شرعت إليزابيث ريفول في الهبوط إلى أسفل الجبل لطلب المساعدة على هاتفها المتصل بالأقمار الاصطناعية، على الرغم من معاناتها البرد القارس وإصابتهما بالعمى الثلجي، بعد التأكد من تأمين شريكها داخل خيمتهما الوحيدة، وفق ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
ولكن حتى لو تمكنت المرأة الفرنسية من الاتصال بشخص ما، فمن ذا الذي سيكون قادراً على تقديم المساعدة قبل أن يستسلم المتسلقان للظروف القاسية في واحدة من أكثر الأماكن قساوة على وجه الأرض؟
انطلقت ريفول بصحبة المتسلق البولندي توماش ماكايفيتش، في رحلة تسلُّق على ارتفاع أكثر من 24.000 قدم فوق قمة جبل نانكا بربت، تاسع أعلى جبل في العالم، يوم الخميس 25 يناير/كانون الثاني 2018.
وقد قام ماكايفيتش بمحاولة تسلُّق تلك القمة 6 مرات في السنوات الست الماضية، إلا أنه لم يحقق بعدُ، الهدف المرجو في كل مرة. وانضمت ريفول إليه ابتداءً من عام 2014.
تسببت قمة نانكا بربت في مقتل العديد من المتسلقين الأوروبيين منذ أن اكتشفها الغرب في أواخر القرن التاسع عشر. ويطلق السكان المحليون في شمال باكستان على القمة اسم "ديامير"، وهو ما يعني "الجبل الضخم". ولكن مجتمع مُتسلقي الجبال يطلقون عليه اسماً آخر وهو: الجبل القاتل.
بعد 6 أشهر من وفاة اثنين من المتسلقين بانهيار جليدي في أثناء محاولتهما تسلُّق جبل نانكا بربت، سعى ماكايفيتش وريفول إلى أن يُصبحا الفريق الثاني على الإطلاق الذي استطاع الوصول إلى قمته في فصل الشتاء. وبدآ في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول 2017، وفقاً لصفحة ماكايفيتش على الفيسبوك.
وبحلول يوم الخميس، أوشكا على الوصول إلى قمته.
وقال المنظمون، في حملة للتمويل الجماهيري لدعم رحلة التسلق الأخيرة: "يأمل توماش أن يكمل أخيراً تسلُّقه في فصل الشتاء، والذي قد يصل إلى 8.126 متراً (قمة جبل نانكا بربت). فقد زاد حجم المشروع مع مرور كل عام، إلى أن أصبح مشروعاً رئيسياً وهاجساً صحياً، وازدادت الحماسة تجاهه نتيجة لعناد توماش".
ولكن محاولته السابعة ستفشل أيضاً؛ إذ أدرك ماكايفيتش، وشريكته أنه يعاني قضمة الصقيع والعمى الثلجي، في يوم الخميس. وعلى الرغم من أن تلك الحالات المَرضية منتشرة بين متسلقي الجبال، فإنها أعاقت قدرته على التحرك وجعلته أكثر عرضة للإصابة بدوار المرتفعات.
ولذلك، قامت ريفول بالتأكد من أنه في وضع آمن وتسلَّقت الجبل هبوطاً بمفردها، في محاولة للوصول عن طريق الهاتف إلى أي شخص قد يمكنه المساعدة. وفي حين أن بطارية هاتفها كانت قد أوشكت على النفاد، فإنها استطاعت أخيراً الاتصال.
وبعد ذلك بقليل، بدأت صديقتها ماشا غوردون، وهي مديرة تنفيذية بريطانية من أصل روسي، بإطلاق حملة GoFundMe للتوعية -وجمع المال- من أجل جهود الإنقاذ:
"قامت المتسلقة الفرنسية المعروفة إليزابيث ريفول والمتسلق البولندي توماش ماكايفيتش، في تاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2018، بمحاولة تسلق شتائي جريء لقمة جبل نانكا بربت في باكستان. ولسوء الحظ، بينما كان في الطريق إلى القمة، أصيب توماش بالعمى الثلجي وعانى قضمة الصقيع. واحتاجا إلى مهمة إنقاذ لإنقاذ حياة توماش، الذي أصبح في حالة حرجة. وتقدر تكلفة الإنقاذ الأولية بمبلغ 50.000 دولار أميركي. يرجى مساعدة أقارب الاثنين لجمع الأموال المطلوبة. كل قرش وسنت سيساعد في تلك الحملة".
وذكرت صحيفة الـ"نيويورك تايمز" أن جهود الإنقاذ تأخرت فترة قصيرة؛ لأن الجيش الباكستانى رفض إقلاع الطائرة الهليكوبتر حتى تم ضمان أموال تشغيلها، وهي ممارسة شائعة لمثل هذه البعثات في الجبال الشمالية.
