أقام موسى مصطفى موسى، السياسي غير المعروف تقريباً والمُرشح الوحيد أمام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة المصرية، فعاليتين لحملته الانتخابية وسط مدينة القاهرة. جاءت الأولى كارثيةً، إذ لم يحضر أحد باستثناء بعض العاملين في حملته الانتخابية.
في حين شهدت الفاعلية الثانية التي أُقيمت في 11 مارس/آذار تحسناً طفيفاً، إذ حضرها 30 شخصاً، حملوا لافتاتٍ ورددوا شعارات، رغم أنَّ تلك الهتافات لم تكن بالضبط هتافات تأييد لمرشحهم، إذ كانوا يصيحون: "سواءٌ فاز موسى أو السيسي، كلاهما يصلح رئيساً لنا!".
ما من شك أنَّ الجنرال السيسي سيفوز بولاية ثانية، لكن من المرجح تذكُّر الانتخابات التي ستُجرَى في الفترة بين 26 إلى 28 مارس/آذار على أنَّها نهاية مظاهر الحكم الديمقراطي القليلة في مصر بعد 7 سنوات من الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك باسم الديمقراطية، حسب ما ذكر تقرير لوكالة أسوشيتدبرس الأميركية.
وقد سُبقَت الانتخابات بعملية إقصاء لمرشحين محتملين من المعارضة، لم يسبق لها مثيل حتى بالمقارنة مع حكم مبارك الذي دام قرابة 30 عاماً. بالإضافة لتضييق السلطات الخناق على وسائل الإعلام لدرجة تحريض الجمهور على إبلاغ الشرطة عن أي شخص يشعرون بأنه يُشوِّه صورة البلاد.
كان السؤال الذي طرحه العديد من المراقبين هو: لماذا اتُّخذت كل تلك التدابير المبالغ فيها لضمان عملية التصويت، في حين أنَّ السيسي سيفوز على الأغلب في جميع الأحوال. إذ يبدو وكأنَّه مقتنع بأنَّ إجراء انتخابات تنافسية أمرٌ من شأنه زعزعة استقرار البلاد، فضلاً عن أنَّه سيفتح الباب أمام أعدائه الإسلاميين للانخراط في السياسة أو التدخل في مساراته العنيفة والفردية لإنعاش الاقتصاد المنهار.
انتُخِبَ السيسي لأول مرة بأغلبيةٍ ساحقة عام 2014 بعد زيادة شعبيته لتوليه، بصفته قائداً عسكرياً، عملية إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي. واحتفظ بكثير من هذه الشعبية بينما كان يمارس قمعاً شرساً ضد الإسلاميين والمعارضين العلمانيين.
الاستقرار قبل الحريات
وأكد أنَّ الاستقرار يجب أن يكون أولويةً قبل الحريات أثناء تنفيذه عدة مشاريع بنية تحتية واسعة النطاق، فضلاً عن تطبيق إصلاحات تقشفية مؤلمة. وفي ظل هذه الإصلاحات، نجح السيسي في إعادة شيء من الحياة إلى الاقتصاد المصري، رغم أنَّ هذا كان على حساب التضخم الذي أضر للغاية بكثيرٍ من السكان الفقراء. وصنع اسماً لنفسه على الصعيد الدولي كبطلٍ ضد الميليشيات الإسلامية.
ويرى بول سالم، الخبير البارز في شؤون الشرق الأوسط بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنَّ السيسي ومؤيديه سيحاولون على الأرجح بعد الانتخابات التخلص من القانون الذي يقضي بتولي الرئيس فترتي رئاسة لا أكثر في الدستور المصري.
وقال سالم لوكالة أسوشيتد برس: "قد يكون رأي السيسي وإدارته أنَّ هذا ضروري للاستقرار لأسباب اقتصادية وسياسية".
وأضاف: "وجهة نظري الشخصية هي أنَّ هذا يؤمن الاستقرار على المدى القصير، لكنَّه يجعل تداول السلطة الذي يتوجب حدوثه عاجلاً أو آجلاً أمراً شديد الصعوبة".
موسى، الذي يُعدُ من أشد مؤيدي السيسي حماساً، دخل السباق الانتخابي في اللحظة الأخيرة لمنع حرج إجراء انتخابات بمرشح واحد فقط. وتجنب المنافس شديد التهذيب أن يبدو تواقاً للفوز بالانتخابات، فلا ينتقد السيسي أبداً، بل في الواقع يمدحه أغلب الوقت.
على الجانب الآخر، لم يزعج السيسي نفسه بتنظيم حملة انتخابية بنفسه. بدلاً من ذلك، غرقت شوارع القاهرة ومدن أخرى في موجةٍ عارمة من اللوحات الإعلانية واللافتات والملصقات التي تحمل صورته، معلنةً "أنَّه الأمل".
