مع إعلان النتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية، تشهد الحلبة السياسية سباقاً محتدماً بين المعسكرين الكبيرين: اليمين المتطرف بزعامة الليكود ويمين الوسط بقيادة أزرق-أبيض، فبدأ زعيما الحزبين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس مشاوراتهما الائتلافية لتشكيل أوسع تحالف حكومي متوقع.
هذه التطورات تطرح تساؤلات حول فرص تشكيل الحكومة، وما معوقاتها، وهل يذهب الإسرائيليون لانتخابات ثالثة، أم يضطر حزب الليكود للإطاحة بزعيمه، كي يتمكن من تشكيل حكومة وحدة وطنية مع أزرق-أبيض، مع أن هذا السيناريو لم تشهده إسرائيل في تاريخها، فما مدى فرص تحقق هذا الخيار؟ وما نقاط الضعف والقوة لدى نتنياهو الذي قد ينتقل من مقعد رئيس الحكومة إلى السجن بتهم الفساد؟
يظل ليبرمان هو صاحب الفيتو
الساعات الأخيرة شهدت ازدحام وسائل الإعلام الإسرائيلية بأخبار وتسريبات متلاحقة حول استعداد رئيس الدولة رؤوفين ريفلين لبدء مشاوراته مع الكتل البرلمانية الفائزة في انتخابات الكنيست؛ والاستماع لترشيحاتها حول هوية رئيس الحكومة القادم.
ووفق آخر النتائج النهائية، فقد حصل حزب أرزق-أبيض الذي يقوده الجنرال غانتس على أعلى الأصوات في الكنيست بواقع 33 مقعداً، لكن المعسكر الذي استطاع تجميعه من القوائم القريبة منه لا تتجاوز 44 مقعداً، وفي حال إضافة القائمة العربية المشتركة التي حازت 13 مقعداً، فسيحصل على 57 مقعداً، مما لا يؤهله للحصول على 61 مقعداً تجعله يجتاز تصويت الكنيست بمنحه الثقة.
أما حزب الليكود من جهته، الذي يتصدر معسكر اليمين فقد حصل على 31 مقعداً، وفي حال أضفنا له باقي الكتل اليمينية والدينية فإنه يحصل على 55 مقعداً، وكذلك لن يتمكن من تشكيل الحكومة القادمة.
في السيناريوهين السالفين يبقى حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان صاحب المقاعد الثمانية "بيضة القبان" لتشكيل أي حكومة قادمة، بحيث يمسك بين يديه بالفيتو أمام أي رئيس حكومة إسرائيلي، فيمنحها الثقة، أو يحجبها عنها.
هل يستمر نتنياهو؟
عماد أبو عواد، الباحث في مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، قال لموقع "عربي بوست" إنه "لا تبدو حكومة في إسرائيل دون نتنياهو رئيساً للوزراء على الأقل أول عامين، وهناك سيناريو وارد يتمثل بعودة ليبرمان، ربما كنائب رئيس وزراء، والتناوب مع نتنياهو فيما بعد".
وأضاف أن "الأكيد حتى الآن أن معسكر اليمين الإسرائيلي يتجه للتماسك، ويرفض أي عروض خارجية، وهذا سيعمل على تقوية حظوظ نتنياهو، في حين أن معسكر الوسط واليسار بأفضل أحواله لا يستطيع تشكيل حكومة إسرائيلية، خاصة أن ليبرمان لن يذهب معهم وفق شروطه، في حين أن مشاركة العرب في الحكومة مرفوضة من كافة الأطراف الإسرائيلية، وفي النهاية صحيح أن معسكر اليمين لم يحقق 60 مقعداً، لكنه لم يخسر المعركة، على الأقل حتى الآن".
أزمة دستورية غير مسبوقة في إسرائيل
بات واضحاً أن إسرائيل تعيش في هذه المرحلة ما يمكن وصفها أزمة دستورية غير مسبوقة في حال تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، لأنه سيتطلب من المستشار القانوني للحكومة أن يقرر وجود مصاعب قانونية واضحة في هذه المسألة.
نتنياهو لديه جلسة استماع يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ورغم المحاولات الحثيثة والتمسك المفرط من نتنياهو بمحاولة تشكيل الحكومة الجديدة، فإنه من المستبعد قبول ذلك من غانتس وباقي قادة الحزب.
