نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، مقالاً للكاتبة الصحفية كارين تمولتي، تساءلت في بدايته عمّا قد يكون أكثر إثارة للقلق: حقيقة أنَّ القائد الأعلى للقوات المسلحة لا يكلف نفسه عناء قراءة موجزه اليومي الذي ترسله له الاستخبارات الأميركية، أم حقيقة أنَّ صهره، الذي لم يحصل على تصريحٍ أمني بعد، هو مَن يطّلع على هذا التقرير ويقرأه؟
كان نصيب هاتين القصتين ثلاث صفحات منفصلة في طبعة السبت، 10 فبراير/شباط، لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وتقول الكاتبة أنه على الصفحة الأولى، "قال زملائي كارول ليونيغ، وشين هاريس، وغريغ جاف، إنَّ دونالد ترامب هو أول رئيس أميركي منذ ريتشارد نيكسون لا يطّلع على الوثيقة المعروفة باسم الموجز اليومي للرئيس بصورةٍ منتظمة، التي تضم معلومات تجمعها وكالات الاستخبارات الأميركية من البقع الساخنة في شتى أنحاء العالم".
أكثر الوثائق الحكومية حساسية
وفي صفحة بقياس A4 من الصحيفة، كانت القصة الأخرى موقَّعة بأسماء مات زابوتوسكي، وجوش داوزي، وديفلين باريت.
وتتابع: "أصبحت حقيقة عجز جاريد كوشنر عن الحصول على تصريحٍ أمني دائم، لأسباب غير واضحة تماماً، مصدراً للاضطراب في البيت الأبيض. لكن وفقاً لما ذُكِر في القصة الخبرية، فإنَّ لديه في الوقت نفسه تصريحاً مؤقتاً يسمح له "بالاطلاع على المواد، بما في ذلك الموجز اليومي للرئيس، الذي يُعَد ضمن أكثر الوثائق الحكومية حساسية".
وتقول بأن هناك نوعان من المشكلات التي يجب أن تكون مثيرة للقلق هنا؛ النوع الأكثر خطورة، بالطبع، هو ما إن كان الرئيس يحصل على المعلومات التي يحتاجها للحفاظ على سلامة البلاد، أم أنَّ مساعديه يحاولون بدلاً من ذلك تبسيط الأمور له تجنباً لإثقال كاهله أو إرباك تصوراته المسبقة.
في حالة كوشنر، هناك خطر أمني محتمل حوله، لكنَّ السؤال الأكثر إلحاحاً يدور حول مدى ملاءمة اطّلاعه على هذه المواد الحساسة تحت أي ظرف من الظروف. ووفق الكاتبة: "هذا يعيدنا إلى حقيقة أنَّ سليل إحدى الأسر الثرية العاملة في مجال العقارات، البالغ من العمر 37 عاماً، ليس لديه ما يثبت استحقاقه لعمله الحالي في البيت الأبيض، بخلاف أنَّه صهر الرئيس".
من الصعب ألا نلاحظ المفارقة في كل هذا: ألم يكن المحرك الرئيسي للفضيحة المحيطة برسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون هو حقيقة أنَّها اتُّهمت بأنَّها تعاملت مع أسرار الدولة بإهمال؟
أهمية الموجز اليومي
كان الموجز اليومي للرئيس هو الوثيقة التي احتوت، في 6 أغسطس/آب 2001، على تحذير بعنوان "بن لادن عازم على ضرب الولايات المتحدة"، بل وذكرت أنَّ بن لادن ربما ينوي الاستيلاء على طائرات في عمليته.
وعندما وقعت هجمات 11 سبتمبر/أيلول، بعد ذلك بشهر، كان الموجز هو أبرز الأدلة لأولئك الذين اتهموا إدارة جورج بوش بأنَّها كانت غافلة عن الخطر المحيط بالبلاد.
بطبيعة الحال، لكل رئيس أسلوبه الخاص في معالجة المعلومات. لكن حتى رونالد ريغان، الذي أثار عدم انتباهه في كثير من الأحيان استياء أقرب مستشاريه، كان يتكبَّد عناء قراءة الموجز يومياً، حسب ما ذكرت الكاتبة في مقالها.