وجود نسبة مشاركة مرتفعة في الانتخابات هو الأمر الوحيد المُتبقي لإضفاء قدر من الاحترام على عملية التصويت. في ضوء ذلك، نظم أنصار السيسي تجمعاتٍ تحث الجمهور على التصويت. في حين تُواصل وسائل الإعلام الموالية للحكومة إعلان أنَّ التصويت واجب ديني، وأنَّ الإحجام عنه يعد بذلك "خيانةً عظمى". ومن جانبه، هتف أنصار موسى في فعالياته بأنَّ المقاطعين المحتملين هم خونة وجبناء.
وفي كلمةٍ ألقاها الاثنين الماضي، حثَّ السيسي الجميع على التصويت، إذ أخبر الحشود ضاحكاً: "مهما كانت خياراتكم وآراؤكم السياسية، أحبكم جميعاً، اذهبوا وصوّتوا بالانتخابات".
على الجانب الآخر، انتقد عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق الموالي للسيسي، طريقة التعامل مع الانتخابات ، ليس لأنَّ قائمة المرشحين أُعِدّت بشكلٍ معين، ولكن لأنَّ عملية الإعداد تلك لم تتم بسلاسة.
وكتب في الشهر الماضي: "كنا بالطبع نأمل أن نحظى بانتخابات تنافسية حقيقية. ولكن بما أنَّنا لا نملك ذلك، كان من المفترض أن تقوم الحكومة على الأقل بإعداد المسرح لجعله يبدو ديمقراطياً".
وأشار الإقصاء الممنهج للخصوم إلى أنَّ السيسي ربما يشعر بالخطر، بالأخص من مرشح تعود جذوره إلى الجيش الذي قد يستغل التصدعات المحتملة في شعبيته لإطاحته، سواءٌ بسبب الألم الناتج عن الإصلاحات الاقتصادية، أو بسبب الاستياء من عمليات القمع، أو نتيجة الإحباط بسبب استمرار عنف الميليشيات.
يُذكَر أنَّ العديد من المرشحين آثروا الانسحاب من السباق الانتخابي، مستشهدين بالترهيب والمضايقة التي تعرضوا لها. لكنَّ الإجراءات الأقسى كانت ضد جنرالين سابقين: رئيس أركان الجيش السابق اللواء سامي عنان، والقائد السابق للقوات الجوية الفريق أحمد شفيق.
ترشح عنان
في ضوء ذلك، كتب المحلل عبدالعظيم حمد في مقالٍ نُشِرَ بتاريخ 22 فبراير/شباط، أنَّ ترشيح عنان "كان سيخلق صراعاً يؤثر على الوحدة المقدسة للقوات المسلحة، ويدفع للعلن بملفات لا يمكن سوى أن تظل سرية". عنان كان ثاني أبرز شخصية في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي حكم مصر لأكثر من عام بعد سقوط مبارك.
كان عنان (70 عاماً) عضواً لا يرقى إليه الشك في ما يُسمّى "الدولة العميقة"، ما يضمن أنَّ الجيش والشرطة والمؤسسات الرئيسية الأخرى لن تعارض فكرة تولّيه الرئاسة، هذا بحسب ما صرح به المستشار هشام جنينة، أحد أكبر معاوني حملة ترشح سامي عنان، في مقابلةٍ أجراها الشهر الماضي.
وأكمل: "أثار هذا الجمع بين المدنيين والعسكريين ذعر النظام"، مشيراً إلى اختيار عنان لجنينة والأستاذ الجامعي اليساري حازم حسني ككبار مساعديه.
اتسمت فترة ترشح عنان القصيرة بأنَّها ذات طابع تقدمي. وفي فيديو نشره في يناير/كانون الثاني يعلن فيه نيته الترشح، أعرب عن أسفه على التعديات على الحريات والمصريين، الذين يعانون في ظل الإصلاحات الاقتصادية التي يقوم بها السيسي، ودعا الجيش كذلك إلى أن يبقى محايداً في الانتخابات.
وعلى مدار الأيام الثلاثة التالية، حاول كبار الضباط في الجيش -بما فيهم القائد العسكري السابق المشير محمد طنطاوي- ثني عنان عن خوض الانتخابات، حسبما قال جنينة.
وعارض عنان الجميع. وأخيراً، تحركت السلطات: في 23 يناير/كانون الثاني، ألقى رجال ملثمون القبض عليه وهو في سيارته على طريقٍ سريع بالقاهرة.
ومنذ ذلك الوقت وهو معتقل في سجنٍ عسكري يواجه تهم التحريض ضد الجيش، والتزوير، وعدم الحصول على تصريح من الجيش لخوض الانتخابات.
وصرح مسؤولون أمنيون كبار بأنَّ عنان كان يخضع للمراقبة منذ أشهر، ونصحوه مباشرةً بعدم خوض الانتخابات للحفاظ على صورة الجيش ككيانٍ متحد دون ولاءاتٍ متنافسة.