وبينما كانت السلطات والأصدقاء يحاولون توحيد الجهود المختلفة المتبعة لتنسيق عملية الإنقاذ، أصبحت صفحة GoFundMe، نوعاً ما، كشريط للأخبار، تعرض التحديثات بشأن جهود ريفول.
وجاء في التحديث الذي كُتب يوم الجمعة 26 يناير/كانون الثاني 2018: "تمكنت إيلى من جلب توماش إلى أسفل على ارتفاع 7.280 متراً هذا الصباح، ووضعته بخيمة لقضاء الليل، في حين تُستأنف جهود الإنقاذ في وقت مبكر من صباح الغد (السبت)". وجاء في تحديث آخر أيضاً: "على الرغم من أنها ليس لديها خيمة، فإنه أصبح واضحاً وجلياً أنها تُحرز تقدماً ملحوظاً في الهبوط؛ حتى تستطيع المساعدة في إحضار فرق الإنقاذ إلى هناك".
الأخبار اختلفت
وبعد يومٍ واحدٍ، اختلفت الأخبار تماماً. على الرغم من أن ريفول كانت صافية الذهن ومستمرة في هبوط الجبل، "فإنها أُصيبت في أصابع قدميها بقضمة الصقيع".
وقالت في رسالة من خلال هاتفها المتصل بالأقمار الاصطناعية، وفقاً لصفحة GoFundMe: "أنا بخير"، ولكني "عَطِشة جداً وجائعة أيضاً".
جاء الأمل من خلال "فريق من المتسلقين المحترفين" من بولندا؛ إذ ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أن مجموعة من 4 متسلقين كانت تحاول تنفيذ أول صعود شتوي للقمة القريبة من كي2 (K2). واتصلت السلطات بهم واتفقوا على الانضمام إلى جهود الإنقاذ.
ونقلت المروحيات العسكرية الباكستانية الرجال الأربعة من أحد الجبال العملاقة إلى جبلٍ آخر.
وبعد وقتٍ قصير، من إنزال المنقذين على الجبل، توقف هاتف ريفول المتصل بالأقمار الاصطناعية.
وكتبت غوردون: "لا تمتلك ريفول أي طاقة في بطارية هاتفها"، ولكنها أضافت: "نحن نؤمن بقوة عزيمتها".
يبحثون عنها كالعميان
وفي ذلك الوقت، أصبحت مهمة رجال الإنقاذ الأربعة العثور على ريفول، التي نفدت بطارية كل من جهاز التعقُّب اللاسلكي الخاص بها وهاتفها المتصل بالأقمار الاصطناعية. وكان رجال الإنقاذ يبحثون، بلا أدنى وسيلة مساعدة، وبطريقة عشوائية "يبحثون كالعميان".
وقد أنزلت المروحية المتسلقين الأربعة على بُعد نحو نصف ميل أسفل الموقع الأخير الذي أرسلت منه ريفول رسالة باستخدام جهاز التعقب. ظل اثنان من المتسلقين لإنشاء مخيم. في حين شرع الآخران -وهما دينيس أوروبكو وآدم بيليكي- في تسلُّق خطير عبر الليل نحو آخر موقع مسجل لوجود ريفول.
وفي وقتٍ مبكرٍ من يوم الأحد، أعلنت صفحة الفيسبوك نجاح الفريق: "عُثر على إليزابيث ريفول! لقد عثرا عليها، آدم ودينيس، للتو".
إلا أن مشاعر الفرح والإثارة تلاشت بعد القرار المؤلم الذي أعقب ذلك؛ إذ أخذ الطقس منعطفاً نحو الأسوأ، وبلغت برودة الرياح 80 درجة تحت الصفر، في حين بلغت سرعتها 50 ميلاً في الساعة. وبذلك، سيكون من المستحيل على ماكايفيتش التسلُّق.
وقال فريق التسلق البولندي على صفحته بموقع فيسبوك، إن "إنقاذ توماش -لسوء الحظ- ليس ممكناً؛ بسبب الطقس السيئ والارتفاع الذي سيعرّض حياة رجال الإنقاذ لخطرٍ شديدٍ". وأضاف: "إنه قرار فظيع ومؤلم. نحن نشعر بحزنٍ عميقٍ لذلك. مشاعرنا وتعاطفنا مع عائلة توماش وأصدقائه".
وذكرت وكالة أنباء أسوشييتد برس أن رجال الإنقاذ نزلوا من على الجبل مع ريفول، وتم نقلهم بواسطة المروحية إلى مكان آمن. وقال الأطباء بمستشفى الشفاء الدولي في إسلام آباد، إن إصابتها لم تكن خطيرة، وإنها في حالة مستقرة الآن.
وفي النهاية، جمع أصدقاؤها ما يقرب من 125.000 دولار لجهود الإنقاذ. وقال المنظمون إنهم سيعملون على التأكد من أن القدر الأكبر من تلك الأموال سيذهب إلى زوجة ماكايفيتش وأطفاله الثلاثة.