الحصار الأخير.. الإندبندنت: ما يحدث في الغوطة قد يكون آخر تصعيد لأهم جيوب المعارضة بسوريا

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/21 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/21 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش

قالت صحيفة الإندبندنت البريطانية، الأربعاء 21 فبراير/شباط 2018، إن الحصار المفروض على مدينة الغوطة الشرقية القريبة من العاصمة السورية دمشق، قد يكون آخر الحصارات الكبرى في البلد الذي مزقته الحرب منذ 7 سنوات.

وأضافت الصحيفة البريطانية أن حصار الغوطة الشرقية يمكن أن يكون آخر الحصارات الكبرى التي تميزت بها الحرب السورية على مدار السنوات الخمس أو الست الماضية، مما جعل النزاع القائم في سوريا نزاعاً مدمراً. في وقتٍ مبكر من الحرب، تبنَّت قوات الأسد استراتيجية التخلي عن معاقل المعارضة، وذلك بحصارها، والتركيز على الدفاع عن المناطق الموالية والطرق الأساسية والمناطق الحضرية المهمة، بينما أغلقت جيوب المعارضة بنقاط التفتيش وعرضت السكان داخلها للقصف المنتظم.

وعلى مدار يومين، تشن المدفعية والطائرات التابعة لنظام الأسد ضربات على الغوطة الشرقية، وهي آخر الجيوب الكبرى للمعارضين والتي تقع ناحية الشرق من دمشق.

وأفادت التقارير بمقتل نحو 127 شخصاً يوم الإثنين 19 فبراير/شباط 2018 فقط، وذُكر أنَّ هذا الرقم قد تضاعف بحلول مساء الثلاثاء 20 فبراير/شباط 2018. ويعد هذا الهجوم، الذي استُخدمت فيه القذائف والقنابل والصواريخ، الأكثر عنفاً من أي شيء شهدته المنطقة منذ عدة سنوات، مما يشير إلى احتمالية شن هجوم بري شامل بالمستقبل، أو كما كان الحال في شرق حلب قبل أكثر من عام بقليل، ربما يكون هناك محاولة للتفاوض على إجلاء جماعي في اللحظة الأخيرة.

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنه كانت هناك العديد من المناطق المماثلة، وكانت تحيط بدمشق التي يبلغ عدد سكانها نحو 5 ملايين نسمة. أُجلِيَ السُكَّان عن بعض المناطق، مثل داريا بجنوب العاصمة، في وقت مبكر، فيما لا تزال مبانيها قائمة، لكنَّها مدمرة تماماً وغير صالحة للسكن. أما الجيوب المعارضة الأخرى، ولا سيما تلك الموجودة في شمال دمشق، فقد استهدفتها فرق إطلاق النار أو الهدم، ولم يعد هناك مبنى واحد يقف على ارتفاع يزيد على بضعة أقدام.

حصار ممتد منذ 5 سنوات


وتقع الغوطة الشرقية على بُعد بضعة أميال تجاه الشرق من العاصمة، وهي منطقة حضرية وزراعية واسعة النطاق، يقدَّر عدد سكانها بنحو 400 ألف نسمة، وكانت محاصرة بشكل غير محدود بعد عام 2013. كان سكانها يعانون نقصاً في الإمدادات الطبية، وقطع غيار الآلات، وغيرها من المواد عالية القيمة فيما عدا الإمدادات الغذائية الأساسية.

لكن في العام الماضي (2017)، شددت قوات الأسد الحصار، وأغلقت نظام النفق غير الرسمي الذي كان ينفذ من خلاله الوقود والغذاء. وبحلول يناير/كانون الثاني من هذا العام، كانت تكلفة سلة المواد الغذائية الأساسية في الغوطة الشرقية أعلى بنسبة 780% مما هي عليه في المناطق التي تسيطر عليها قوات الأسد على بُعد أميال قليلة.

