تمكَّنت قوات النظام السوري، بعد ساعات من استقدامها تعزيزات عسكرية، الأربعاء 7 مارس/آذار 2018، من استعادة السيطرة على أكثر من نصف مساحة الغوطة الشرقية المحاصرة، في وقت تسبَّبت فيه غارات شنَّتها دمشق مع حليفتها موسكو بمقتل أكثر من 62 مدنياً في هذه المنطقة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وطالب مجلس الأمن بتطبيق وقف إطلاق النار في سوريا، وذلك خلال جلسة مغلقة الأربعاء، تخللها وفق مصدر دبلوماسي دعم قوي لعرض قدَّمه الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا، بالتوسط مع روسيا، للسماح بإخراج ما وصفها بـ"المجموعات الإرهابية" من الغوطة الشرقية.
حملة عنيفة من النظام
وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن لوكالة الأنباء الفرنسية "باتت قوات النظام تسيطر حالياً على أكثر من نصف مساحة الغوطة الشرقية المحاصرة، بعد سيطرتها على بلدتي الأشعري وبيت سوى، وعدد من المزارع، في وسط وشمال المنطقة".
وتشنُّ قوات النظام، منذ 18 فبراير/شباط، حملةً عنيفةً على مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، يتخلّلها قصف جوي وصاروخي ومدفعي كثيف، مما تسبَّب بمقتل أكثر من 860 مدنياً، بينهم أكثر من 180 طفلاً، وفق آخر حصيلة أوردها المرصد.
وبعد أسبوع، بدأت قوات النظام اشتباكات ضد الفصائل المقاتلة على خطوط التَّماس، قبل أن تصعِّد هجومها، الأسبوع الماضي، وتتمكَّن من التقدم والسيطرة على بلدات عدة في عمق المنطقة المحاصرة.
وتعرَّضت بلدات عدة في المنطقة المحاصرة، بينها سقبا وجسرين وحمورية وحزة، لغاراتٍ عنيفة شنَّتها طائرات سورية وأخرى روسية الأربعاء، ما تسبَّب بمقتل 62 مدنياً، بينهم ستة أطفال، بحسب المرصد.
وبحسب عبدالرحمن، فإن معظم القتلى سقطوا جراء غارات روسية، وتحديداً في حمورية، حيث قُتل 18 مدنياً على الأقل.
ويؤكد المرصد مشاركة طائرات روسية في حملة التصعيد على الغوطة الشرقية، الأمر الذي تنفيه موسكو.
وشاهد مراسل وكالة الأنباء الفرنسية في حمورية رجلين ممددين على الأرض قرب دراجة نارية والنيران تلتهم جسديهما، إثر غارة استهدفت الشارع، فيما كان عنصران من الدفاع المدني يحاولان إخماد النيران.
وبقربهما كانت جثة رجل ثالث وسط الشارع، وقربها بقعة من الدماء. وشاهد المراسل أيضاً داخل قبوٍ انهار جراء القصف امرأة مصابة بجروح.
"عزل دوما"
وفي محاولة لتضييق الخناق على الفصائل المعارضة، أرسلت "قوات النظام 700 عنصر على الأقل من الميليشيات الأفغانية والفلسطينية والسورية الموالية لها، مساء الثلاثاء، إلى جبهات الغوطة الشرقية"، وفق عبدالرحمن.
وأكد مدير المرصد أن قوات النظام توشك على فصل معقل الفصائل الى جزأين، لتعزل بذلك القسم الشمالي، حيث تقع مدينة دوما عن القسم الجنوبي من خلال التقاء قواتها التي تتقدم من جهتي الشرق والغرب.
وتستمر الهجمات على المنطقة رغم سريان "هدنة إنسانية" أعلنتها روسيا منذ أكثر من أسبوع، تستمر لـ5 ساعات فقط يومياً.
ولم يسجل وفق المرصد خروج أي من المدنيين أو المقاتلين منذ بدء تطبيق الهدنة.
وأعلن الجيش الروسي، الثلاثاء، أن "الممر الإنساني" عبر معبر الوافدين، الذي كان مخصصاً لخروج المدنيين خلال هدنة الساعات الخمس "فتح هذه المرة (…) للمقاتلين مع عائلاتهم"، على أن يكتفوا بسلاحهم الفردي، في وقت نفت أبرز الفصائل وجود أي مباحثات بهذا الصدد.
وبطلب من فرنسا وبريطانيا، عَقَد مجلس الأمن الدولي جلسةً طارئةً مغلقةً لبحث أسباب "عدم تطبيق" الهدنة، التي أقرَّها بالإجماع، في 24 شباط/فبراير، وطلب فيها وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، للسماح بدخول المساعدات الإنسانية وعمليات إجلاء المرضى والجرحى.
إخراج المسلحين
وأبدى المجلس، وفق مصدر دبلوماسي، دعماً لدي ميستورا، الذي تحدث عبر الفيديو، وعرض المساعدة للتوسط في اتفاق مع روسيا، يسمح بإخراج مقاتلي "المجموعات الإرهابية" من المنطقة، في إشارة إلى مقاتلي هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً).
وكانت أبرز الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية بعثت، الأسبوع الماضي، برسالةٍ إلى مجلس الأمن، أكدت فيها رفضَها أي مبادرة تتضمن "تهجير" المدنيين.
وأبدت في المقابل التزامها "بإخراج مسلحي تنظيم هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة والقاعدة.. خلال 15 يوماً من بدء دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الفعلي".
وصرَّح السفير الهولندي كاريل فان أوستيروم، الذي يتولى الرئاسة الدورية للمجلس بعد الاجتماع الذي استمر ثلاث ساعات، أن أعضاء المجلس "أعربوا عن القلق بشأن الوضع الإنساني… وجدَّدوا دعوتهم إلى تطبيق" قرار وقف إطلاق النار.
وقبل بدء الاجتماع، تحدَّث مصدرٌ دبلوماسي طالباً عدم نشر اسمه عن "إحباط شديد" داخل مجلس الأمن، مشيراً ألى أن دولةً واحدةً فقط هي روسيا، لا تُنفِّذ القرارَ الذي يطالب بوقف إطلاق النار.
وخلال عرض تقريره السنوي في الأمم المتحدة في جنيف، حذَّر المفوض الأعلى لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين من "كارثة مهولة" في سوريا، معرباً عن اعتقاده بأن "النزاع دخل مرحلة رعب جديدة".
وتعتزم الأمم المتحدة إدخال مساعدات إلى الغوطة الشرقية، الخميس.
وقالت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في سوريا ليندا توم إن القافلة ستحمل مساعدات لـ70 ألف شخص في دوما، وستتضمَّن إمدادات طبية لم يسمح بإدخالها الإثنين.