كزهرة بريّة .. أقاوم العتمة وأشقّ الصخر لأصادق الريح

ولدتُ كزهرة بريّة تشق الصخر لتتنفّس وترى الضوء.. لم أكن أعلم أن تلك الزهرة البريّة تعاني كثيراً لتنثر عطرها في الكون

عربي بوست
تم النشر: 2015/07/26 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/07/26 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش

ولدتُ كزهرة بريّة تشق الصخر لتتنفّس وترى الضوء … لم أكن أعلم أن تلك الزهرة البريّة تعاني كثيراً لتنثر عطرها في الكون

وحين كنت في الحادية عشرة من عمري … اكتشفت والدتي أن الله منحني صوتاً ربماً سيكون جميلاً وقادراً على الغناء… لم أكن أحلم أن أكون مغنية ولم يكن ذلك طموحي… كنت أحلم أن أكون مُقاتلة ستنضم يوماً للفدائيين … لكن والدتي فرضت علي أن أغني وأقنعتني أن الغناء هو رسالة وله دور لا يُستهان به في مقاومة الاحتلال…

كانت بداياتي مع تعويذتي التي رافقتني منذ ذلك الحين حتّى الآن… هي صلاتي التي أفتتح فيها كل أمسية .. هي تُجسّد الحزن والفرح والحنين والانتظار والعودة في صمود الشعب الفلسطيني … إنها "التهليلة الفلسطينية" والتي كنت أسافر من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية لأغنيها في المهرجانات حتّى أن هذه التهاليل التصقت باسمي…

تعلّمت الغناء والموسيقى في المعهد العالي للموسيقى الحديثة على اسم Gnesins في موسكو … تخرّجت بامتياز بعد 6 سنوات… وعدت إلى فلسطين…

من هنا بدأت انطلاقتي كفنانة تُقدّم أغان خاصة بها بأسلوب تميّزتُ به… وخلال مسيرتي الفنية الطويلة أصدرت 12 ألبوماً غنائياً .. عملت على التلحين ووضع الشكل النهائي للتوزيعات الموسيقية … وغنيت كما تشاؤني إيقاعات القصائد أن أغنيها …

طيلة هذه السنوات… كنت ملازمة لكل ما يحدث في فلسطين من معاناة من الحصار ومصادرة أراضي والحرب والقتل والدمار والتجويع… لم أنسلخ عن واقعي لحظة ولا عن معاناة شعبي… لأني جئت إلى هذه الحياة لأخدم بلدي وقضيته العادلة…

في الانتفاضة الثانية… نزلت إلى مخيمات اللاجئين وغنيت للأطفال رغم القصف والرصاص… كنت أخاطر بحياتي من أجل أن أرى بسمة على وجوه أطفال خطف لونها الرعب من الحرب القاتلة…

في كل مرة كنت أنجو من الموت… كنت أدرك أن شيئاً ما سيتربّص بي يوماً ليعيق طريقي… إلى أن زادتني الحياة تجربة جديدة… وهي رحلتي مع مرض سرطان الثدي الذي اكتشفته عام 2009… عرفت حينها أنني سأواجه واقعاً جديداً… وأن عليّ أن أقاوم السرطان كما أقاوم الاحتلال لأن كليهما محتل غاصب .. فصمدت وأقنعت مرضي مراراً أن يغادرني ليرتاح… فقد رأيت أي تعب أصابه من ابتسامتي التي كانت أوسع من الكون والتي لم تُفارق مبسمي لحظة…

وها أنا الآن… ما زلت تلك الزهرة البرية التي تحاول كل يوم… أن تشق الصخر وتعلو وتتنفّس وترى الشمس .. فأنا مثلها أقاوم العتمة وأخرج إلى النور لأصادق الريح..

زهرتي البرية تكبر فيَّ… تشقّ روحي وتنطلق في طريقها إلى الانعتاق والحرية…

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد