وقف الرجال بملابسهم العسكرية، بعضهم يُغطي وجهه ويُمسك ببندقية، في بستان، مُعلنين بذلك أنَّهم قد ارتحلوا إلى منطقة المعركة شمالي سوريا للدفاع عن الشعب الكردي.
يتحدث أحدهم لكنةً فرنسية، وآخر لكنةً أميركية. وآخر هوَ مواطن صيني-بريطاني أكَّد فيما بعد وجوده بسوريا في مقابلةٍ صحفية عبر الهاتف، في قلب المعركة مع تركيا، بحسب ما ذكر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
يأتي الرجال الذين ظهروا في الفيديو، المنشور على موقع يوتيوب يوم الجمعة، 26 يناير/كانون الثاني، من خلفياتٍ تبدو متنوعة، لكنَّهم جميعاً يُعرِّفون أنفسهم بأسماء حربٍ كردية، تبنُّوها بعد أن تطوَّعوا بالانضمام إلى ميليشيا موجودة في إحدى أخطر مناطق الحرب بالعالم.
هؤلاء جاءوا بين عشراتٍ من المقاتلين حول العالم ممَّن انضموا إلى وحدات حماية الشعب الكردي، والمعروفة باختصار اسمها الكردي YPG، ليحملوا سلاحاً في القتال الدائر بسوريا.
يقول هؤلاء إنَّهم أتوا لمساعدة الأكراد، وهم مجموعة لطالما هُمِّشَت، ولا دولةٌ خاصة بهم، لكنهم فرضوا سيطرتهم على مناطق من سوريا على مدار النزاع السوري.
وبينما كان الأكراد في سوريا شركاء للولايات المتحدة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، باستعادتهم قُرى ومدناً مِن تحت سيطرة الجماعة المتطرفة، فإنَّهم الآن يواجهون منحنى جديداً في الأحداث في أحدث فصلٍ مُعقَّد من النزاع. تقول تركيا إنَّ الأكراد المسيطرين على منطقة عفرين، في محافطة إدلب شمالي سوريا، هُم خطرٌ إرهابي، ومؤخراً، شنَّ الأتراك هجوماً على المنطقة لطردهم.
والآن، يتعهَّد بعض هؤلاء ممَّن حاربوا جنباً إلى جنب مع الأكراد بقتال تركيا. وبالنسبة للغربيين، فإنَّ دعمهم الشخصي لرؤية المجموعة جاء متسقاً مع مصالح التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لأغلب وقت الحرب.
إذ وفَّرت الولايات المتحدة تدريباً ودعماً مادياً لقوات سوريا الديمقراطية – وأغلبها من المقاتلين الأكراد – في حملتهم ضد داعش. لكن تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب منظمة إرهابية؛ نظراً لوجود صلاتٍ تربط بين عديدٍ من قادتها وحزب العمال الكردستاني، المعروف أيضاً باسم PKK، ما يضع بدوره المقاتلين الأجانب في مواجهة مباشرة مع دولة حليفة وعضوة بحلف شمال الأطلسي "الناتو".
إليك ما يجب عليك معرفته بشأن الأجانب المقاتلين في صفوف وحدات حماية الشعب وما يفعلونه في سوريا.
كيف ينضم الأجانب إلى الميليشيا؟
على مدار الحرب السورية أتاحت الميليشيات الكردية الوصول إليها من قبل الغربيين مُريدي الانضمام للقتال، مرحبةً بهم إلى سوريا ومُدرِّبة إياهم.
ولأعضاء الميليشيا وجودٌ نشط عبر شبكات التواصل الاجتماعي مُوجَّه إلى المُجنَّدين الدوليين، فهُم ينشرون تحديثاتٍ منتظمة، وغالباً ما تكون باللغة الإنكليزية، لا تركِّز فقط على الحرب بل على رؤيتهم لمجتمعٍ كردي مستقل يتمتَّع بالحكم الذاتي.
يُلقّبون حركتهم تلك بثورة "روج آفا"، وهو الاسم الذي أطلقه الأكراد على منطقةٍ بشمال شرقي سوريا التي يسيطرون عليها الآن.
وغرَّد حسابٌ باسم "وحدات حماية روج آفا" على موقع تويتر فيديو مرفق بالوصف التالي: "تسليم امرأة روسية أنقذتها وحدات حماية الشعب إلى المسؤولين الروس".
#Russian woman rescued by #YPG was handed over to Russian officialshttps://t.co/jWIy9kc1aI#TwitterKurds pic.twitter.com/TovEL5S7cx
— Rojava Defense Units | YPG (@DefenseUnits) December 26, 2017
ووفقاً لروايات المقاتلين الأجانب وذويهم، والموقع الإلكتروني الخاص بوحدات حماية الشعب، فإنَّ بإمكان المُجنَّدين التواصل مع مُمَثِّلٍ للحركة عبر الإنترنت، ثم الانتقال بالمحادثة لأحد تطبيقات المحادثة التي تستخدم نظام التشفير. وهُناك، يُدبِّر الطرفان للسفر إلى المنطقة، وغالباً ما يدخلون سوريا من خلال منطقة كردستان بالعراق.
وفي أغسطس/آب الماضي، أرسل المُجنِّدون رسالةً جماعية عبر تطبيق واتساب يحثون فيها "المتطوعين الأجانب ممَّن يريدون الانضمام لوحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية" على الوصول إلى كردستان العراق قبل نهاية الشهر. وانتهت الرسالة بتوقيع "مع التحيَّات الثورية".
ومع ذلك، فإنَّهم لا يتَّجهون مباشرةً لأرض المعركة. يقول نوري محمود، وهو متحدث باسم وحدات حماية الشعب ومقيم بمدينة عين عيسى شمال شرقي سوريا، إنَّ الأجانب لا ينضمون إلى الجنود الأكراد المحليين إلَّا بعد تلقّيهم تدريباً أيديولوجياً، وعسكرياً، ولغوياً. وقال: "يُدرَّبون على كيفية التأقلم مع المجتمعات هنا".
كَم مِن الأجانب لا يزالون مع الأكراد؟
ليس واضحاً ما العدد الفعلي للأجانب المقاتلين في صفوف وحدات حماية الشعب، وكذلك هؤلاء المنضمين إلى قوات سوريا الديمقراطية الأكبر. يقول محمود إنَّ هناك العشرات من الأجانب في وحدات حماية الشعب، لكن ليس بإمكانه تقديم تقديرٍ صحيح.
كذلك أيضاً كانت وزارة الخارجية الأميركية غامضةً عند سؤالها عن عدد الأميركيين الذين سافروا إلى سوريا للانضمام للميليشيات الكردية.
وقال متحدثٌ باسم وزارة الخارجية في رسالةٍ إلكترونية: "ليس مطلوباً من المواطنين الأميركيين أن يُسجِّلوا سفرهم إلى دولةٍ أجنبية، وبالتالي لا يمكننا تتبُّع عدد المواطنين الأميركيين ممَّن ذهبوا إلى دولةٍ بعينها. تُحذِّر الحكومة الأميركية المواطنين الأميركيين تحديداً من السفر إلى سوريا للاشتراك في النزاع المسلح هُناك".
لكن رغم المخاطر، يقوم البعض بتلك الرحلة منذ سنواتٍ. وقال بروسك هاساكا، وهو متحدثٌ باسم قوات سوريا الديمقراطية في عفرين، إنَّ هُناك 150 مقاتلاً أجنبياً في صفوفهم، وهذا يتضمَّن مقاتلو وحدات حماية الشعب.
وقال هاساكا: "لدينا أميركيون، وبريطانيون، ويابانيون، وحتى صينيون"، مضيفاً أن الكثيرين متحمسون للقتال في عفرين. وقال: "ليس الأمر إلزامياً عليهم، لكنَّهم يشعرون بأنَّ عليهم واجباً تجاهنا. هناك شيءٌ اسمه عدل وظلم".
لماذا اجتذبت معركة الأكراد الأجانب الغربيين؟
بالنسبة لكثير من الغربيين ممَّن انضموا إلى وحدات حماية الشعب، كانت الأيديولوجية اليسارية لثورة "روج آفا" جذَّابة. بتركيزها على حقوق المرأة، والديمقراطية، والحرية الدينية، وتتصوَّر القوَّات الكردية أنَّ بإمكانها تحقيق مستوى من الحكم الذاتي للأكراد في المنطقة. بينما يجادل نقَّادها بأنَّ مبادرتهم التي اتَّخذوها شمالي سوريا قد تُقصي أو تشرِّد المجتمعات العربية الإثنية.
ومع أنَّ كثيرين من الغربيين ممَّن انضموا إلى القتال ليسوا أكراداً في الأصل، لكنَّهم يشعرون بالولاء لوعد الدولة الكردية. وقالت عائلة وأصدقاء روبرت غرودت، وهوَ أميركي لقى حتفه أثناء قتاله في صفِّ وحدات حماية الشعب قرب الرقَّة في سوريا عام 2017، إنَّ ما دفعه للانضمام للقضية هوَ إيمانه القوى بمُثُل الأكراد اليسارية.
وقال رون كوبي، وهوَ صديق لغرودت والمحامي الممثِّل لعائلته، إنَّ غرودت قد وجد مغزى في انضمامه للمجموعة.
وقال كوبي في مقابلةٍ صحفية أُجرِيَت بعد موت جرودت بفترةٍ وجيزة: "شعر روب بضرورة أخلاقية لمحاربة الظلم ومحاربة القمع والعمل على بناء عالمٍ أفضل، وبالطبع قد اجتذبت ثورة روج آفا عدداً من الأشخاص. لم يكُن مُحباً للحلول العسكرية، كان الأمر قتالاً واضحاً بين الصواب والخطأ فقط".
قالت والدة وأخوات جرودت إنَّه آمن بسياسات الحركة وأراد المساعدة في بناء مجتمعٍ كردي. قال غرودت لعائلته في البدء إنَّه ينوي أن يكون مسعفاً وإنَّه لن يكون على خط الجبهة، لكنَّ ذلك سرعان ما تغيَّر. وفي مكالماته الهاتفية لموطنه، وصف غرودت "الأكاديمية" في سوريا حيث تلقَّى تدريباً عسكرياً. وسرعان ما وجد نفسه يقاتل داعش.
وبالنسبة لهؤلاء ممَّن نجوا من الحرب، فإنَّ مزيداً من النزاع ينتظرهم إذا ما عادوا إلى مواطنهم. ففي كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة، يواجه العائدون تدقيقاً محتملاً من جانب السلطات فيما يتعلَّق بالوقت الذي قضوه في سوريا، وقد يواجهون الملاحقة القضائية على إثره.
قال أحد الرجال والذي ظهر بمقطعي فيديو حديثين نشرتهما وحدات حماية الشعب، وعرَّفته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي على أنَّه مواطن بريطاني من أصل صيني يُدعى هوانغ لي، إنَّه مدركٌ للعواقب القضائية المحتملة التي تنتظره حين عودته إلى بريطانيا.
وأخبر لي بي بي سي: "أتمنى حقاً أن يكون باستطاعتي العودة، لكنِّي لا أريد أن أعود ويُلقى القبض عليّ. أنا هُنا لأقاتل الإرهابيين. لا أريد أن أعود لبلادي وأصبح إرهابياً".
وعندما جرى التواصل معه هاتفياً، أكَّد لي أنَّه قد وصل إلى عفرين، لكنَّه أفاد بأن ليس بإمكانه الإفصاح عن معلوماتٍ أكثر لأن المنطقة التي كان فيها قد قُصِفت مؤخراً.