واشنطن بوست: رغم ضحكات وتودُّدات ترامب لـ”بن سلمان” هناك جزء خفي لم تُظهره الزيارة عن العلاقة بين أميركا والسعودية

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/21 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/21 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش

الزيارة التي بدأها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة الأميركية، في 20 مارس/آذار 2018، لم تكن كلها مليئة بالترحيب والتودُّد من قِبل الأميركيين كما صورت عدسات الكاميرات، فقد كان فريق آخر في البلاد غير ترامب، يخطط لفرض عقوبات على الرياض.

وقد ظهر الرئيس الأميركي بجوار بن سلمان، والضحكات العريضة تملأ وجهيما، فيما يحاول الرئيس الأميركي أن يحصل على دعم مادي جديد من قِبل ولي العهد السعودي، الذي تعهد قبل عام تقريباً باستثمار 400 مليار دولار في أميركا.

وقال ترامب، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الإثنين 20 مارس/آذار 2018: "كانت العلاقة متوترةً للغاية -بلا مبالغة- في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. أمَّا الآن، فربما تكون العلاقات طيبةً كما كانت دائماً". وذكر ترامب شكاواه المعتادة بخصوص إيران بينما كان جالساً إلى جانب بن سلمان غريم إيران اللدود، واحتفل صراحةً بجني 12.5 مليار دولار من إتمام صفقات بيع أسلحة للسعوديين. وابتسم الاثنان ابتسامةً عريضة وهما يستعرضان مُلصقاً يعرض بعض الأسلحة الأميركية التي تريد السعودية شراءها.


عاصفة ضد السعودية تختمر في "الكابيتول"

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن ثمة عاصفة كانت تختمر في مبنى الكابيتول؛ إذ حاولت مجموعةٌ من أعضاء مجلس الشيوخ، ينتمون إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فرض تصويتٍ على مشروع قانون، من شأنه أن يحدَّ من الدعم الأميركي للتدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن ، بالإضافة إلى فرض رقابة أكبر من الكونغرس على الحروب التي تخوضها أميركا.

وبعد ساعاتٍ من النقاش، فاز معارضو القانون المُقترح بفارق ضئيل من الأصوات في تصويتٍ على تأجيل القرار، وقضوا عليه مؤقتاً. بيد أنَّ ذلك كان إشارةً إلى السعوديين الذين راهنوا بكل ما يملكون على ترامب، مفادها أنَّ واشنطن ليست كلها في صفِّهم.

وكتب كريس ميرفي، عضو مجلس الشيوخ الأميركي، على "تويتر"، تغريدةً قال فيها: "لحظة تفكُّر داخل مجلس الشيوخ اليوم؛ إذ سنصوِّت على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في حملة القصف السعودية-الأميركية في اليمن والتي أودت بحياة أكثر من 10 آلاف مدني، وأسفرت عن أكبر تفشٍّ لوباء الكوليرا في التاريخ".

وقال أحد أبرز مساعدي بيرني ساندرز، العضو المستقل في مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت الأميركية وأحد داعمي مشروع القانون، لصحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية: "الرسالة المقصودة هي أنَّ الكونغرس يأخذ دوره الدستوري بجديةٍ أكبر بكثير في قضايا الحرب. ينبغي للحلفاء أن يفهموا أنَّ الدعم الأميركي مشروط، وأنَّ الكونغرس سيتدخل حين يكون هناك دليلٌ على حدوث انتهاكات حقوق إنسان وارتكاب جرائم حرب".

مهندس الحرب على اليمن

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن الأمير محمد بن سلمان هو المهندس الرئيسي لحرب السعودية في اليمن، التي أطلقتها عام 2015 إلى جانب تحالفٍ من الحلفاء الإقليميين. أسفرت هذه الحرب عن معاناةٍ شنيعة على مرِّ السنوات الثلاث الماضية، وخسائر ما زال من الصعب تقديرها.

وتُقدِّر وكالاتٌ إغاثية عدد القتلى المدنيين بما لا يقل عن 5100 شخص، مع أنَّ العدد الفعلي قد يكون أكثر من ضِعف هذا الرقم، فضلاً عن حاجة نحو 22 مليون يمني -أي أكثر من ثلثي السكان- إلى مساعداتٍ إنسانية، ويُعتقد أنَّ 8.4 مليون يمني -أو نحو ثلث السكان- على حافة المجاعة. وأسفرت الظروف الكارثية في اليمن كذلك عن أسوأ تفشٍّ للكوليرا بي التاريخ الحديث، وتفشٍّ مستمر لداء الخناق.

وبحسب الصحيفة الأميركية، هناك الكثير من الملومين في هذه الأوضاع، لكنَّ السعوديين على الأخص -بصفتهم حلفاءَ للغرب ويزعمون أنَّهم رعاة الاستقرار الإقليمي- يستحقون انتقاداتٍ خاصة. فالتحالف السعودي قصف اليمن أكثر من 16 ألف مرة على مرِّ السنوات الثلاث الماضية، وبلغ عدد الغارات التي استهدفت أهدافاً غير مدنية نحو ثلث هذه الغارات فقط.

وتزعم منظمات حقوقية وخبراء تابعون للأمم المتحدة، أنَّ التحالف السعودي قد يكون مُداناً بارتكاب جرائم حرب. وفي هذه الأثناء، أسفر الحصار الذي فرضته السعودية على الموانئ اليمنية، إلى حدٍ ما، عن نقصٍ هائل في المواد الغذائية والأدوية والسلع الأساسية، مما أسهَم في انهيار البنية التحتية اليمنية التي كانت ضعيفة بالفعل، بحسب الصحيفة الأميركية.

