رصدت صحيفة The Washington Post الأميركية في تقرير لها كيف استغل الرئيس الإيراني حسن روحاني الإضطرابات التي شهدتها بلاده قبل شهرين، والتي كانت الأسوأ على إيران منذ سنوات، ليروج لأجندته الخاصة.
وقالت الصحيفة إن روحاني رأى في الاحتجاجات فرصةً نادرة للدفع بأجندة الإصلاح، فقد واجه الرئيس الإصلاحي مقاومة عنيدة من رجال الدين المتشددين في البلاد، بعد أن فاز بفترةٍ رئاسية ثانية العام بحملةٍ انتخابية تدعو للتغيير.
ومنذ فوزه بالانتخابات زاد روحاني الضغط على قوات إيران المسلَّحة، ومن بينها الحرس الثوري القوي، كي يبتعدوا عن الاقتصاد. وقام بخطواتٍ لترميم قطاع البنوك الفوضوي، حيث محا المُقرِضون غير المشروعين مدَّخرات صغار المودعين، ما ساعد في إشعال الاضطراب.
أيد المتظاهرين
استغل روحاني هذه اللحظة، وقام بالوقوف بشكل عنلي في صفِّ المتظاهرين، وحث خصومه على سماع متطلباتهم، مشدداً أن "لدى الناس انتقادات واعتراضات وهم محقون، ويجب علينا أن نفتح آذاننا بالكامل للاستماع ومعرفة ما يريده الشعب".
وجدت تلك العاطفة صدىً لدى القائد الأعلى للبلاد علي خامنئي، الذي اعترف بدوره يوم الأحد 18 فبراير/شباط بالانتقادات، وقال إنَّ المسؤولين "على دراية" بالمشاكل التي تعاني منها البلاد.
وقال أمير هندجاني الزميل البارز بمركز جنوب آسيا التابع للمجلس الأطلسي إنَّ روحاني "ذهب إلى مدًى أبعد من أي رئيسٍ إيراني" فيما يخص الدعوة للإصلاح السياسي والاقتصادي. وقال: "تصدَّى روحاني للفكرة القائلة إنَّ جميع المتظاهرين مُحرِّضون، وترك لهم مساحةً للتعبير عن شكاويهم، وقال إنَّ لهم الحق في مساءلة حُكَّامهم"، موجهاً ذاك الجدل على نحوٍ ناجح.
ضغط روحاني على خامنئي
رصدت الصحيفة الأميركية تحرك روحاني في الاسابيع الأخيرة، فقد دعا كيانات الدولة مراراً للتخلي عن أصولها وإفساح المجال للقطاع الخاص. إذ يمتلك الحرس الثوري خاصةً شبكةً ممتدة من الأعمال في كل المجالات، بدءاً من البنية التحتية للطاقة وحتى الاتصالات، ويلعب دوراً شديد التأثير في الاقتصاد.
وقال هنري روم الباحث في الشأن الإيراني بشركة يوراسيا جروب لتقييم المخاطر السياسية في مذكرة إحاطة: "ضغط روحاني على خامنئي للاعتراف بأنَّ غموض وفساد الحرس الثوري قد أعاق نمو البلاد. وحدث مرَّتين في الأسابيع الأخيرة أن دَعَت إدارة روحاني مؤسساتٍ حكومية أو شبه حكومية إلى تقليل أنشطتها التجارية".
وفي الشهر الفائت، قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي في مقابلةٍ صحفية إنَّ خامنئي قد أسند إلى القيادة العليا للقوَّات المسلَّحة مهمة الإشراف على خروج القوَّات العسكرية الإيرانية من أي "أنشطة اقتصادية غير ذات صلة".
وتطرَّق روحاني أيضاً لمشكلة المُقرِضين غير المُنظَّمين، والذي يلوم سَلَفه الرئيس محمود أحمدي نجاد على انتشارهم.
وأعلن روحاني الشهر الفائت أنَّه أعطى تعليماتٍ للبنك المركزي بالتوقف عن إصدار التصاريح لإقامة بنوكٍ خاصة جديدة. وفي مقابلةٍ متلفزة، قال روحاني أيضاً إنَّ البنك المركزي أنفق نحو 2.5 مليار دولار لسداد ديون المودِعين.
عقبات أخرى
وترى الصحيفة الأميركية أنه وحتى وإن أنعش روحاني آمال الإصلاح من جديد، فإنَّ سلسلةً من الأزمات الاقتصادية والسياسية قد هدَّدت بمنع ذلك التقدم
ففي الأسابيع الأخيرة، شهدت إيران اضطراباتٍ مستمرة. إذ نظمت نساءٌ تظاهراتٍ في طهران ومدنٍ أخرى لنزع أغطية رؤوسهن علناً، التي هن ملزماتٌ قانوناً بارتدائها. وفي وقتٍ مسبق من الأسبوع الجاري قُتل 5 عناصر من قوات الأمن في العاصمة إثر اشتباكاتٍ مع أعضاء جماعة صوفية، كانوا قد تجمَّعوا حول منزل قائدهم على خلفية مخاوف من احتجازه.
واستمر العمَّال والمتقاعدون في تنظيم احتجاجاتٍ على نطاقٍ صغير من أجل الأجور والمستحقات غير المدفوعة، وتتضمن تلك احتجاجاتٍ أُقيمت في شركات إنشاءٍ كبرى، ومصنع سكر، وخارج وزارة العمالة.
شهدت إيران أيضاً وفياتٍ لشخصياتٍ بارزة مُحتجزة في سجونها، من بين هؤلاء ناشطٌ بيئي بارز مات في السجن بعد أيامٍ فقط من اعتقاله، وكذلك الهبوط السريع في قيمة عملتها. إذ انخفض الريال الإيراني المتضرر بطبيعة الحال من العقوبات الأميركية بنسبة 13% منذ أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول وحتى أوَّل فبراير/شباط، وبذلك يسجِّل انخفاضاً قياسياً في مقابل الدولار. ارتفع الريال منذ ذلك الوقت، لكنَّه توقف عن الارتفاع بعد أن احتجزت الشرطة في طهران عدداً يصل إلى 100 تاجر عملة غير مرخَّص ممَّن يقول المسؤولون إنَّهم أسهموا في هبوط عملة الريال.
وقال فرزان ثابت الزميل بمركز الحوكمة العالمي التابع للمعهد العالي بجنيف: "إيران في وضعٍ سيئ. الاقتصاد راكد. وتواجه الشباب صعوبةٌ في إيجاد عمل.. ورأى المتقاعدون مدَّخراتهم تضيع لدى مؤسساتٍ ائتمانية فاسدة وسيئة الإدارة".
وتعلق الصحيفة الأميركية على هذه الأحداث بأنه تقطُّع في أجندة روحاني -وما يراه بعض النقاد فشلاً من جانبه في كبح جماح المؤسسات التابعة للدولة- قد دفع بعضاً من حلفائه مؤيدي الإصلاح للانفصال عنه.
وقال مصطفى طاجزاده أحد كبار الإصلاحيين في مقابلةٍ صحفية أجرتها معه مؤخراً وكالة أنباء العمال الإيرانيين إنَّ "الشفافية والصراحة" التي أبداها روحاني خلال حملته الانتخابية "لم تعُد موجودة".
وأضاف طاجزاده: "أعتقد أنَّ روحاني ذكي بما يكفي ألَّا يتجه نحو اليمين، لأنَّه يعرف أنَّه سيخسر دعم الجماهير إن فعل. على روحاني أن يكون حذراً في هذا الأمر".
وفي البرلمان، عارض الإصلاحيون والمحافظون على حد سواء ميزانية روحاني المقترحة للسنة المالية الإيرانية. تلك الميزانية التي جرى تسريبها لوسائل الإعلام في ديسمبر/كانون الأول الفائت تضمنت تخفيضاتٍ كبرى للدعم الحكومي، وكان لها دورٌ في إشعال الاضطرابات.
لكن يقول محمد علي شعباني محرر التغطية الإيرانية في بوابة المونيتور الإخبارية إنَّه ما زال لدى الرئيس السلطة أعظم فرصةٍ لإحداث التغيير، ومن المؤكد أنَّ لديه الآن تفويضاً شعبياً أوضح لإحداث التغيير نظراً للضغط الشعبي الحالي.