شنَّت الناشطة اليمنية توكل كرمان، الحائزة جائزة نوبل للسلام، الأربعاء 7 فبراير/شباط 2018، هجوماً حاداً على السعودية والإمارات، كما دعت إلى إنهاء ما وصفته باحتلال عسكري من قِبل أبوظبي والرياض لبلادها.
واتهمت كرمان، التي حصلت على جاهزة نوبل عام 2011 بعدما اعتصمت في خيمةٍ عدة شهور خلال احتجاجات مؤيدة للديمقراطية، أفضت في النهاية إلى تنحي الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، البلدين بقمع التحول الديمقراطي في المنطقة.
ومثلما حدث ببلدان أخرى هزتها ثورات الربيع العربي في ذلك العام ومنها سوريا وليبيا، انزلق اليمن إلى حرب شهدت تدخُّل قوى خارجية لتهدد أحلام التقدم التي راودت آلاف المحتجين الذين اعتصموا بساحة التغيير في صنعاء.
ودخل تحالف عسكري، بقيادة السعودية، تدعمه الولايات المتحدة بالسلاح والمخابرات، إلى أتون الصراع اليمني بعدما سيطرت جماعة الحوثي، المتحالفة مع إيران، على معظم أراضي اليمن في أواخر عام 2014، ونجاحها بالنهاية في طرد الحكومة إلى المنفى بالسعودية.
وقالت كرمان في مقابلة عبر الهاتف مع وكالة رويترز: "الاحتلال السعودي-الإماراتي لليمن واضح للعيان.. لقد غدروا باليمنيين وخانوهم واستغلوا انقلاب ميليشيا الحوثي، المدعومة من إيران، على الشرعية، ليمارسوا احتلالاً بشعاً ونفوذاً أعظم".
وأضافت كرمان: "اتضح أن التحالف يكذب ويمارس الخداع، ويعمل على تنفيذ أجندة خاصة به لا علاقة لها بقرارات مجلس الأمن؛ بل تتعارض معها".
"هادي رهن الإقامة الجبرية"
وزعمت كرمان أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ومسؤولين آخرين كباراً، محتجزون رهن "الإقامة الجبرية" بالرياض، وأنهم ممنوعون من ممارسة مهامهم في الحكم؛ من أجل الحفاظ على النفوذ السعودي والإماراتي.
وقالت الناشطة اليمنية: "هناك عدوان آخر تقوم به الإمارات في اليمن، هل تريدون معرفته؟ حسناً، لقد قامت الإمارات ببناء سجون خاصة تمارس فيها التعذيب والتنكيل بمعارضيها. الإمارات إلى جانب ذلك، تحتل الجزر والموانئ والمطارات في المناطق المحررة وترفض تسليمها لسلطة الرئيس هادي".
ولم يردَّ مسؤولون من التحالف العربي ومن الإمارات على طلبات للتعليق.
الحكومة اليمنية تنفي مزاعم كرمان
ورفض مسؤول بالحكومة اليمنية مزاعم كرمان، قائلاً: "هذه السيدة -وللأسف- لم تعد تعي ما تقوله. الرئيس هادي ليس قيد الإقامة الجبرية وبوسعه السفر إلى حيث شاء… ويوجد تنسيق كامل بين الحكومة والتحالف".
ويقول التحالف إنه شن الحملة بناء على طلب هادي، وإنه يهدف إلى إعادته إلى الحكم والحفاظ على مستقبل اليمن كبلد موحد، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.
لكنّ كرمان تقول إن السعودية والإمارات تسعيان للوقوف أمام حركة التاريخ بشأن التقدم السياسي في اليمن وغيره.
وقالت: "هم (السعوديون والإماراتيون) يعتبرون الربيع العربي عدوَّهم الأول، وهذا خطأ استراتيجي يقعون فيه… لذا ادعوا الدولتين إلى أن تتصالحا مع الربيع العربي.. لا أن تتصادما معه؛ لأن المستقبل هو مستقبل التغيير، وعجلة التاريخ لا تعود للوراء".
وأضافت: "سيرحلون ويبقى اليمن.. سنحرر بلدنا منهم جميعاً.. من الاحتلال السعودي-الإماراتي ومن الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانياً معاً.. وسنقيم دولة الحرية والعدالة والديمقراطية والقانون.. هذا قدرنا ووعدنا وميعادنا".
ثورة مضادة
ولم يسمح البلدان بمعارضة داخلية تُذكر، وقد راقبا بقلقٍ اضطرابات المنطقة عام 2011، وسعيا لحرمان جماعة الإخوان المسلمين، التي لها أفرع في أنحاء العالم العربي، من أي مزايا سياسية، وأعلناها منظمة إرهابية.
وكانت كرمان مسؤولة كبيرة في حزب الإصلاح، الذي يعتبر فرع الإخوان باليمن، إلى أن انفصلت علناً عن التحالف في خطاب يوم الجمعة، أدى إلى تجميد عضويتها.
وتساءلت كرمان قائلةً: "من يجمد من؟ الغالبية الساحقة من شعبنا يوافقونني الرأي".
وقالت كرمان: "مشكلة السعودية والإمارات ليست مع الإسلام السياسي فقط؛ بل مع مطالب التغيير وكل من يحملها، سواء كانوا من الإسلام السياسي أو التيارات القومية أو الليبراليين أو حتى المستقلين… مشكلتهم مع المطالبين بالمساواة ودولة الحرية والعدالة والديمقراطية".
ومن المفارقة أن حزب الإصلاح اليمني هو الحليف الرئيسي للتحالف الذي تقوده السعودية في الحرب ضد جماعة الحوثي، التي كشفت عن بعض أصعب صراعات المنطقة في مجال التوجهات الفكرية والجغرافيا السياسية.
وقالت كرمان: "موقفهم من قطر وتركيا ومحاربتهم إياهما امتداد لموقفهم المعادي للربيع العربي.. طبعاً هم يعاقبون قطر بالذات لهذا الموقف".
وقد تكون الأوضاع في الداخل أشد التباساً من الصراع بالخارج، في ظل اشتباكات دموية وقعت مؤخراً أدت إلى انقسامات في صفوف الحلفاء اليمنيين المنضوين تحت لواء التحالف بقيادة السعودية ضد جماعة الحوثي.
واتهمت كرمان، السعودية والإمارات بدعم فصائل انفصالية بالجنوب خاضت معارك في الشهر الجاري، ضد قوات موالية للرئيس هادي؛ من أجل إثارة الفوضى والحفاظ على نفوذ البلدين على الأرض.
ويردِّد قول كرمان كثيرٌ من اليمنيين، الذين يرون أن قوى أجنبية أقوى سيطرت على بلدهم لتحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية الخاصة.
ويقول التحالف إنه يتوسط لحل الخلاف بين قوات هادي والانفصاليين، ويؤكد أن قواعده العسكرية على الجزر والموانئ والمطارات في أنحاء البلاد تستهدف دعم جهود الحرب.
ورغم الانهيار الداخلي المتزايد في اليمن، فإن كرمان لا تزال مطمئنةً إلى "نصر حاسم على الثورة المضادة".
وقالت كرمان: "سيعاود الربيع الكَرَّة بأي بلد، وفي كل مرة يكون هناك دولة الاستبداد والفساد والفشل والمحسوبية والرشى، سيحدث ذلك بأي دولة من المحيط إلى الخليج".