رفضت معظم مجموعات المعارضة السورية حضور مؤتمر السلام الذي ترعاه روسيا في منتجع سوتشي أمس، الثلاثاء 30 يناير/كانون الثاني. ورفض مَن حضروا منهم مغادرة المطار.
قال بعض الممثلين إنَّه لم تكن هناك فائدة من صياغة مقترحات؛ لأنَّ بيان المباحثات النهائي قد جرى التوافق عليه إلى حدٍّ كبير قبل بدء المباحثات. وبدلاً من ذلك، أحضر البعض حقائب فارغة لملئها بالبضائع الروسية وبيعها في بلادهم، وكان جدول الأعمال مُقسَّماً بالتساوي تقريباً بين المباحثات وتناول الوجبات، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ربما كانت تلك كوميديا سياسية، باستثناء أنَّ تقارير أفادت بمقتل 35 شخصاً في سوريا على الأقل منذ الأحد الماضي، 28 يناير/كانون الثاني، بينهم أم وثلاثة أطفال، في حملة القصف الجوي الحكومية المدعومة روسياً على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وفي الأسبوع السابق، قُتِل 8 أشخاص، بينهم طفلٌ صغير، حين ضربت قذيفة هاون من المعارضة دمشق القديمة.
مسرحية
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو مَن دعا إلى مباحثات سوتشي، وتمثَّل الهدف المعلن لها في كسر حالة الجمود الطويلة في المفاوضات من أجل إنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ 7 سنوات. ولم تُحرِز المباحثات الأخرى، التي ترعاها الأمم المتحدة، أي تقدمٍ باتجاه الانتقال السياسي التفاوضي الذي يتصورونه.
ولم تحقق جهود بوتين نجاحاً أفضل.
إذ قُوطِع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من جانب أحد المنتقدين للحملة الجوية الروسية، ووصف المنتقدون المؤتمر بأنَّه مسرحية لم تتظاهر حتى بأنَّها تُعزِّز الحوار.
فقال هشام مروة، مستشار للجنة تفاوضٍ تابعة للمعارضة رفضت حضور المؤتمر، إنَّه في ظل حضور 1500 ممثل بينهم عدد قليل فقط من معارضي الحكومة السورية، "من الواضح أنَّهم لا ينوون إجراء نقاشاتٍ جدية. يحاول الروس السيطرة علينا، وإن لم يكن ذلك بصورة مباشرة، سيحاولون العثور على طريقةٍ ما".
وقال محللون إنَّ هدف روسيا الحقيقي هو أخذ مكان الولايات المتحدة كأكثر القوى الدولية انخراطاً في القضية، فيما تعيد تشكيل العملية الدبلوماسية كي تتناسب مع الواقع السياسي والعسكري المتمثل في أنَّ معارضي الرئيس بشار الأسد قد أخفقوا في إزاحته.
تعيد حكومة الأسد، بمساعدة حاسمة من روسيا وإيران، تأكيد سيطرتها بحملةٍ عسكرية طاحنة، وتقاوم تقديم حتى أصغر التنازلات السياسية التي تقول روسيا إنَّها تحاول انتزاعها من الأسد.
لم يتوقع أحد أن ينتج عن سوتشي اتفاق سلام. بل كان يُفترَض من مؤتمر سوتشي أن يُوسِّع نطاق الأصوات السورية في المباحثات، وبالفعل اجتذب المؤتمر بعض المدنيين، والمعارضين غير العنيفين، ومجموعات المعارضة التي يُتسامَح معها رسمياً والموجودة في دمشق.
ولعل أكثر المفاوضات أهمية في سوتشي هي تلك التي كانت بين الأمم المتحدة وروسيا. إذ وافقت الأمم المتحدة على حضور مبعوثها إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، ومنح سوتشي ثقلاً إذا ما توقَّفت روسيا عن محاولة جعل سوتشي، وليس جنيف، هي مكان مباحثات إعادة كتابة الدستور السوري.