وقال أحد المسؤولين، شريطة عدم الكشف عن هويته لأنَّه غير مصرح له بإطلاع وسائل الإعلام على أي أخبار: "كان عنان على دراية تامة بالعواقب التي تنتظره.. كانت التهديدات واضحة للغاية".
رفع جنينة دعوى استئناف ضد اعتقال عنان، ما عرضه للضرب على أيدي بلطجية يدعي محاموه أنَّ الشرطة أرسلتهم. اعتُقل جنينة فيما بعد بعدما زعم في حوار مع "عربي بوست" أنَّ عنان يمتلك وثائق تدين القيادة المصرية.
ويخضع عنان الآن لضغوط قبول الإقامة الجبرية والصمت مقابل إسقاط جميع التهم عنه، حسبما ذكر شخص مطلع على القضية. وصرّح نفس الشخص لوكالة أسوشيتد برس الأميركية، شريطة عدم الكشف عن هويته لنفس السبب الذي ذكره مسؤولو الأمن، بأنَّ عنان استمر في الرفض، لكنَّهم "طرحوا جميع أنواع الادعاءات" لدفعه للموافقة.
ماذا جرى مع شفيق؟
في حالة شفيق، ربما لم تكن السلطات قلقة حيال أوراق اعتماده العسكرية فقط. فقد خاض شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك الانتخابات الرئاسية عام 2012، التي يُنظَر إليها على أنَّها أكثر انتخابات مصر حريةً، واحتل المرتبة الثانية بعد مرسي بفارق ضئيل.
ظهر شفيق في فيديو بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني معرباً عن نيته خوض الانتخابات مرةً أخرى، فاعتقله الإماراتيون، الحلفاء المقربون للسيسي، على الفور، ورُحِّلَ إلى مصر. وفي مطار القاهرة اصطحبه رجال تابعون للأجهزة الأمنية، وجرى استجوابه واحتجازه بفندق، إضافة إلى مصادرة هاتفه حسبما ذكر مسؤولو الأمن.
وخلال الأيام التالية، ضغط عليه كبار مسؤولو الأمن للانسحاب من الانتخابات، حسبما ذكر المسؤولون. وأطلقت وسائل الإعلام الموالية للحكومة حملة مكثفة لتشويه سمعته، مهددةً بإعادة إحياء قضايا الفساد القديمة، ضده إضافةً إلى التلميح بكشف فضائح جنسية.
تراجع شفيق معلناً انسحابه في 7 يناير/كانون الثاني. ولم يظهر منذ ذلك الوقت نظراً لخضوعه للإقامة الجبرية، حسبما قال المسؤولون.
شكَّل كلٌ من شفيق وعنان مشكلاتٍ خاصة أمام السيسي. كان ترشحهم سيقدم رهاناتٍ آمنة للناخبين الذين يسعون للتغيير ولكن يخشون الابتعاد عن الجيش الذي مازال يكن له الكثير من المصريين الاحترام وينظرون إليه على أنَّه حامي الاستقرار وخرج منه جميع رؤساء مصر باستثناء اثنين منهم فقط منذ فجر الجمهورية في الخمسينيات.
لكن ما يثير القلق أكثر هو الأحداث المضطربة التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، التي أثارت التكهنات حول إمكانية حدوث انشقاقات في الجيش الذي يفخر بسريته ووحدته الفولاذية.
من غير المعروف ما إذا كانت التحديات التي يُشكلها شفيق وعنان أمام السيسي تتلقى دعماً أم لا بين كبار الضباط. ولكن أثارت التطورات الأخرى علامات استفهام، مثل حالات الإقالة غير المبررة على مدار الأشهر الماضية لرئيس أركان الجيش ورئيس جهاز المخابرات العامة المصرية الذي ينحدر من الجيش أيضاً.
وذكرت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة بإيجاز النزاعات القائمة بين أجهزة المخابرات والأمن، التي عادةً ما يرأسها رجال ذوي خلفية عسكرية، إضافةً إلى وجود تقارير غير مؤكدة عن تهميش كبار الجنرالات في هدوء.
وهاجم السيسي في خطابٍ ألقاه مؤخراً خصوماً غير محددين، ما أثار مزيداً من التكهنات. وحذر قائلاً: "أقسم بالله، سأدفع حياتي وحياة الجيش ثمن استقرار مصر"، ووجّه نظرة حازمة إلى وزير الدفاع صدقي صبحي الجالس على يساره. وأضاف: "أنا لست رجل سياسة أتحدث هباءً".
يعتقد مايكل حنا، الخبير المصري في مؤسسة القرن بنيويورك، أنَّ غضب السيسي كان موجهاً على الأغلب إلى خصوم داخل الجيش.
وأكمل كلامه: "النظام حساس للغاية، لكنَّه ربما يواجه خصوم وتوترات داخلية تتسرب إلى المجال العام".