مساء 31 يناير/كانون الثاني 2018، يشهد نصف سكان الأرض لحظةً مميزة جداً للقمر: "قمر أزرق دموي عملاق".
يصف هذا المصطلح، وفقاً لوكالة ناسا، 3 أحداث سماوية متزامنة: الأول هو "قمر عملاق"؛ إذ يكون القمر أقرب إلى الأرض في المدار ويظهر أكثر سطوعاً بنسبة 14% عن المعتاد، وثاني قمر كامل "بدر" يظهر هذا الشهر، والذي يُعرف أيضاً بـ"القمر الأزرق"؛ وأخيراً خسوفٌ قمري، حيث يبدو القمر بلون مُحمر أو دموي. نتيجة لذلك؛ يمكننا توقُّع أن تبدو السماء بصورةٍ غير معتادة بعض الشيء.
ولأنَّنا نعلم ما يمكن توقعه، فسيكون الخسوف القمري ممتعاً ومثيراً للفضول بدلاً من كونه مخيفاً. وسندرك أنَّ القمر الذي يبدو أحمر اللون ودموياً هو مجرد خداع بصري ومسألة فيزيائية، وليس غضباً من الإله تعبيراً عن سخطه من أفعال البشر، وفق ما ذكره موقع Quartz الأميركي.
ما قصة كولومبوس مع الخسوف؟
لكن، تخيَّل -إن لم يكن لديك علم- أنَّ الخسوف الكبير قادم وجاء إليك شخصٌ غريب يزعم أنَّه يتواصل مع الإله، ثُمَّ برهن على ذلك بتنبُّئه باختفائه من السماء.
هذا ما حدث عام 1504 ميلادياً، فيما يُعرف الآن بدولة جامايكا، حين قام المستكشف الإسباني الشهير كريستوفر كولومبوس بحيلة ستغيّر مستقبل العالم، كما يوضح العالم البريطاني دنكان ستيل في كتابه "Eclipse: The Celestial Phenomenon that Changed the Course of History" (الخسوف: الظاهرة السماوية التي غيرت مسار التاريخ).
فلولا هذا الخداع، فربما ما كان قد حدث استعمار الأميركيتين كما نعرفه الآن مع كل ما ترتب عليه، بما في ذلك المجازر التي ارتُكِبت في حق عدد لا يُحصى من السكان الأصليين.
وكان كولومبوس في رحلته الرابعة إلى الأميركيتين في يونيو/حزيران 1503، حينما واجه بعض المشكلات؛ إذ دمَّرت ديدان السفن اثنتين من سفنه الأربع، ليضطر إلى إرساء السفينتين المتبقيتين على جزيرةٍ بالبحر الكاريبي تسكنها شعوب الأراواك الأصلية. كان ذلك جيداً بعض الوقت، لكن بعد 6 أشهر من توفير الطعام للغرباء الذين رسوا على جزيرتهم، أصبح الأراواك منزعجين. وكان بحارة كولومبوس منزعجين أيضاً.
تمرَّد البحارة وذبحوا بعض مضيفيهم من الأراواك وسرقوا طعامهم. ونظراً إلى تدهور العلاقة بين الغرباء وسكان الجزيرة سريعاً، احتاج كولومبوس لفعل شيءٍ ما.
كيف خدع كولومبوس سكان الجزيرة؟
أدرك المستكشف أنَّه كان بحوزته بعض المعلومات التي كان الأراواك لا يعرفونها. كان يوهانس مولر فون كونيغسبرغ، عالِم الرياضيات والفلك الألماني في القرن الـ15 والذي يُعرف أيضاً بـ"ريغيومونتانوس"، قد نشر تقويماً يحتوي على جداول فلكية للأعوام من 1475 إلى 1506م.
كانت هذه الجداول ضرورية للبحارة، وكان كولومبوس -الذي كان قد ذهب في رحلات استكشافية قليلة حتى ذلك الحين- على دراية بمحتوياته، التي استخدمها ليحظى بإعجاب الأراواك.
وقبل 3 أيام من الخسوف القمري، الذي كان من المفترض أن يحدث في ليلة 29 فبراير/شباط، عقد كولومبوس اجتماعاً مع زعيم الأراواك. قال كولومبوس للأراواك إنَّ إلهه كان غاضباً؛ لأنَّ السكان لم يعودوا يقدمون الكسافا والأسماك لزوارهم، وإنَّ الدليل على غضب الإله سيظهر في غضون 3 أيام، حينما سيختفي القمر من السماء ويتحول إلى اللون الأحمر غضباً.
لا يعلم أحد ماذا اعتقد زعيم الأراواك بشأن هذا التهديد عندما قيل له. لكن بعد 3 أيام، حينما اختفى القمر ثُمَّ بدا كأنَّه ينزف دماً مثلما قال زائرهم، كان الجميع مقتنعاً بأنَّ كولومبوس كان يمتلك قدرات تواصلية قوية للغاية.
وروى فرديناند، ابن كولومبوس، أنَّ "الأراواك هرولوا من كل اتجاهٍ إلى السفن مُحمَّلين بالمؤن ويتضرعون إلى كولومبوس ليتوسط لهم عند إلهه بالنيابة عنهم".
تظاهر كولومبوس بأنَّه يتعامل مع هذه الطلبات بجدية، ثُمَّ جلس بمفرده وانتظر مراحل الخسوف حتى يعود القمر مرةً أخرى، متبعاً التقويم. وحينما كان الجرم السماوي على وشك الخروج من ظلال الأرض وفقاً للحسابات الفلكية، خرج كولومبوس وقال إنَّه تفاوض من أجل السلام، وإنَّ إلهه سيرضى عنهم إذا استمر الأراواك في إطعام الغرباء.
بدا ذلك كصفقة رابحة بالنظر إلى القوة التي بدا أن كولومبوس يملكها؛ ومن ثم وافق الأراواك عليها. ساعد الأراواك في بقاء البحارة الإسبان على قيد الحياة حتى وصلت إمدادات الإغاثة من جزيرة هيسبانيولا في يوليو/تموز. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، اتجه البحارة عائدين إلى إسبانيا، وبدأ غزو المستعمرات الأميركية بشكلٍ جديٍ بعد فترةٍ وجيزة.
لا يزال الجزم في مسألة إن كان غزو الأميركيتين سيتم أم لا -في حال لم يغادر كولومبوس وطاقمه الجزيرة- غير ممكن. لكن من الواضح أنَّه لولا حيلة الخسوف تلك التي نفذها كولومبوس، كان سيبدو أقل إثارةً للإعجاب في نظر الجميع؛ الأوروبيون والأراواك على حدٍ سواء.