ويوم الثلاثاء، جرى التعامل مع المسألة بذكاء، وذلك باقتراح الممثلين في سوتشي قائمةً لأعضاء اللجنة لا يمكن الموافقة عليها إلا في جنيف. لكن إذا ما أعاد هذا الاتفاق توجيه تركيز جنيف على محادثات إعادة كتابة الدستور بدلاً من استبدال الحكومة، ستكون روسيا حينئذ قد سجَّلت نقطةً جديدة لصالح الأسد.
أظهرت الطريقة التي خرج بها سوتشي أيضاً كيف لا يزال التوصُّل إلى حوارٍ حقيقي وبنَّاء بين الأطراف السورية المتقاتلة أمراً بعيد المنال.
قال مشاركون إنَّ الممثلين الذين أُرسِلوا من دمشق تمت الموافقة عليهم من الأجهزة الأمنية، ومعظمهم موالون للنظام من الاتحادات والمجموعات الأخرى التي يسيطر عليها حزب البعث الحاكم.
وحتى المعارضين المُتسامَح معهم والمقيمين في دمشق –الذين سُمِح لهم بالذهاب كي يكونوا ثقلاً مُوازِناً للمعارضة المسلحة- قد حصلوا على أوامر صارمة من المسؤولين السوريين بشأن كيفية التصرُّف في المباحثات.
تعليمات بالخطوط الحمراء
فقبل يومين من المؤتمر، ملأ مئات الممثلين في المؤتمر –من الموالاة والمعارضة الموجودة في دمشق على حدٍ سواء- دار أوبرا دمشق، حيث منحهم أحد المسؤولين الأمنيين الكبار ووزير الخارجية السوري، وليد المعلم، التعليمات.
وقال أحد المشاركين إنَّ المسؤولين تحدَّثا كما لو كانا أستاذين يتحدثان لطلبة ومنحاهم دروساً في الوطنية السورية. ولم يلتزما تماماً بالخط الروسي.
فوفقاً لمشاركين، منح المسؤولان السوريان الممثلين خطوطاً حمراء: لا مباحثات بخصوص دستور جديد، بل فقط تعديل دستور 2012، (دعت الأمم المتحدة وروسيا وآخرون إلى كتابة دستور جديد)؛ ولا مباحثات بخصوص الجيش السوري أو الأجهزة الأمنية، (دعت مبادئ الأمم المتحدة إلى إدخال إصلاحاتٍ لجعل تلك المؤسسات ملتزمة بحقوق الإنسان وسيادة القانون)؛ والأهم، لا مباحثات بخصوص تغيير الرئيس.
وأوردت صحيفة الشرق الأوسط الدولية تفصيلاً إضافياً؛ إذ أُبلِغوا بعدم مصافحة شخصيات المعارضة القادمة من خارج سوريا.
وأظهرت لقطات من إحدى الرحلات المتجهة من دمشق إلى سوتشي –على متن طائرة تابعة لشركة أجنحة الشام التابعة لابن عم الأسد- صفوفاً من الممثلين المشاركين في سوتشي وهم يشاركون في أداء أغنية وطنية.
وبعد مداولاتٍ طويلة، قرَّر أعضاءٌ من المعارضة الموجودة في تركيا المشاركة. لكن عند وصولهم وجدوا أمامهم لافتاتٍ يُزيِّنها شعار المؤتمر الذي ظهر فيه العلم السوري الحالي فقط وليس العلم القديم الذي تبنّته المعارضة كرمزٍ للثورة.
فرفضوا الخروج من المطار.
ونشر وائل الحسيني، وهو مراقب للوضع السوري، على حسابه بتويتر صورة لتلك اللافتات، وعلَّق عليها قائلاً: "في هذه الأثناء في #سوتشي كيف تخبر المعارضين السوريين أن يخسروا دون إخبارهم أن يخسروا".
