سارع مكتب الرئيس الإيراني الأحد 4 فبراير/شباط 2018، بالدخول وسط واحدٍ من أكثر الجدالات إثارةً للجدل حول هوية الجمهورية الإسلامية، إذ نشر فجأةً تقريراً يعود لثلاثة أعوامٍ مضت يُظهِر أنَّ نصف الإيرانيين تقريباً يريدون إنهاء إلزام النساء بتغطية رؤوسهن في العلن.
يأتي نشر التقرير تزامناً مع احتجاج عشراتٍ من النساء في الأسابيع الأخيرة علناً ضد إجبارهن على ارتداء الحجاب، الذي يُعَد رمزاً للثورة الإيرانية بقدر ما يُعَد متطلباً دينيا.
ويبدو أنَّ قرار نشر التقرير -الذي وجد أنَّ 49.8 بالمئة من الإيرانيين، من النساء والرجال، يعتبرون الحجاب الإسلامي شأناً خاصاً ويعتقدون أنَّه لا يجب أن يكون للحكومة شأن به- سيضع الرئيس حسن روحاني في صدامٍ مباشر مع القضاء الإيراني المتشدّد، الذي قال الجمعة 2 فبراير/شباط 2018، إنَّ 29 شخصاً قد احتُجزوا على صلةٍ بالاحتجاجات. وقد وصفوا الاحتجاجات بـ"الطفولية"، مُصرِّين أنَّ الأغلبية العظمى من الإيرانيين تدعم الحجاب الإسلامي، ودعوا لاتخاذ إجراءاتٍ أكثر صرامة ضد أولئك المحتجين على الحجاب، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
روحاني يتحدى المتشددين
المدهش بقدر نتائج التقرير هوَ توقيت نشره. فالدراسة تعود لعام 2014، ونشره الآن يشير إلى أنَّ الرئيس رأى في ذلك فرصةً سانحة لتحدي المتشددين، ممَّن يمتلكون سطلة مطلقة، في مسألةٍ ذات أهميةٍ رمزية كتلك.
وقال المراقبون إنَّ نشر التقرير، من قِبل أحد مستشاري روحاني المُقرَّبين، كان على الأرجح قراراً سياسياً محسوباً اتخذه الرئيس، وهو رجل دين إسلامي، لتعزيز الدعم لصالح إصلاحاتٍ اجتماعية، وليعطي إشارة للسلطات بأن تخفف من حدة ردّها على احتجاجات الحجاب.
وقال فاضل معبودي، وهو رجل دين إصلاحي من مدينة قم: "تريد الحكومة أن تُظهِر أنَّ أية حملة ضد الحجاب هيَ غير قانونية وغير ديمقراطية. وعلى أية حال، فإنَّ القمع والعقوبات ليست جزءاً من الإسلام".
يريد أن يكون محبوباً
وكان روحاني، وهوَ معتدل التوجُّه بالمقارنة مع المتشددين، قد افتخر قبل عشرات السنوات بكونه المسؤول عن تقديم قانون الحجاب الإجباري. لكن منذ انتخابه رئيساً في عام 2013، ومروراً بإعادة انتخابه العام الفائت، دعا روحاني لحصول الإيرانيين على مزيدٍ من الحريات.
وقال فرشاد قربانبور، وهو محلل سياسي مقرَّب من الحكومة: "يريد الرئيس أن يكون محبوباً، ويعلم فريقه أنَّ عدداً متزايداً من النساء لا يعجبهن قانون اللباس الإسلامي. فهم يريدون التودد للنساء والتأكُّد أنَّ شعبية الرئيس لن تنحدر أكثر من ذلك".
ويترأس مستشار روحاني الذي نشر التقرير، حسام الدين آشنا، مركز الدراسات الاستراتيجية، وهوَ مجموعة بحثية حكومية أجرت في عام 2014 استطلاعاً للرأي في مختلف أنحاء البلاد بشأن الحجاب الإجباري.