يقول مسؤولون في البيت الأبيض إنَّ قرار ترامب بتلقي ملخص شفهي سريع للموجز اليومي يعكس "أسلوبه المفضل في التعلم"، فضلاً عن نفاد صبره في التعامل مع المواد الثقيلة. يقدم مستشاروه الاستخباراتيون عرضاً يرفقون به رسوماً بيانية، وصوراً، ومقاطع فيديو، وما يسميه مايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات المركزية "تصميمات مذهلة".
لكن يبدو من الإنصاف أن نتساءل عن مدى إصغاء الرئيس، سريع التشتت، عند متابعة العروض الشفاهية، فأحياناً نرى تغريدات ينشرها على تويتر في الوقت الذي يُفتَرض أنَّه مُخصَّص لمتابعة الموجز اليومي في جدوله الرسمي، وتشمل هذه التغريدات في الغالب أشياءً عشوائية يبدو أنَّها لفتت انتباهه وهو يشاهد مسلسل Fox and Friends.
وثمة مشكلة منفصلة تكمن فيما إن كانت موجزاته الشفهية تنقل بدقة ما يذكره بالفعل الموجز اليومي الفعلي. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أنَّ مسؤولي الاستخبارات لا يرفقون المواد المتعلقة بروسيا إلا في النسخة المكتوبة فقط، بينما يتجنبون الإشارة إليها في عروضهم الشفاهية، في خوفٍ واضح من أنَّ ذلك قد يفجر غضب الرئيس مرةً أخرى من أنَّ مجموعة من الديمقراطيين الذين لا يتقبلون الخسارة يحاولون تصيد الأخطاء له.
ومع أنَّه من المعتاد أن يُتاح لدائرةٍ مقربة من المساعدين الرئاسيين الاطلاع على الموجز، لا ينبغي أن ينطبق ذلك على شخص مثل كوشنر، الوافد الجديد على الحكومة الذي يحمل تصريحاً أمنيا مؤقتاً، والذي لم يتضح موقفه من قضية التدخل الروسي في تحقيق روبرت مولر بعد.
وأكد آبي لويل، محامي كوشنر، في بيانٍ له أنَّ إعلان براءة كوشنر يستغرق وقتاً أطول من المعتاد "بسبب حجم ممتلكاته، وسفرياته، ووثائقه المطولة".
لكن ما زاد الأمور تعقيداً حقيقة أنَّ كوشنر اضطر إلى تحديث استبيانه الأمني مراراً، والمعروف باسم SF-86، لأنَّه تجاهل تضمين جميع الاتصالات التي أجراها مع الأجانب.
وتقول الكاتبة إنه ازداد القلق أيضاً بشأن اللامبالاة التي يتعامل بها البيت الأبيض في ظل إدارة ترامب مع المواد الحساسة، الأسبوع الماضي، والتي أدت إلى استقالة روب بورتر، سكرتير شؤون موظفي البيت الأبيض، بسبب مزاعم أفادت بأنَّه أساء معاملة زوجتيه السابقتين.
واتضح أنَّ بورتر، الذي كان معنياً بالتحكم في تدفق الوثائق إلى الرئيس، كان يحمل تصريحاً أمنياً مؤقتاً، وأنَّ مكتب التحقيقات الفيدرالي قد حذَّر كبار مسؤولي البيت الأبيض من وجود أدلة على ارتكابه جريمة عنف.
وبالنظر إلى خلفية ترامب (الإفلاس المتتالي لأعماله، وعدد الدعاوى القضائية التي رفعها والتي قدمت ضده، والادعاءات الموثوقة بأنَّه أساء معاملة النساء)، فمن الصعب أن نتصور أنَّه يحمل تصريحاً أمنياً نظيفاً لو لم يكن رئيساً، لكنَّه كذلك. وكل وظيفة تأتي بمسؤولياتها.