قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن المعارك التي اندلعت في مدينة عدن جنوب اليمن الأسبوع الماضي، بين قوات "المجلس الجنوبي الانتقالي"، والقوات التابعة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، كشفت عن هشاشة التحالف السعودي الإماراتي واختلاف الأجندة لدى البلدين، حيث يتزعمان العمليات العسكرية في اليمن منذ 3 سنوات ضد قوات الحوثيين.
وكانت مدن عدة قد اشتعلت بالمواجهات نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما اندلعت المعارك بين الجنوبيين وقوات هادي، واستولوا على أجزاء منها لفترة، وفقاً لوكالة
رويترز. وكان اللافت أن كلا الجانبين المتقاتلين ينتميان إلى نفس قيادة التحالف السعودي الإماراتي.
وانقضاء المهلة التي حددها الانفصاليين لهادي من أجل إقالة حكومته كانت سبب اندلاع الاشتباكات، إذ يتهم الانفصاليون الحكومة، التي يُديرها رئيس الوزراء أحمد عُبيد بن دغر يوماً بيوم بالفساد وسوء الإدارة.
"عداوات تاريخية"
وأشارت "واشنطن بوست" أن القتال الذي دار في عدن يكشف إلى أي مدى تلعب العداوات التاريخية دوراً مهماً في حرب اليمن، وقد تمثِّل هذه العداوات عقباتٍ خطيرة في وجه التفاوض نحو إنهاء النزاع، وفقاً لمحللين يمنيين وغربيين.
كما كشف تحرك الانفصاليين الميداني في جنوبي اليمن النقابَ عن التصدُّعات العميقة وتبدل الولاءات، في البلد الذي تعصف به الحرب.
وقالت الصحيفة الأميركية إن الانفصاليين الجنوبيين الذين شكلوا "المجلس الانتقالي الجنوبي"، سعوا منذ فترة إلى استعادة دولة "جنوب اليمن" التي كانت قائمة قبل توحيد اليمن عام 1990.
وقد كان الجنوبيون يشتكون من الحكومة المركزية في شمال اليمن، متهمين إياها بالفساد وتقويض حقوق الجنوب، وتوقع كثيرون منهم من حكومة هادي أن تُحسِّن أمور معيشتهم. لكنَّ هادي كافح، على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، من أجل فرض سلطته السياسية أو تحسين الأوضاع الاقتصادية.
وفسر محللون العنف الذي شهدته عدن بأنه أحد نتائج التوترات الماضية.
اختلاف في المواقف
وبعد يومٍ من حصار الانفصاليين الجنوبيين للقصر الرئاسي في عدن، أرسلت السعودية والإمارات مبعوثيها من أجل نزع فتيل العداوات والاتفاق على وقفٍ لإطلاق النار.
وبيّنت "واشنطن بوست" أن السعودية هي الداعم الرئيسي للقوات الموالية لهادي. والإمارات هي الداعم الرئيسي للانفصاليين، تُشرف على تدريبهم وتُنسِّق معهم عن كثب في قتالهم ضد الحوثيين والمتطرفين الإسلاميين.
أبريل لونغلي ألي، المختصة بالشأن اليمني في مجموعة الأزمات الدولية، إن "الحرب حطمت اليمن، فالحكومة الشرعية تقاتل الحوثيين المدعومين من إيران، ولكن ذلك لا ينبغي أن يحجب الواقع المحلي المعقد الذي يسهم كثيراً في إعاقة جهود السلام".
وأضافت أن السعودية والإمارات لديهما اختلافات في اليمن؛ "فالرياض تتقارب مع حزب الإصلاح اليمني الذي هو أحد أفرع الإخوان المسلمين، وهو حزب مؤثر على الساحة اليمنية، في وقت تعارض أبوظبي أي تعاون مع هذا الحزب".
ومن جانبه، رأى مدير برنامج الخليج في معهد واشنطن سايمون هندرسون، أن "التحالف السعودي الإماراتي كان يدفع برواية تتنافى مع الواقع". وأضاف "الواقع على ما يبدو هو أن الإمارات باتت ساخطةً من هادي، وترسم خططها الخاصة من أجل الجنوب".
هل ينتهي تحالف الرياض وأبو ظبي؟
تعتقد لونغلي أنه رغم حجم الخلافات الطاغية على وجهات نظر السعودية والإمارات في ما يجري باليمن، إلا أن انهيار تحالفهما "لم يحن وقته بعد"، مشيرةً أن كلا البلدين يسعيان إلى تنحية خلافاتهما جانباً، لحين القضاء على الحوثيين واستعادة حكومة هادي لسيطرتها.
