اعتبرت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، الأربعاء 14 مارس/آذار 2018، أنه رغم رغبة المملكة العربية السعودية في تعزيز الصناعات العسكرية، خلال السنوات القادمة، لتتناسب مع رؤية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد "2030"- فإن الأمور لن تسير كما تريد المملكة.
وضربت الصحيفة البريطانية مثالًا بالمهندس السعودي منير بخش، الذي كان يحلم وهو طفل صغير بأن يصنع طائرة يوماً ما. قال بخش، الذي نشأ مساعداً لوالده، ميكانيكي السيارات: "كان هذا في أواخر الثمانينيات. لم تكن هناك صناعة للطائرات في السعودية. فنحن لم نصنع طائرةً قط".
واليوم، يتولَّى بخش قيادة وحدة الملاحة الجوية في شركةِ "تقنية"، المملوكة للدولة، والتي أنفقت لتوها أكثر من 44 مليون دولار على أجهزةٍ مُتقدِّمة؛ لتصنيع أجزاء الطائرات وتجميع مروحيات "بلاك هوك" في السعودية بالشراكة مع شركة لوكهيد مارتن، شركة الدفاع الأميركية، بحسب الصحيفة البريطانية.
ويعد بخش، الذي عمل أكثر من عقدين من الزمان بالولايات المتحدة مهندساً في شركات مثل "بوينغ" و"غولفستريم"، وزملاؤه جزءاً من مهمة لإنشاء صناعة دفاع محلية بواحدة من أكبر البلدان شراء للأسلحة.
خطة بن سلمان لصناعة السلاح
وتعد هذه الخطط جزءاً لا يتجزأ من جهود ولي العهد، محمد بن سلمان، في مساعدة المملكة على تنويع اقتصادها بعيداً عن عائدات النفط.
وقال ولي العهد، الذي يشغل منصب وزير الدفاع أيضاً، في مقابلة تلفزيونية العام الماضي (2017): "نحن ننفق ما بين 50 و70 مليار دولار سنوياً على الجيش. نحن ثالث أكبر منفق على الأسلحة في العالم، و99٪ من هذا المال يذهب إلى خارج المملكة. هذه فرصةٌ ضخمة لبناء صناعات وفرص عمل بالسعودية".
ويأتي هذا الدفع لإنشاء صناعة دفاع محلية بينما تتعرض السعودية للإدانة بشكل واسع؛ لدورها في الحرب بجارتها اليمن.
وقد قُتل أكثر من 3200 مدني على يد قوات التحالف الذي تقودها السعودية، بين مارس/آذار 2015 وأغسطس/آب 2017، وذلك بحسب تقرير حقوقي للأمم المتحدة. وقد أظهرت هذه الحرب أيضاً اعتمادية السعودية على إمدادات الدفاع الغربية.
وقد تعرَّضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لانتقاداتٍ؛ لإمدادهما السعودية بالسلاح، الذي تسبَّب في مقتل مدنيين في اليمن. وقالت ألمانيا العام الجاري (2018)، إنها سوف تُوقف صادرات الأسلحة إلى الدول المنخرطة في هذا الصراع، بحسب الصحيفة البريطانية.
ولما كان من المُقرَّر لولي العهد زيارة واشنطن الأسبوع التالي؛ لمناقشة التعاون في مجال الدفاع، فقد دعا بعض نواب الكونغرس لقيود مماثلة. وكان مسؤولون عسكريون أميركيون قد دافعوا عن مهمة السعودية في اليمن.
وتهدف السعودية، ضمن خطتها الاقتصادية المسماة "رؤية السعودية 2030″، إنفاق ما لا يقل عن نصف ميزانيتها العسكرية محلياً بحلول ذلك العام.
وكذا، فقد أنشأت المملكة الشركة السعودية للصناعات العسكرية، وهي شركة تدعمها الدولة، وعيَّنت أندرياس شوير، الرئيس السابق للأنظمة القتالية في شركة راينمنتال الألمانية، رئيساً لها. وأنشأت السعودية أيضاً الهيئة العامة للصناعات العسكرية، وهي هيئةٌ حكومية ذات سلطات واسعة في المشتريات العسكرية وكذلك البحوث والتطوير، بحسب الصحيفة البريطانية.