ورغم تراجع نتنياهو الانتخابي بصورة مزعجة، فقد عثر الرجل فجأة على إمكانية لحكومة أخرى، وهي حكومة وحدة موسعة، مما يجعله يقلب الطاولة بصورة معاكسة.
نتنياهو فهم جيداً أنه يعيش في مشكلة عسيرة، لأن الانتخابات الأخيرة عرقلت نيته إقامة حكومة حصانة تحميه من المحاكمة والسجن، بعد أن فهم أن ليبرمان وغانتس لن ينقذاه من أن يعيش ما تبقى من عمره خلف القضبان.
نتنياهو يلعب على طرفين
سعيد بشارات، خبير الشؤون الإسرائيلية في شبكة "الهدهد" قال لـ "عربي بوست" إن نتنياهو بدأ منذ إعلان نتائج الانتخابات غاراته السياسية التي تأتي ضمن الحرب التي يقودها على جبهتين متوازيتين، جبهة غانتس-ليبرمان، وجبهة أحزاب اليمين، على أمل أن يحقق اختراقات في الجبهتين.
وأضاف أن نتنياهو يسعى لضمان إجماع الجبهة اليمينية خلفه، وعدم ترشيح سواه لرئاسة الحكومة، وفي الوقت ذاته اللعب على وتر عدم وجود حالة انسجام في المواقف داخل أزرق-أبيض.
لكنه أوضح أن المفاجأة جاءت من طرف آياليت شاكيد زعيمة حزب "يمينا" المتطرف التي أعلنت أن حزبها لم يعطِ كلمة نهائية لنتنياهو في ترشيحه لرئاسة الحكومة، لأن حزبها عليه التفكير بذلك، "رغم أن الأمر الأكثر أهمية أننا لن نجر الدولة إلى انتخابات أخرى".
احتمالات تشكيل الحكومة الجديدة
يتداول الإسرائيليون جملة احتمالات لتشكيل الحكومة القادمة، أولها، رغم استبعاده، أن يحصل نتنياهو على تفويض لتشكيل الحكومة بالفعل.
هذا الاحتمال قد يتم إن نجح نتنياهو بإقناع عمير بيرتس زعيم حزب العمل-غيشر بالجلوس معه، أو يحدث انشقاقات من حزب أزرق-أبيض، مع احتمال آخر ضعيف يتمثل بأن ينجح نتنياهو بإقناع ليبرمان بخيانة جميع وعوده الانتخابية، والدخول للحكومة اليمينية الحريدية.
ثاني الاحتمالات بأن يكون غانتس هو المفوض لتشكيل الحكومة، وستكون مهمته حينئذ جلب الليكود للجلوس معه، وهذه عملية سياسية معقدة للغاية، طالما أن نتنياهو نفسه لن يستقيل من قيادته.
هذه المعضلة تبرز فرضية الإطاحة بنتنياهو من زعامة الحزب، وهنا فإن وضع غانتس ليس أقل تعقيداً من وضع نتنياهو، لأنه لن يستطيع تشكيل حكومة مع العرب لمعارضة ليبرمان، وبدون الليكود لا يستطيع تشكيل حكومة.
ثالث الاحتمالات أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية بالتناوب بين نتنياهو وغانتس، إذا نجح ليبرمان بإجبارهما على ذلك، لكن مثل هذا الاحتمال سيجبرهما على تقديم تنازلات كبيرة، حيث سيتعين على غانتس قبول نتنياهو كرئيس للوزراء، فيما سيضطر نتنياهو أن يودع وداعاً مطلقاً الأحزاب الحريدية واليمينية.
أسوأ الاحتمالات التي لا يريدها أحد
رابع الاحتمالات التي لا يريد أحد أن تتحقق تتمثل في الدعوة لانتخابات ثالثة مع غياب المرشح المناسب لتشكيل الحكومة، حيث ستنحل الكنيست من تلقاء نفسها، وسيتعين على الرئيس الإعلان أنه لا يوجد أي مفر من إعادة الانتخابات.
لم يعد سراً أن الأحزاب الإسرائيلية تمارس سياسة من الابتزاز على بعضها البعض، بغرض تحصيل أكبر قدر من الإنجازات السياسية والمصالح الحزبية، الأمر الذي يفسح المجال أمام عدد محدود من السيناريوهات لتشكيل الحكومة، ويبدو أنها بعيدة عن التنفيذ، مما يعبد الطريق نحو السير للمرة الثالثة إلى الانتخابات.