بوتين لا شك سيفوز بالرئاسة.. لكن لماذا تعد نسبة المشاركة مهمة للغاية في الانتخابات الروسية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/18 الساعة 06:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/18 الساعة 06:13 بتوقيت غرينتش

في خطابٍ متلفز يوم الجمعة 16 مارس/آذار، ناشد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المواطنين الروس التصويت في الانتخابات الرئاسية يوم الأحد، محذراً إياهم من أنَّ عدم الإدلاء بأصواتهم سيعني أن "هذا الاختيار الحاسم سيُتخَّذ دون أخذ آرائهم في الاعتبار".

هذا التعليق هو انعكاس لأحد المخاوف الأساسية للدولة الروسية في الانتخابات: مدى إقبال الناخبين على التصويت. ولا شك أنَّ الرئيس الحالي بوتين المرشح في الانتخابات والرابض على قمة السياسة الروسية منذ 1999 سيفوز بالانتخابات بفارقٍ كبير في عدد الأصوات. السؤال الأهم هنا هو عدد الروس الذين سيُقبِلون على المشاركة ويمنحونه أصواتهم، وفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.

قيل إنَّ الكرملين يريد لبوتين الفوز بـ70% من الأصوات، وأن تصل نسبة إقبال الناخبين إلى 70% كذلك. وقدَّر مركز أبحاث الرأي العام الروسي الحكومي أن نسبة إقبال الناخبين ستصل إلى نحو 80%، وهي من أعلى نسب الإقبال على المشاركة في الانتخابات في العالم المتقدم.

لكنْ هناك سبب للشك في إمكانية تحقُّق هذه النسب المرتفعة. وهو أنَّ نسبة إقبال الناخبين الروس تشهد انخفاضاً مستمراً منذ سنوات؛ إذ انخفضت نسبة المشاركة في آخر انتخابات شهدتها البلاد وهي انتخابات مجلس الدوما الروسي عام 2016 إلى أقل من 50% للمرة الأولى، وفي الانتخابات الإقليمية وانتخابات المجالس المحلية في سبتمبر/أيلول، كانت نسبة المشاركة أقل من ذلك؛ إذ انخفضت إلى 28% فقط في موسكو. (جاءت نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة الروسية 68.6% عام 2000، و64.4% عام 2004، و69.7% عام 2008، و65.3% عام 2012).

وقدَّرت شركة ليفادا المستقلة لاستطلاعات الرأي العام الماضي أنَّ نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأحد يمكن أن تنخفض لتصل إلى 52% فقط. (لا تُجري الشركة استطلاعات رأي سياسية قبيل الانتخابات الرئاسية رغم كونها الشركة الكبرى الوحيدة في ذلك المجال في روسيا، وذلك لخوفها من اتهامها بالتدخل في السياسة بموجب القوانين المتعلقة بالعملاء الأجانب).

إن حدث هذا، ستحظى روسيا بنسبة مشاركة أقل من الدول المتقدمة، مقارنةً مثلاً بالولايات المتحدة، التي عانت طويلاً من عدم مشاركة قطاعات واسعة من المجتمع. (وفقاً لدراسة لمركز أبحاث بيو الأميركي، وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات بآخر انتخابات على مستوى الدولة في الولايات المتحدة عام 2016 إلى 86.8%، وفي المملكة المتحدة عام 2016 إلى 72.2%، وفي فرنسا عام 2017 إلى 74.6%، وفي كندا عام 2015 إلى 68.3%).

انخفاض نسبة المشاركة، اليوم الأحد، لن يعني بالضرورة أنَّ بوتين لا يتمتع بالشعبية بين الروس. ففي الحقيقة، ورغم أنَّ المنافسة غير عادلة من عدة نواحٍ، تشير استطلاعات الرأي إلى تمتُّع بوتين بشعبية لافتة للنظر، وأوضحت استبيانات مركز أبحاث الرأي العام الروسي أنَّ معدلات شعبيته تصل إلى 69%، ما يصل إلى 10 أضعاف أقرب منافسيه.

لكن هذا الفارق الكبير في الشعبية بين بوتين ومنافسيه في الانتخابات ربما يضر بنسبة المشاركة، حتى بين مؤيدي بوتين. والسبب في هذا واضح: لماذا تُكلِّف نفسك عناء التصويت والنتيجة مؤكدة؟ أوضح كذلك علماء الاجتماع الروس أنَّ الناخبين الآن أصغر سناً مما كانوا عليه أثناء الانتخابات الماضية عام 2012؛ ورغم أنَّ الكثيرين يدعمون بوتين، تقل احتمالية مشاركة الناخبين الأصغر سناً حسب الإحصائيات.

هذه اللامبالاة تجاه السياسة يجب أن تُقلِق الكرملين. نعم، يتمتع بوتين بالشعبية، لكنَّ الكثير من الروس لا يبالون بالحكومة الروسية أو بالديمقراطية الروسية بشكلٍ أوسع، وهو أمرٌ يمكن أن يمثل مشكلةً كبيرة في المستقبل. فليس هناك خليفةٌ معروف لبوتين، الذي جعل نفسه محور السياسة الروسية بعد حوالي عقدين من وصوله إلى السلطة. وفي الوقت نفسه، تستمر المشكلات الداخلية في التراكم، بينما تسهم سياسة روسيا الخارجية في عزلها أكثر فأكثر على الساحة العالمية.

واستخدم المعارضون السياسيون خطر انخفاض نسبة المشاركة لانتقاد الحكومة الروسية. ودعا مؤيدو المعارض البارز أليكسي نافالني -الذي مُنِعَ من الترشح للرئاسة بسبب إدانته سابقاً بتهمة الفساد- إلى مقاطعة الانتخابات. ورغم أنَّهم يتمتعون بدعمٍ محدود، يأمل نافالني ومؤيدوه في إحراج بوتين بتثبيط الناخبين وتقليل نسبة المشاركة.

ورداً على ذلك، اتخذ الكرملين إجراءاتٍ استباقية. إذ وظَّفت اللجنة الانتخابية المركزية مستشارين للمساعدة في الترويج للانتخابات، وذهب المسؤولون إلى منازل الناخبين لتذكيرهم بضرورة التصويت. واستُخدِمت شبكات التلفاز الروسية الحكومية الفعالة على نطاقٍ واسع في نشر روح الحماسة الوطنية قبيل التصويت، وشارك بوتين في فعالية لحملته الانتخابية هذا الأسبوع في شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها روسيا من أوكرانيا منذ 4 سنوات.

لكن هل سيكون هذا كافياً؟ قال بوتين يوم الجمعة إنَّ الانتخابات ستُظهر "إرادة الشعب، وستحدد عزيمة كل مواطن روسي المسار الذي ستتخذه روسيا". ويمكن أن يشير انخفاض نسبة التصويت إلى أنَّ الكثيرين في روسيا لا يوافقونه رغم بذله كل هذه الجهود.

علامات:
تحميل المزيد