وقالت إحدى النساء ممَّن احتججن في الشارع الأسبوع الفائت بخلع حجابهن، والتي طلبت الإبقاء على هويتها مجهولة خشية تعرضها للاعتقال، إنَّ التقرير كان مفيداً، لكن ليس بالمقدار الكافي. وقالت السيدة البالغة من العمر 28 عاماً إنَّ النساء يطالبن بحريتهن كاملة، مضيفةً أنَّ التقرير أوضح أنَّ الكثيرين يتفقون وهذا الرأي.
في الأسبوع الماضي، قامت عشرات النساء بنفس الحركة الرمزية وشاركن أفعالهن عبر الشبكات الاجتماعية: خلع الحجاب علناً والتلويح به على عصا. وهُن بذلك يقلدن امرأة شابة صعدت على صندوق كهرباء يوم 27 ديسمبر/كانون الأول وخلعت حجابها وجرى اعتقالها نتيجةً لذلك. ويقول النشطاء إنَّها قد أُطلِق سراحها لاحقاً، لكنَّها لم تعاود الظهور علناً بعد.
وعلى صغر المشاركين في الاحتجاجات، تظل مهمة باعتبارها إشارة علنية نادرة تشير إلى أنَّ الاستياء من بعض القوانين الإسلامية التي تحكم التصرفات الشخصية ربما وصل إلى نقطة تحولٍ في إيران.
كيف بدأت الاحتجاجات؟
وأُقيم أول احتجاج في ديسمبر/كانون الأول يوم الأربعاء، وبدا أنَّه مرتبطٌ بحملة الأربعاء الأبيض، وهي مبادرة أطلقتها مسيح علي نجاد، وهي صحفية وناشطة إيرانية تعيش في المنفى بالولايات المتحدة. حاولت مسيح الوصول للنساء الإيرانيات عبر القنوات الفضائية الناطقة باللغة الفارسية، وعبر الشبكات الاجتماعية، وكذلك عبر موقعٍ إلكتروني تديره هي يُدعى "حريتي المسلوبة – My Stealthy Freedom". وعلى الموقع، تضع النساء صوراً لهن دون حجاب، مطالباتٍ بإنهاء قانون الحجاب الإجباري.
وينظر العقائديون الإيرانيون إلى غطاء الرأس الإسلامي، أو الحجاب، بصفته ركيزة من ركائز جمهورية إيران الإسلامية. وقد فُرِض قانون الحجاب منذ الثورة الإسلامية عام 1979، ويُعَد ارتداء الحجاب إلزامياً على كل امرأة في البلاد، حتى السياح وكبار الشخصيات الأجنبية.
ومع أنَّ النساء يخضعن لقوانين أوسع نطاقاً في قضايا مثل الطلاق والميراث، فإنَّ الحجاب هوَ رمزٌ أكثر وضوحاً للقوانين المفروضة من جانب قادة إيران الدينيين. وتُفرَض قوانين على الرجال أيضاً، إذ لا يُسمَح لهم بارتداء السراويل القصيرة في العلن.
تثير مثل تلك القيود استياء الكثير من الإيرانيين الآن وقد أصبحت البلاد أكثر علمانية شيئاً فشيئاً، ويخالف الإيرانيين تلك القوانين على نحوٍ متزايد.
واندلعت مؤخراً اضطراباتٌ في إيران على إثر مخاوفٍ اقتصادية، والتي أجَّجت بدورها الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي احتاجت البلاد أواخر العام الفائت.
وكانت المظاهرات التي استمرت أسبوعاً في أنحاء إيران، وتركَّزت في بلدات ومدن الطبقة العاملة ذات الطابع المحافظ دينياً فضلاً عن طهران، أكبر مظهر للاستياء في إيران منذ احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، التي تلت انتخابات الرئاسية المثيرة للجدل آنذاك.
ولم ينصبّ الغضب في الاحتجاجات فقط على روحاني، الذي فاز بإعادة الانتخاب متعهداً بتنشيط الاقتصاد، لكنَّها طالت أيضاً المرشد الأعلى للبلاد، آية الله علي خامنئي. وقد احتُجِز نحو 5 آلاف متظاهر وقُتل 25 شخصاً، وتقول عائلات الضحايا إنَّ بعضاً منهم قُتلوا على أيدي سجَّانيهم.