العراقيل التي تواجه الشركات
وبحسب الصحيفة البريطانية، فغن كبرى شركات الدفاع في العالم تدرك أنها إذا أرادت الاستمرار في بيع السلاح للسعودية، التي تعد واحدةً من أكبر المُنفقين العسكريين بالعالم، فسوف يتعيَّن عليهم إيجاد المزيد من التصنيع في السعودية.
فشركة "بي إيه إي سيستمز" البريطانية، على سبيل المثال، تُوسِّع من تدريبها وأنشطتها التصنيعية في المملكة منذ عقود. وتوظف الشركة 6 آلاف موظف هناك، نحو ثلثيهم مواطنون سعوديون. وتجمّع الشركة طائرة "هوك" التدريبية في السعودية، وتقوم ببعض الأعمال المُتعلِّقة بطائرات "تايفون" المقاتلة.
وقد وقعت المملكة المتحدة والسعودية، الأسبوع الماضي، مذكرة نوايا بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني لشراء 48 طائرة "تايفون" مقاتلة أخرى، وهي صفقة كان يجري النقاش حولها منذ عام 2014.
وقال شخص على اطلاع بهذا الأمر، للصحيفة البريطانية، إنَّ المفاوضات الصعبة حول المواد الخام والخدمات التي سوف يجري الحصول عليها محلياً، قد أسهمت في تأخير التوصل لاتفاق.
وقال خالد العتيني، نائب رئيس التصنيع بشركة "بي إيه إي" في السعودية، إنَّ نقل العمل من أوروبا أو الولايات المتحدة إلى المملكة أمر معقد ومكلف؛ إذ اضطرت الشركة إلى ضمان التزام المتعاقدين المحليين بالمعايير الدولية واحتاجت إلى تدريب عمال سعوديين؛ بسبب افتقار الخريجين الصغار إلى المهارات اللازمة للوظيفة.
وقال العتيني: "لقد استفادت البلد من الناحية التشغيلية، بلا شك، (من عمليات شراء الأسلحة) وبَنَتْ قوات مسلحة قوية. لكن عندما يتعلق الأمر بالتصنيع ونقل المصانع هنا، فثمة الكثير من أوجه النقص والقصور".
وقال نائب الرئيس التنفيذي لشركة "لوكهيد مارتن إنترناشونال"، ريك إدواردز: "لقد كانوا واضحين للغاية في رغبتهم في النمو السريع. نحن ندعم أهداف (رؤية 2030) بشكل كامل، لكن لا يمكنك الانتقال من 2٪ (من الإنفاق المحلي) إلى 50٪ في سنوات قلائل. هذه عملية طويلة، ولا بد أن تجري بطريقة تدير المخاطر"، بحسب الصحيفة البريطانية.
ويقول خبراء الدفاع السعوديون إنَّ بناء صناعة دفاع محلية أمر محوري للأمن القومي، إلى جانب أهميته في تنويع الاقتصاد وخلق وظائف.
وقال اللواء بداح العجمي، الذي يقود العمل الهندسي في القاعدة الجوية: "لو طلبت (قطع غيار من الخارج) فقد يستغرق الأمر شهوراً، ما لم يكن سنوات، لتصل إليك بينما تحتاجها في غضون ساعة. لقد طلبنا نحو 6 آلاف قطعة مصنّعة محلياً، فوصل بعضها في أقل من يوم واحد".
وإذا كانت الشركات الدولية سوف تساعد السعوديين على تصنيع الصواريخ، فسوف يتعين على حكوماتهم التخفيف من القيود المفروضة على تصدير التكنولوجيا. وقال إدواردز: "لن تُمرَّر كل التكنولوجيا. هذه حقيقة. سوف ينبغي لنا العمل بالتعاون مع الحكومة الأميركية، لنرى إذا ما كان يمكن السماح بإطلاق بعض التكنولوجيات عالية المستوى للاستخدام الثنائي".
ويعمل السعوديون بالفعل على تطوير استراتيجيتهم الخاصة؛ إذ قال أحد المسؤولين لوسائل الإعلام المحلية الأسبوع الماضي: "إنَّ مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا، الذراع الحكومية للبحث والتطوير، لديها 40 مهندساً يعملون على صواريخ باليستية قصيرة المدى وقنابل موجَّهة بالليزر".