يدَّعي السعوديون أنَّ حملتهم ضرورية لكبح جماح إيران التي تدعم الحوثيين، وإعادة النظام إلى بلدٍ محوري من الناحية الاستراتيجية على حدودهم الجنوبية. ويشيرون كذلك إلى الجهود التي بذلوها للتخفيف من المعاناة اليمنية بتقديم مساعداتٍ إنسانية، وحماية المدنيين على نحوٍ أفضل.

وذَكَر إعلاميون أنَّ بعض المسؤولين في إدارة ترامب يتفقون على ضرورة ردع السعوديين لإيران، بينما قال محللون أميركيون آخرون إنَّ ثلاث سنواتٍ من إراقة الدماء والفوضى لم تُسفر إلَّا عن مزيدٍ من الفوائد لإيران، بحسب الصحيفة الأميركية.

هجوم منظم

وتضيف "واشنطن بوست" أنه في الأسابيع الأخيرة، ومع تزايد معارضة الحملة السعودية داخل الكونغرس، شنَّت إدارة ترامب هجوماً مُنظَّماً على مشروع قانون تحديد صلاحيات الحرب في اليمن؛ إذ كتب جيم ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، في خطابٍ أرسله الأسبوع الماضي، إلى ميتش ماكونيل، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية كنتاكي، وزعيم الأغلبية بالمجلس، وأحد معارضي القانون المقترح: "فرض قيودٍ جديدة على هذا الدعم العسكري الأميركي المحدود بالفعل قد يزيد الخسائر في صفوف المدنيين، ويُهدد التعاون مع شركائنا في مكافحة الإرهاب، ويُقلل نفوذنا لدى السعوديين".

وكتب بيرني ساندرز على "تويتر": "أشعر بخيبة أمل عميقة إزاء تخلِّي الكونغرس عن واجبه الدستوري بامتلاك صلاحية التحكُّم في قرارات الحرب. لقد وقف الكونغرس مراراً وتكراراً موقف المتفرج وفشل في طرح الأسئلة المهمة، بينما أضلتنا الإدارات وورَّطتنا في عدة صراعات، من بينها حربا فيتنام والعراق، أسفرتا عن عواقب كارثية".

وأضاف في تغريدةٍ أخرى: "الحقيقة وراء حرب اليمن هي أنَّ القوات الأميركية شاركت بفاعلية في دعم التحالف السعودي بهذه الحرب، بتقديم معلوماتٍ استخباراتية وإعادة تزويد الطائرات، التي قتلت قنابلها آلاف الأشخاص وجعلت هذه الأزمة الإنسانية أسوأ بكثير بالوقود".

وحاول مسؤولو الإدارة الأميركية أيضاً أن يوحوا بأنَّ الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للتحالف الذي تقوده السعودية -ويشمل تبادل معلومات استخباراتية، وتزويد طائرات التحالف بالوقود، وتزويده بالذخائر التي يُزعَم أنَّها قتلت مدنيين يمنيين- لا يُمثِّل مشاركةً مباشرة في الأعمال العدائية، لكنَّ بعض النقاد رفضوا هذا الادِّعاء.

إذ قال مايك لي، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية يوتا الأميركية، وأحد الداعمين لمشروع القانون المقترح: "تزعم الإدارة الأميركية أنَّها لا تشارك في الأعمال العدائية ما لم تتعرَّض القوات الأميركية على الأرض لإطلاق نار من العدو. إنَّها تتلاعب بالخيال وألفاظ اللغة الإنكليزية على نحوٍ أكثر مما تحتمل، لتوحي بأنَّ الجيش الأميركي لا يشارك في الأعمال العدائية باليمن"، بحسب الصحيفة الأميركية.

شركات الأسلحة تتودد لـ"بن سلمان"

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإنه في هذه الأثناء، تتودد شركات أسلحة أميركية إلى بن سلمان في واشنطن، على أمل بيع عشرات الآلاف من الأسلحة الموجَّهة بدقة، للسعوديين والإمارتيين. بيد أنَّ ترامب لم يذكر شيئاً تقريباً عن اليمن في أثناء اجتماعهما، فضلاً عن إمكانية إنهاء الحرب. جديرٌ بالذكر أنَّ معظم المحللين يشيرون إلى عدم جدوى الحل العسكري في حل النزاع، الذي يتضمن مجموعةً كبيرة من الفصائل ذات المصالح المتنافسة والولاءات المتشابكة.

إذ كتب روبرت مالي المحامي الأميركي، وأبريل لونغلي ألي المُحلِّلة الأميركية لدى مجموعة الأزمات الدولية، يطالبان السعوديين بإنهاء حملتهم: "أقصى ما يمكن أن يأمله السعوديون هو حرب عصابات طويلة في المرتفعات الشمالية الموحشة. وحتى هذا السيناريو العسكري، الذي يفترض أفضل الحالات، سيواصل استنزاف السعودية مالياً، ويُضعف مكانتها الدولية، ويُكثِّف العداء تجاه المملكة وحليفتها الولايات المتحدة في هذه المناطق، فضلاً عن تعميق معاناة اليمنيين في الوقت نفسه"، بحسب الصحيفة الأميركية.

وقال فيليبو غراندي، المفوض الأممي السامي لشؤون اللاجئين، في حديثه لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الثلاثاء 20 مارس/آذار، عن اليمن: "لقد كان تصرُّف الجانبين فيما يخص الأعمال العدائية سيئاً للغاية، وانتُهِكَ القانون الإنساني الدولي باستمرار. وبصراحة، أنا لستُ متفائلاً، ولا أرى أي اتجاهٍ نحو حل سياسي".

علامات:
تحميل المزيد