وتتقدم قوات الأسد في جميع أنحاء سوريا منذ التدخُّل العسكري الروسي في عام 2015، وتتساقط مناطق المعارضين المحاصرين واحدة تلو الأخرى، مما اضطر المقاتلون والسكان المدنيون المتعاطفون إلى أن ينتقلوا لإدلب بشمال غربي سوريا. في داريا، غادروا صيف عام 2016، وسقطت حلب الشرقية بنهاية العام نفسه. وقد تماسكت الغوطة الشرقية لأطول فترة؛ لضخامتها، وسيطرة المعارضين القوية عليها، وقدرتها على توفير جزء من غذائها. لكنَّ فصائل المعارضين المسيطرين انقسمت وقاتلت بعضها، ولم يكن لديها استراتيجية لمواجهة التقدم المطرد لقوات النظام السوري بخلاف إطلاق قذائف الهاون على أحياء مؤيدة له، مثل حي باب توما المسيحي في دمشق القديمة، بحسب الصحيفة البريطانية.

وقد تدهورت ظروف المعيشة؛ بسبب الافتقار إلى السلع، وحتى عندما تكون السلع متاحة بأسعار مرتفعة، لا يملك الناس أي أموال لدفع ثمنها. وحيثما يُسمح بدخول الغذاء إلى جيب الغوطة الشرقية، فإنَّه يخضع لرسوم عالية لكل كيلوغرام مستورد. ويقول عمال الإغاثة إنَّ أحداً لم يمت بسبب الجوع في يناير/كانون الثاني 2018، لكنَّ العديد من الناس يعانون سوء التغذية. ومع اشتداد القصف والغارات الجوية في الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2018)، أُغلِقَت جميع المدارس، بحسب الصحيفة البريطانية.

ولأنَّ قوات الأسد إما منتصرة، وإما غير منخرطة في قتال واسع النطاق بمعظم أنحاء البلاد، فهي تملك عدداً أكبر من الجنود والقوات الجوية، للتركيز على معاقل المعارضين المتبقية في الغوطة الشرقية وإدلب. لكنَّ هناك مواجهة متزايدة بين قوات الأسد وتركيا بمنطقة عفرين الكردية الشمالية؛ إذ كانت المدفعية التركية قد قصفت، الثلاثاء 20 فبراير/شباط 2018، نقطة الدخول إلى عفرين التي تسيطر عليها الدولة، والتي يقودها مقاتلون مؤيدون للحكومة، مسلحون بالرشاشات الثقيلة، كجزء من تحالفهم الجديد مع الأكراد، بحسب الصحيفة البريطانية.

حروب الحصارات


اتسمت الحروب السورية -وبدرجةٍ أقل العراقية- بأنَّها حروب حصارات، انتشرت فيها أعداد محدودة من القوات البرية، لكنَّها مدعومة بقوة جوية ضخمة. وكان ذلك صحيحاً حينما واجهت قوات الأسد والروس تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والجماعات المرتبطة بـ"القاعدة"، والمعارضين الجهاديين. لكنَّ ذلك ينطبق أيضاً على وحدات حماية الشعب الكردية التي تدعمها القوات الجوية الأميركية في حصار الرقة والجيش العراقي الذي استمر 4 أشهر وكانت تدعمه أيضاً القوات الجوية الأميركية ومدفعيتها الخاصة، وفي حصار الموصل الذي دام 9 أشهر. وربما كان هذا الأخير هو الأكثر دموية من كل هذه الحصارات؛ بسبب حجم المدينة، وشراسة القتال، ورفض داعش السماح للسكان المدنيين بالهروب من الموصل الغربية ومن المدينة القديمة، بحسب الصحيفة البريطانية.

وصرَّحَت منظمة العفو الدولية بأنَّ "جرائم حربٍ صارخة" تُرتكب في الغوطة الشرقية على "نطاق ملحمي".

وقالت ديانا سمعان، الباحثة في الملف السوري، للصحيفة البريطانية: "لم يعانِ الناس حصاراً قاسياً على مدار السنوات الست الماضية فحسب؛ بل إنَّهم محاصَرون الآن وسط وابلٍ يومي من الهجمات التي تتعمد قتلهم وتشويههم، والتي تمثل جرائم حرب صارخة".

