ليلة 25 شباط/ فبراير كانت الأكثر هدوءاً على أهالي الغوطة الشرقية المحاصرين مقارنة بالأيام الستة الماضية التي لم يتوقف القصف فيها، ولكن الهدنة التي تحدث عنها مجلس الأمن لم تر النور، فقد عاود النظام استهداف تلك المناطق، وقصفها قبل طلوع الشمس.
مع دوي أول قذيفة، أدركت نيفين الحوتري 38 عاماً أنها ستضيف يوماً آخر لها إلى جانب عائلتها في هذا القبو المعتم، ولن تستطيع العودة إلى منزلها لتغسل الغبار الذي تراكم على جسدها، تقول "حاولت غسل وجهي لكنني صدمت بكمية الغبار المتراكمة عليه، والذي تحول إلى طين فقررت نفضه حتى يتاح لنا الاغتسال".
بنت الغوطة هي واحدة من قرابة 300 ألف شخص اعتقدوا أن الاتفاق سيضع حداً لحياة الأقبية التي احتموا بها خوفاً من القصف، ولكن الأنباء التي تتوالى على مسامعهم توحي بعكس ذلك، فقوات النظام تشن هجوماً مدعوماً بقصف جوي وصاروخي مزدوج على محور بلدتي حزرما والزريقية.
أخبار الاقتحامات تلك لم تكن قد وصلت لنيفين بعد التي تواصلنا معها عبر فيسبوك، كان كل همها "أن تنعم بساعتي نوم هادئ دون دوي انفجارات".
على عكس نيفين اختارت بيان ريحان "32 عاماً" الخروج إلى الشارع ولكنها صدمت بما آل إليه من دمار، وبالفعل كان هذا الدمار واضحاً بصورة للأقمار الصناعية تداولها ناشطون على فيسبوك تظهر الفرق واضحاً بين قلب العاصمة دمشق وريفها الواقع تحت القصف، فعلى الرغم أنه لا تفصل بينهما سوى بضعة كيلومترات إلا أن الغوطة تبدو وكأن أحدهم قام بمحو ملامحها من الخريطة.
وعلى الرغم من كل حجم الدمار إلا أن بيان التي كانت "سعيدة بحريتها" تابعت طريقها، التقت بنساء أخريات، هي لا تعرفهن ولكنها ابتسمت لهن قائلة "حمد لله على السلامة" فعلى الرغم من الاختلافات التي قد تفرق بينهن إلا أن هناك أمراً يجمعهن "كلنا لا نزال على قيد الحياة".
بيان التي تجاهلت دوي القذائف قررت المضي قدماً تتجول في شوارع مدينتها، فهي تكره القبو، بل أكثر من ذلك فقد كانت من أواخر الأشخاص الذين لجؤوا إليه مرغمة، بعد أن قصف منزلها!
ففي اليوم الرابع من القصف الشديد الذي تعرضت له الغوطة الشرقية وأودى بحياة المئات، كان على بيان بعد تدمير منزلها بقصف جوي، وخلال دقيقتين قطع مسافة 150 متراً لأقرب قبو، هناك اختارت حائطاً أسندت إليه ظهرها وبدأت تتأمل الأشخاص من حولها كلهم أمهات وأطفال، "جائعون ينتظرون توقف القصف للحصول على طعام".
وفي الوقت الذي كان من المتوقع أن تتوقف عمليات القصف وإطلاق النار بين طرفي النظام والمعارضة مدة 30 يوماً، لم ينعم أهالي الغوطة المحاصرون على مساحة 110 كم مربع، إلا بـ 30 دقيقة والتي لم تكن كافية لقضاء أمور كثيرة، فلا طعام ولا ماء ولا كهرباء".
كل ذلك لم يكن مهماً لطبيب الغوطة الشرقية حسام حمدان، فقد كان يأمل أن يطبق مجلس الأمن قراره وخاصة البند الذي تحدث فيه عن دخول المساعدات والإجلاء الطبي، فالوضع كارثي!
حمدان الذي لخص ما شاهده الأيام الأخيرة تحت سقف آخر النقاط الطبية بالغوطة الشرقية أنهكت يداه من حمل المبضع "فلم تعد أنامله ولا مبضعه قادرين على احتمال حجم الجراح الذي مر عليهما".
فبعد استهداف النظام قرابة 12 مستشفى من مستشفياتها، ألقي على كاهل من بقي من الكادر الطبي إسعاف أعداد مهولة من المصابين لدرجة أن عدهم أصبح "مهمة مستحيلة".
حمدان الذي يعمل طبيباً منذ أكثر من 20 عاماً لخص الوضع الطبي في منشور تداوله الكثيرون على فيسبوك، تحدث فيه عن حجم العمليات التي يقوم بها والخيارات الصعبة التي يضطر لاتخاذها آخرها إخراج طفل من رحم أمه الميتة.
وليس حمدان وحده من كان غارقاً بالهموم، بل أيضاً نيفين التي لم تنعم بساعتين من النوم الهادئ، وكتبت على صفحتها على فيسبوك معلنة من داخل القبو المعتم أن القصف مستمر بشدته نفسها، ولم يكن أمامها إلا أن تلغي فكرة الخروج إلى شوارع المدينة، واختارت أن تضم ابنتها مايا إلى حضنها وألعاب مايا أيضاً "فالكل خائف هنا!"