وقال جيرالد فيرستين، السفير الأميركي السابق في اليمن، إن "القليل من العمل فقط تحقق من أجل استعادة الاستقرار في اليمن، وإن الناس باتوا يشعرون بالإحباط بشكل متزايد".
وأضاف أنه "وسط هذه الانقسامات التي يعاني منها اليمن هناك أسئلة يجب أن تطرح حول جدوى أو مصداقية حكومة هادي، كما أن المدى القريب لا يحمل أي أفق للحل في اليمن".
وتُعمق هذه الخلافات حجم المأساة في اليمن، واليأس من الوصول إلى سلام في بلد ينهكه الفقر والجوع اللذين يعاني منهما ملايين البشر، حتى أن منظمات إغاثية وصفت ما يجري هناك بأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
وأول أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية أول أمس عن مصادر وصفتها بـ"المقربة من الانفصاليين وواشنطن"، أن التحالف قد يكون شعر بخيبة أمل متزايدة حيال هادي، الذي لم يتمكن من بسط سلطة حكومته على الجنوب.
ورأى الباحث في معهد "شاتهام هاوس" فارع المسلمي، أنه "قد يكون كلاماً يصعب تصديقه إذا قلنا إن هذه نهاية حكومة هادي (…)، لكنني أعتقد أنه يمكن القول إن هذه نهاية اليمن الموحد".
وأضاف: "لا يعني ذلك بالضرورة بدء قيام دولة اليمن الجنوبي، لكنها نهاية (…) شهر العسل السياسي غير المريح في الحرب اليمنية".
ويجسّد موقف الإمارات والسعودية من هادي أبرز محطات التقارب المنتهي، بحسب المحللين.
قلق من الإمارات
وبات سكان مدينة عدن يشعرون بالقلق من الوجود الإماراتي المتزايد، وقيل إنهم "يعتقدون أن أبوظبي تحاول الحصول على مكاسب اقتصادية من خلال السيطرة على موانئ اليمن، وخاصة عدن التي تقع إلى جانب أهم ممرات الشحن الرئيسية"، وفقاً لـ"واشنطن بوست".
واعتبر الصحفي اليمني حسن الجلال، أن الإمارات لديها طموحات في الجنوب خصوصاً في ميناء عدن، ومن هنا فإنها تدعم الحركة الجنوبية الانفصالية.
من جهته رأى الباحث السعودي هشام الغنام، أن "على حكومة اليمن المنفية أن تقدم استقالتها إذا كانت غير قادرة على إدارة المعركة مع الحوثيين، وعلى تقديم الخدمات الرئيسية للمواطنين".
وأضاف أن "حكومة هادي تلقت مليارات الدولارات من المساعدات من التحالف الذي تقوده السعودية، ولا أحد يعرف أين ذهبت هذه الأموال. التحالف اليوم بحاجة إلى مزيد من الضغط على الحكومة لتسليم المستحقات إلى الشعب".
وفي ما يخص الجنوبيين وآمالهم في الاستقلال، يقول الغنام إنَّ "عليهم الانتظار حتى تتضح الرؤية". ويُضيف إنَّ السعودية والإمارات، رغم اختلاف نهجيهما ظاهرياً في الجنوب، تتفقان على ضرورة تهدئة أي حركاتٍ ساعية إلى الانفصال.
ويتابع الغنام: "لا يمكنك بدء حربٍ أخرى في الجنوب. سيمثل هذا تناقضاً بالنسبة للتحالف العربي"، مضيفاً أنَّ اللجوء إلى العنف سيجعل القوات المؤيدة للانفصال "تخدِم أهداف الحوثيين بقصدٍ أو بدون قصد".
ويضم جنوب اليمن الفقير رغم غناه بالنفط سلسلة من الموانئ على امتداد خليج عدن والبحر الأحمر، ويشكل معقلاً لانفصاليين من خلفيات ومعتقدات متباينة.
فهناك تنظيمات إسلامية على غرار "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فضلاً عن جيش درب في الماضي، ويوالي قوى وطنية ودولية.
وتدخل على خط هذه الانقسامات الولاءات القبلية، التي لطالما هيمنت على محافظات اليمن، بما فيها عدن التي كانت حتى العام 1989 عاصمة دولة اليمن الجنوبي، ومركز الحكومة بعد العام 2014.
وكان الجنوب الذي اعتبر معقلاً للمجموعات الاشتراكية والماركسية-اللينينية مسرحاً لانقلاب يساري فاشل عام 1986، أسهم في إفساح الطريق أمام الوحدة عام 1990 في عهد صالح، الذي بقي في السلطة حتى 2012.
ومنذ ذلك الحين، عانى الجنوب من الإهمال والتهميش، وهو ما لم يتغير في عهد هادي، المنحدر أصلاً من جنوبي اليمن.