تعرَّضت 7 مستشفيات للقصف منذ صباح الإثنين 19 فبراير/شباط 2018، بالغوطة الشرقية، التي كانت في السابق مخازن غذاء دمشق، لكنَّ حكومة الأسد ظلت تحاصرها منذ سنوات، وعرَّضتها لهجماتٍ كيماوية مُدمِّرة؛ مما أدى إلى توقف مستشفيَين عن إجراء العمليات، وتوقُّف أحدهما عن العمل تماماً.

مذبحة القرن


وقال طبيبٌ في الغوطة الشرقية: "نحن نقف أمام مذبحة القرن الحادي والعشرين. إذا كانت مجزرة التسعينيات هي سريبرينيتسا، ومذابح الثمانينيات هي حلبجة وصبرا وشاتيلا، فإنَّ الغوطة الشرقية هي مذبحة هذا القرن".

وأضاف: "قبل وقتٍ قصير، جاء لي طفل أزرق الوجه وبالكاد يتنفس، فمه مليء بالرمال. أفرغ ما في فمه بيدي. لا أعتقد أنَّ أحداً يدرس ما نضطر إلى فعله في أيٍ من الكليات الطبية. طفل مصاب يتنفس برئتين مليئتين بالرمال! يأتيك طفل يبلغ من العمر سنة واحدة كانوا قد أنقذوه من تحت الأنقاض ويتنفس رمالاً، دون أن تعرف حتى من هو!".

وتابع: "كل هذه المنظمات الإنسانية والحقوقية، كلها هراء! وكذلك الإرهاب. أيُّ إرهاب أكبر من قتل المدنيين بجميع أنواع الأسلحة؟! هل هذه حرب؟! إنَّها ليست حرباً. هذه تُسمى مجزرة".

كان من الصعب الحصول على عدد دقيق للقتلى؛ بسبب عمليات الإنقاذ الجارية، ولأنَّ بعض الأسر دفنت موتاها دون نقلهم إلى المستشفيات المحلية.

وقالت صحيفة "ذا أوبزيرفاتوري" البريطانية إنَّ المجموعات المعارضة ردَّت بموجةٍ من القصف المدفعي استهدفت دمشق؛ مما أسفر عن مقتل 12 شخصاً وإصابة 50 آخرين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

بينما قال عمال الإغاثة إنَّ أعمال العنف الأخيرة في الغوطة الشرقية، حيث تُوفي 1300 شخص في عام 2013، بعد هجوم نظام الأسد بغاز السارين، شملت استخدام البراميل المتفجرة. الأسلحة التي يستخدمها الأسد غير دقيقة، لدرجة أنَّ هيئات مراقبة حقوق الإنسان صنفت استخدامها ضمن جرائم الحرب. وقد استخدم النظام أيضاً مقاتلات نفاثة وقصفاً مدفعياً، كل هذا إضافةً إلى الحصار الذي فرضه على المدينة، بحسب الصحيفة البريطانية.

وقال منير مصطفى، نائب مدير منظمة "الخوذ البيضاء"، وهو فريقٌ تطوعي ينقذ الناس من تحت الأنقاض، إنَّ "الوضع في الغوطة الشرقية أقرب إلى يوم القيامة".

وصرَّحت منظمة "الخوذ البيضاء" بأنَّ أحد متطوعيها، ويدعى فراس جمعة، لقي حتفه يوم الإثنين 19 فبراير/شباط 2018، في أثناء تأديته واجبه الإنساني بإجلاء المصابين.

وقالت منظماتٌ طبية إنَّ 5 عيادات ومستشفيات على الأقل، من ضمنها مركز للولادة، تعرَّضت للقصف يوم الإثنين، وبعضها قُصِفَ عدة مرات. وقد قُتل طبيب تخدير في الهجمات، فيما ضُربت منشأتان أخريان الثلاثاء 20 فبراير/شباط 2018.

تحميل المزيد