Meanwhile in #Sochi
How to tell the Syrian oppositions to get lost without telling them to get lost. pic.twitter.com/cvyn7EZRbb— Wael Al Hussaini (@WaelAlHussaini) January 27, 2018
وانتهى المطاف بالوفد، الذي كان يضم المقدم أحمد سعود، وهو ضابط منشق من الجيش السوري وقائد بالمعارضة التي كانت مدعومة في السابق من الولايات المتحدة، عالقاً في منطقة الوصول.
ونشر شخص يُدعى كريستيان تيرنر، وهو كندي يصف نفسه بأنَّه مؤيد للثورة السورية، على حسابه بتويتر صورة لوفد المعارضة والمقدم أحمد سعود أثناء وقوفه في المطار، وعلَّق قائلاً: "#سوتشي: قال المقدم أحمد سعود، من الجيش الحر بإدلب، إنَّ السلطات الروسية في المطار أساءت معاملة الوفد، حيث احتُجِز لساعاتٍ دون أي خدمة أو مكان للجلوس. سيعود معظم أعضاء الوفد إلى تركيا هذا الصباح".
#Sochi : Lt. Col. Ahmad al Saud of Idlib's FSA said the Opposition delegation was mistreated by #Russian authorities at the airport where he was detained for hours without any services or place to sit. Most delegation members will return to Turkey in the morning. pic.twitter.com/zJgRyRuMUH
— Christian Turner (@CombatChris1) January 30, 2018
وفي سوريا، اندلعت توترات عسكرية بين إيران وتركيا، وهما بلدان من رعاة مباحثات سوتشي. إذ قِيل إنَّ ميليشيات مدعومة إيرانياً قصفت رتلاً تركياً كان يعمل داخل سوريا بإذنٍ من روسيا.
وتواصلت الغارات الجوية من جانب الحكومة السورية وروسيا.
ووصف الناشط الإعلامي معاذ الشامي الطائرات التي تُحلِّق فوق بلدته، سراقب، حيث استُهدِف سوق ومشفى يوم الإثنين، 29 يناير/كانون الثاني، بأنَّها "حمام سوتشي الأبيض".
وقال في مقطع فيديو للدمار الناتج عن القصف: "روسيا تقول لنا: اقبلوا ببشار واقبلوا بسوتشي وإلا ستُدمَّرون".
كان من بين الممثلين في سوتشي معراج أورال، وهو قائد ميليشا سورية متهم بتحريض قوات موالية للنظام قتلت عشرات المدنيين، بينهم أطفال، في هجومٍ على مدينة بانياس وقرية البيضاء الساحلتين السوريتين في 2013.
ونشر ليفنت كمال، الصحفي التركي بوكالة أنباء الأناضول، صورة لمعراج أورال وكتب: "تستضيف روسيا رسمياً معراج أورال، جزار بانياس والريحانية، في مفاوضات سوتشي. تواصل روسيا تقديم الدعم للإرهابيين ضد تركيا".
Russia officially host Mihrac Ural, the butcher of Baniyas and Reyhanlı, in the Sochi negotiations. Russia continues to provide support to terrorists against Turkey. pic.twitter.com/ODfZQTh619
— Levent Kemal (@leventkemaI) January 30, 2018
وكان إلى أورال في الصورة قدري جميل، وهو أحد الممثلين البارزين بسوتشي وعضو أحد أحزاب المعارضة التي يتسامح النظام معها وعمل في حكومة الأسد من قبل.
وفي لحظة النقاش العام العفوية الوحيدة ربما في المؤتمر، قُوطِع وزير الخارجية الروسي لافروف بينما كان يدَّعي في خطابٍ له أنَّ "سوريا، بدعمٍ جوي من روسيا، نجحت في تدمير القوى الإرهابية".
فصاح رجل: "أوقفوا طائراتكم عن قصف الشعب السوري!". وبدا أنَّ الحراس الأمنيين تحدَّثوا معه بصرامة، فيما هتف آخرون من أجل روسيا.
ورد لافروف: "في روسيا، من الأدب أن تستئذن أولاً (قبل الحديث)".