرة مستهلكة، ونرتب الفقرات ونفكر بالإعجاب الذي ستلقاه بصمت في عيون من يقرأها.

أكتب هذه الكلمات وأنا أنتظر أن تشد على يدي جميع الأمهات اللواتي هربت الكتابة من بين أصابعهن بعد أن جاء طفلها الأول، وهربت القراءة بعد أن جاء طفلها الثاني وما عادت تجد الوقت، الوقت فقط لتكتب أفكاراً تستطيع أن تؤهلها لأن تصبح كاتبة محترمة ومعروفة.

منذ هذا اليوم إذا سألني أحدهم ما هو عملك؟ سأقول: أنا كاتبة، سأترك هذه العبارة المازحة التي أصف فيها نفسي بأني أعمل بدوام كامل طوال الأسبوع لدى أطفالي. دائماً أقول أنا أكره الأدوار الثانوية في الحياة، لا يعجبني إلا دور البطولة، لو فكرنا أن نسأل من حولنا: هل تحبين وتريدين أن تصبحي مشهورة؟ الغالبية ستجيبك: نعم.

نعم، هذه دعوة لجميع الأمهات اللواتي حبسن إبداعهن في مجال ما طيلة الفترة الماضية بحجة أنهن أمهات لأن يحسمن الأمر ويقررن، جميعنا نحب أطفالنا ونتمنى لهم حياة أفضل مما عشنا، ولكن ظلمنا أنفسنا عندما لم نفعل ما كان يجب فعله قبل أن ننجب أطفالاً، ونحن نظلمهم أيضاً، نظلمهم بهذا الشعور واستقطاع وقتهم لأنفسنا، فهذه دعوة أخرى بضرورة تحقيق وإنجاز ما يمكن إنجازه قبل الإنجاب.


ما زلت أبحث عن شماعة ما أحمّلها سبب قلة حيلتي.
لا شك أنني أخفقت فأنا إلى الآن لم أحدد بعد ما هو طبق اليوم!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد