معاملة قاسية لا ترحم حتى أمسّ الحالات الإنسانية.. من بين 20 ألف طلب لجوء خلال 2017 لم تقبل اليابان إلا 20 فقط!

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/16 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/16 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش

قبلت اليابان 20 طالب لجوءٍ فقط عام 2017، رغم وصول عدد المتقدمين بطلبات لجوءٍ إلى رقم قياسي بلغ 19628 متقدماً؛ ما أدَّى إلى اتهاماتٍ للبلاد بأنَّها تُغلق أبوابها في وجوه أصحاب الحاجات الماسّة.

ومنذ عام 2010، منحت اليابان تصاريح عملٍ لطالبي اللجوء بتأشيرات عملٍ ساريةٍ، فيما يجري النظر في طلبات لجوئهم، وهو تغييرٌ تقول الحكومة إنَّه أدَّى إلى تزايدٍ كبير في أعداد الطلبات "الزائفة" التي يتقدم بها أُناسٌ لا يسعون ببساطةٍ سوى للحصول على فرصة عمل، وفق ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية.

ووفقاً للأرقام المُعلنة هذا الأسبوع، ارتفع عدد طلبات اللجوء المُقدَّمة عام 2017 بنسبة 80% عن العام السابق، الذي بلغ عدد الطلبات فيه 11 ألف طلب لجوءٍ، قُبِل منها 28 طلباً فقط.

وكان من بين الآلاف الذين رُفضت طلباتُهم جان، الذي وصل عام 2001 بعد أن تمكَّن من الهرب من أحداث العنف الطائفي التي اجتاحت بلاده، بوروندي.

وبعد 17 عاماً، يقول نشطاء إنَّ جان لا يزال يعيش إهمالاً قانونياً وضحية للسياسة اليابانية الصارمة تجاه اللاجئين، ولحالة الرفض الأوسع للمهاجرين.

كان جان، وهو من عرقية الهوتو، قد أُلقي به في كومةٍ من الإطارات المحترقة؛ لرفضه الانضمام إلى القتال ضد عرقية التوتسي وتمكَّن من الهرب، لكنَّ الواقعة تركته بساقٍ يمنى محروقةٍ، تُذكِّره دائماً أنَّه لا يمكنه العودة لبلاده.

لم تعتبره حالة إنسانية

وقال جان لصحيفة الغارديان البريطانية، في لقاءٍ أجرته معه بمنزله شرق طوكيو: "في ذلك الوقت، كنتُ رجلاً بسيطاً أبيع الذرة والفول السوداني في الشارع. لم يكن لديَّ أدنى فكرة عما يتقاتلون بشأنه". وأضافت محاميته، ماساكو سوزوكي، أنَّ سياسة الحكومة اليابانية تُعاقب المُحتاجين الحقيقيين من طالبي اللجوء.

وقالت: "كان يجب الاعتراف بجون طالب لجوءٍ بحلول الآن. من المذهل أنَّ سلطات الهجرة لم تعتبره حتى الآن حالةً إنسانيةً، بالنظر إلى أنَّ العنف الطائفي في بوروندي قد تفاقم بشكلٍ كبير منذ عام 2016".

وتُشير التغيرات الأخيرة إلى أنَّ اليابان تصبح أشد صرامة. ففي محاولةٍ للحد من أعداد الطلبات، بدأت الحكومة الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2018)، قصر الحق في العمل على أولئك الذين تعتبرهم طالبي لجوءٍ.

احتجاز طالبي اللجوء بالمراكز

ويغامر أصحاب الطلبات المُكررة وأصحاب الطلبات التي لم تتجاوز عملية التدقيق الأوَّلي، باحتمالية احتجازهم في مراكز احتجاز المهاجرين بعد انتهاء تصاريح بقائهم باليابان.

تقول إيري إيشيكاوا، رئيسة رابطة اليابان للاجئين، إنَّ القواعد الجديدة تأتي كجزء من حملةٍ أوسع على اللاجئين، يقودها رئيس الوزراء المُحافِظ شينزو آبي.

كان آبي قد أثار الجدل عام 2015 حين صرَّح بأنَّ على اليابان الانشغال بتحسين معيشة شعبها -وتحديداً النساء والمسنين- قبل أن تقبل لاجئين من سوريا.

ورصد النشطاء الحقوقيون التناقض بين موقفه الصارم من طالبي اللجوء وزيارته الأخيرة إلى ليتوانيا، حيث كرَّم الدبلوماسي الياباني الذي كان يعمل في زمن الحرب العالمية الثانية تشيونه سوغيهارا، والذي يعود له الفضل في إنقاذ حياة 6 آلاف يهودي عام 1944، حين منحهم تأشيرات سفر إلى اليابان.

وتقول إيشيكاوا، التي تساعد رابطتها 700 فرد، أغلبهم من دولٍ إفريقيةٍ، رُفضت طلبات لجوئهم: "تفترض الحكومة أنَّ الناس يتقدمون بطلبات لجوءٍ، فقط للحصول على فرص عملٍ باليابان. لقد أُغلِق الباب في وجوه طالبي لجوءٍ. هذا يُقلقنا؛ لأن من بينهم لاجئين حقيقيين".

انتقادات للمعاملة القاسية

وتعرَّضت مراكز احتجاز المهاجرين اليابانية، بسبب مُعاملتها القاسية للمُحتجزين، للانتقاد. وكان 10 أشخاصٍ على الأقل قد ماتوا في مراكز الاحتجاز منذ عام 2006، بينهم 4 حالات انتحارٍ.

وفي عام 2016، دخل أكثر من 40 مُحتجزاً في إضرابٍ عن الطعام بمُنشأةٍ في مدينة أوساكا؛ اعتراضاً على ظروفهم المعيشية وضعف الرعاية الصحية.

تقول إيشيكاوا: "الظروف قاسيةٌ في تلك المراكز، ولا حدود لفترة الاحتجاز. عادةً ما يحصل المحتجزون على إطلاق سراحٍ مؤقتٍ بعد عامٍ، لكن لا يُسمَح لهم بالعمل ولا يستفيدون من أي تأمينٍ اجتماعيٍ".

وأضافت أنَّ اليابان رغم معاناتها أسوأ نقصٍ للعمالة منذ 44 عاماً، فإنَّها لا تبدو قادرةً على التغلب على الثقافة المتجذِّرة الرافضة للمهاجرين.

وتقول: "لا تحب الحكومة كلمة (هجرة)، فهي تبدو دائمة، ولهذا يرفضها البعض. إنَّهم يخشون من أنَّها قد تُغيِّر طبيعة المُجتمع الياباني".

واليوم، لا يزال جان، الذي فضَّل الإشارة إليه باسمه الأول فقط، يشعر بالألم من الحروق على ساقه. ولم يرَ والديه ولا شقيقتيه منذ فرَّ من بوروندي.

وصل جان إلى طوكيو، في يناير/كانون الثاني عام 2001، بتأشيرة سياحيةٍ مدتها 90 يوماً، يملؤه الارتياح؛ لعثوره على ما ظنَّ أنَّه سيصبح ملاذه الآمن. في البداية، نام في سيارةٍ وحظي بفرصة عملٍ متواضعةٍ في باحةٍ لقطع الغيار. وقال إنَّه لم يُدرك أنَّه تجاوز مدة إقامته القانونية إلى أن استجوبته سلطات الهجرة.

كان جان، البالغ من العمر 48 عاماً والذي يعتقد أنَّ حياته ستكون في خطرٍ حقيقيٍ فور عودته إلى بوروندي، قد قضى شهوراً في مرحلةٍ ما بمراكز احتجاز المهاجرين، آخرها كان عام 2011. وهو الآن في انتظار نتيجة طلب لجوئه الثالث.

ويعني عدم تقديمه طلب اللجوء فور وصوله لليابان، أنَّه يُحظَر عليه العمل، وأنَّ تحركاته مراقبةٌ بشدة. وهو يقضي أيامه بالعمل متطوعاً في كنيسةٍ كاثوليكيةٍ بطوكيو، وفي دراسة اللغة اليابانية.

لكنَّه يُعبِّر عن امتنانه للمعاملة الحسنة التي يلقاها من الناس العاديين، ومن بينهم الزوجان اللذان استضافاه في بيتهما بينما تُقرِّر سلطات الهجرة مصيره.

ويقول: "اليابانيون الذين أعرفهم كانوا لطيفين جداً معي، لا أصدق كيف عاملوني. لقد تقبلوني كواحدٍ منهم. لا أعرف ماذا كان يُمكن أن يحل بي لولاهم. هذا هو ما يعنيه أن تعيش في بلدٍ مُسالمٍ".

تحميل المزيد