منذ فترةٍ طويلةٍ ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان معجبٌ بشركة الإعلام العملاقة في العالم العربي، ومجموعة قنواتها التلفزيونية التي تُعد مطمعاً، التي توصل برامجها ذات الشعبية الكبيرة، مثل "أوبرا" و"عرب جوت تالنت"، إلى بيوت مئات الملايين.
حسب صحيفة The New York Times كان وليّ العهد قد بدأ مفاوضاتٍ لشرائها منذ سنتين، لكن المحادثات اتَّخذت منحىً غامضاً، في نوفمبر/تشرين الثاني: فقد استُدعيَ مالكو الشركة وأعضاء مجلس إدارتها إلى الرياض، واعتُقِلوا واتُّهِموا بالفساد، واحتُجِزوا في فندق ريتز كارلتون مع مئاتٍ آخرين من أغنى أغنياء المملكة وأوسعهم نفوذاً.
لكن الأمر اتخذ منحىً آخر يوم الجمعة، 26 يناير/كانون الثاني 2018، عندما أُطلِق سراح وليد الإبراهيم مالك الشركة من فندق ريتز كارلتون، بعد 83 يوماً من الاحتجاز، وفقاً لمذكرةٍ للطاقم العامل بمجموعة إم بي سي، اطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
مضى شهران ونصف الشهر منذ بداية ما سمَّته الحكومة السعودية حملةً لمكافحة الفساد، وتبدو هذه الحملة نقلةً باتجاه مرحلةٍ جديدةٍ. وقد أُفرِجَ عن أغلب المُحتَجَزين البالغ عددهم 350 شخصاً، إما بعد تبرئةٍ وإما تنازل عن بعض الممتلكات الكبيرة للحكومة. وصرَّحَ مسؤولون سعوديون أن وليّ العهد محمد بن سلمان قد ضيَّق الخناق على الباقين، مُهدِّداً إياهم بنقلهم إلى سجنٍ حقيقي ومحاكمتهم.
لكن السِّرية لا تزال تكتنف أبعاد الموضوع، بما في ذلك سبب اعتقال الإبراهيم وكبار المسؤولين الآخرين في مجموعة إم بي سي.
من غير الواضح أيضاً تفاصيل التسوية التي تمَّت مقابل إطلاق سراحه، بما في ذلك ما إذا كان قد تنازل عن شيءٍ من أصول إم بي سي أو من سلطة إدارتها.
يقول وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان إن حملة التطهير هذه من المفترض أن ترد 100 مليار دولار من المكاسب غير المشروعة إلى خزينة الدولة، وأن ترسل رسالةً مفادها أن الطرق الملتوية القديمة في إدارة الأعمال التجارية قد انقضى عهدها. وقد دشَّنَ وليُّ العهد هذه الحملة في إطار جهودٍ موسعةٍ لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن البترول، وإعلاءً لمبدأ الشفافية، وجذباً للاستثمارات الأجنبية.
مواجهة الفساد بنوعٍ آخر من الفساد
لكن آخرين يقولون إن الاعتماد على هذه العملية المُخصَّصة لذلك الغرض -التي احتُجِزَ فيها المتهمون في الفندق وحُرِموا من مقابلة محاميهم في إطار ممارسة الضغوط عليهم للتنازل عن بعض ممتلكاتهم لصالح الدولة- يمكن أن يُقوِّض كافة الإصلاحات التي يهدف الأمير لتحقيقها.
وقال أندرو بوين، الباحث الزائر بمعهد المشاريع الأميركي: "إن القول بأننا الآن نُخضِع النخبة السعودية للقانون يخالف الواقع، الذي يُقدِّم حلولاً تناسب ظروفهم، ليس من خلال عمليةٍ واضحةٍ، ولكن بصفقاتٍ مشبوهة، إن هذا يبدو كمواجهةٍ الفساد بنوعٍ آخرٍ من الفساد".
تشتبه مجموعة إم بي سي وكثيرٌ من السعوديين في الدوافع الحقيقية وراء هذه الحملة على الفساد، ويرون أنها رغبةٌ في تقليص عدد المنافسين، والحصول على مكاسب، وربما اغتنام ممتلكاتٍ بعينها، مثل مجموعة إم بي سي.
وأُنشِئت إم بي سي في لندن عام 1991، على يد الإبراهيم، الذي تزوَّجَت أخته الملك فهد، ورجل أعمالٍ آخر هو صالح كامل، الذي احتُجِزَ في فندق ريتز كارلتون أيضاً واتُّهم بالفساد.
وقد موَّل الملك الشركةَ في بدايتها، ولكنها نجحت نجاحاً باهراً بعدما نُقِلَت إلى دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2002، لتُدشِّن مجموعةً متنوعةً من قنوات الترفيه والرياضة، ولتجني أرباحاً طائلةً لمالكيها.
وابتعدت الشركة كلياً عن السياسة، بينما قدَّمَت أجندةً اجتماعية ليبرالية نسبية في أنحاء العالم العربي.
وبرز وليّ العهد محمد بن سلمان، 32 عاماً، على الساحةِ في 2015 عندما تولَّى والدُه الملك سلمان الحكمَ، وبدأ في منح ابنه سلطاتٍ واسعةٍ، ففي السنوات القليلة التالية سيطر بشكلٍ كبيرٍ على نفطِ المملكة، وملفات الدفاع والسياسات الاقتصادية. فيما أبعَدَ أعضاء العائلة المالكة الآخرين ليكون التالي في الوصول إلى العرش.
بن سلمان وشراء إم بي سي
وكان ممثلون عنه قد بدأوا مفاوضاتٍ مع الإبراهيم لشراء إم بي سي في 2015، ولكن المحادثات تعثرت بعد وقتٍ قصير، لأن الأمير كان مُصراً على أن يدفع أقل بكثير من المبلغ الذي قيَّمها به الإبراهيم، وهو ما يزيد على 3 مليارات دولار، بحسب شركاءٍ له في قيادة الشركة تحدثوا بذلك بشرط إخفاء هوياتهم خوفاً من غضب الأمير.
الخريف الماضي، استُعينَ بمحاسبين من شركة برايس وتر هاووس كوبرز البريطانية لفحص سجلات الشركة. ولاحقاً في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، استُدعي الإبراهيم إلى الرياض من دبي لعقد اجتماع كان يعتقد أنَّ الهدف منه هو إتمام الصفقة مع وليّ العهد محمد بن سلمان.
ولكن بعد وصوله إلى الرياض، ذكرت وسائل الإعلام السعودية وقوع الاعتقالات الأولى في حملة القمع.
في اليوم التالي، وصل إلى اجتماعه، ولكن بدلاً من لقاءِ وليّ العهد، أُلقِيَ القبض عليه ثم أُخذَ لاحقاً إلى فندق ريتز كارلتون. كما احتُجِزَ مساهمون آخرون في الشركة بالإضافة إلى معظم أعضاء مجلس إدارة الشركة، مما أثار المخاوف داخل الشركة أنَّه بدلاً من شراء شركة إم بي سي، فإنَّ الأمير وليّ العهد يُخطِّط الآن لأخذها دون مقابل.
ولم ترد الحكومة السعودية على طلب التعليق، بينما رفض ممثلو شركة إم بي سي وبي دبليو سي التعليق.
لكن صحيفة "فايننشال تايمز" نقلت عن أشخاص مطلعين – لم تذكر اسمهم -، أن المفاوضات جرت مع الإبراهيم للتخلي عن "إم بي سي".
ونقلت "فايننشال تايمز" عن شخص قالت إنه أحد المراقبين للشأن السعودي، أن بن سلمان يريد "إم بي سي" كي يتأكد من تغطية جيدة لخططه التي يعدها للمملكة، "حيث إنه عندما كان قبل أعوام بحاجة إلى دعم شعبي، فإنه كان مستعداً لشرائها، أما الآن وقد أصبح في السلطة فيمكنه السيطرة عليها".
الملك فهد ساعد الإبراهيم
استناداً إلى قوانين الخصوصية، لم تذكر الحكومة السعودية قط سبب احتجازها لإبراهيم، ولا إذا ما كان احتجازه مرتبطاً بشركة إم بي سي أو بممتلكاته الكبيرة الأخرى.
ساعدته علاقاته الوثيقة مع الملك فهد، الذي تُوفِّي في عام 2005، على أن يصبح واحداً من أبرز رجال الأعمال في السعودية، وأعطته ثروةً هائلة. وقد قضى العديد من مساعدي الملك فهد الآخرين وأبنائه، وخليفة الملك عبد الله وقتاً مُحتَجَزين في فندق ريتز كارلتون، مما دفع البعض إلى التكهُّن بأنَّ وليّ العهد يتوجَّه للتخلُّص من هؤلاء الذين مُنحوا السلطة خلال العصور السابقة.
وقال بوين من معهد المشاريع الأميركي: "إنَّ هذا يُعزِّز الصورة أنَّه على الرغم من الدفعة الأوسع نطاقاً لمحاربة الفساد، فإنَّ الحسابات الشخصية والمصالح بين القادة السعوديين قيد الاستهداف كذلك".
أُعلِنَ الإفراج عن الإبراهيم إلى موظفي شركة إم بي سي في رسالة بالبريد الإلكتروني في وقتٍ متأخر من يوم الجمعة، أرسلها سام بارنيت، وهو الرئيس التنفيذي للشركة.
وكتب بارنيت، مُستخدماً لقباً فخرياً لإبراهيم: "يسرني أن أعلن أن الشيخ وليد قد عاد للتو، وهو مع أفراد من أسرته في الرياض. الرجاء الانضمام إلينا جميعاً في التمني له ولأسرته أطيب تمنياتنا".
لكن الموظفين تركوا ليتساءلوا عما إذا كانت شركة إم بي سي لا تزال مملوكة لإبراهيم أو كيف سيُؤثِّر احتجازه على دوره.
ويمكن للشركة أن ينتهي بها الأمر مثل مجموعة بن لادن، التي عملت على مدار عقود كمقاول البناء المُفضَّل للعائلة الملكية. ولكن بعد أن احتُجز 5 من الإخوة الذين كانوا يقودون الشركة، أخذت الحكومة سيطرة فعالة على مجلس إدارتها وتقوم بنقل أسهم الأسرة إلى الحكومة، وذلك وفقاً لشخص على اطلاع على الاتفاق، الذي طلب عدم الكشف عن هويته.
يمكن لشركة إم بي سي أن ينتهي بها المطاف مثل قناة العربية، وهي قناة إخبارية فضائية باللغة العربية أطلقتها شركة إم بي سي في عام 2003. وفي عام 2014، استطاع الديوان الملكي السعودي فعلياً السيطرة على القناة، وذلك وفقاً لما ذكره معاونون في قيادة إم بي سي. ولكن حفاظاً على مظهر استقلال القناة، لم يُعلَن عن التغيير مطلقاً.