عندما بدأ إطلاق النار في مسجده بمدينة كيبيك الكندية، سيطرت غرائز أيمن دربالي الفطرية عليه. فقد حدَّق دربالي (41 عاماً) إلى مُطلِق النار، وأخذ يتحرَّك نحوه ببطء من بين الخمسين أو نحو ذلك من الأشخاص الذين كانوا يتحرَّكون عشوائياً بعد صلاة العشاء.
كانت خُطته بسيطة، يقول: "اعتقدت أنَّه إذا أطلق النار باتجاهي، فلن يُطلق رصاصته على أي شخصٍ آخر".
أطلق الرجل المسلَّح 7 طلقاتٍ نارية على دربالي قبل أن يعيد ملء بندقيته نصف الآلية. وبينما كان دربالي يفقد وعيه، لاحظ أنَّ خُطته قد نجحت؛ فعملية إلهائه اللحظية قد سمحت للعديد من المُصلين بالفرار من المسجد، وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ولاحقاً بعد شهرين، استيقظ دربالي في مستشفى بمدينة كيبيك الكندية، ولم يعلم إلا وقتها فقط أنَّ حصيلة الهجوم المُروِّع كانت وفاة 6 رجالٍ، جمعيهم آباء. وكان هو واحداً من بين 19 شخصاً أصيبوا في الهجوم.
وقد علم أيضاً أنَّه قد لا يُمكنه المشي أبداً، فقد تسبَّب الهجوم بشللِ الجزء الأسفل من جسده.
تمكَّن الأطباء من إزالة معظم الطَّلقات من جسده، بيد أنَّ اثنين منهم ظلَّا في حبله الشوكي.
وبعد فترةٍ وجيزة من الهجوم منذ عام، ألقت الشرطة القبض على طالبٍ جامعي له سجلٌ في مهاجمة الحركات النسائية على الإنترنت والاحتفاء بسياسات كلٍ من مارين لوبان في فرنسا ودونالد ترامب في أميركا. وقد أُدِين ألكسندر بيسونيت بست تهمٍ تتعلَّق بالقتل، و6 تهمٍ أخرى تتعلَّق بمحاولات الشروع في القتل.
هزَّ الهجوم الفظيع مدينةً لطالما صُنِّفَت من بين أكثر مدن البلاد أمناً. وقد كانت آنذاك موطناً لأكثر هجومٍ مُميت على مكانٍ للعبادة، وكان المجتمع الإسلامي المُتماسِك في المدينة في حالة ترنُّحٍ حينها.
في الأشهر اللاحقة، أُضِعف التدفُّق الأوَّلي للدعم بسلسلةٍ من الحوادث التي زادت من خلخلة المجتمع المصدوم؛ فقد تصاعدت انتقادات تخصيص مقبرة للمسلمين إلى إحراق سيارة مدير المسجد في الطريق الخاص بمنزله، فضلاً عن استهداف المسجد بتيارٍ مستمر من رسائل الكراهية، وتضاعف حوادث الكراهية التي تستهدف المسلمين في المدنية، من 21 حادثة عام 2016 إلى 42 حادثة عام 2017.
وقد اتُّهِمَ السياسيون المحليون بزرع الانقسام من خلال محاولةٍ لفرض أول عملية حظر للنقاب في أميركا الشمالية.
ورفض المسؤولون في وقتٍ لاحق مقترحاً باعتبار الذكرى السنوية الأولى للهجوم يوم ذكرى وحركة ضد ظاهرة الإسلاموفوبيا. وقال فيليب كويلارد، رئيس وزراء حكومة مقاطعة كيبيك: "نعتقد أنَّه من الأفضل التأكيد بشكلٍ جماعي التزامنا بالعمل ضد ظاهرة العنصرية والتمييز، بدلاً من الإشارة إلى أحد مظاهرها".
في مركز إعادة التأهيل الذي أصبح منزله الجديد، ركَّز دربالي على التعافي. وتمكَّن من استعادة بعض الحركة في ذراعيه وأصابعه، ومؤخراً بدأ في التحرُّك باستخدام كرسي مُتحرِّك.
وقال في مقابلةٍ أُجرِيَت معه: "أشعر بأنِّي محظوظٌ بالبقاء على قيد الحياة". وفي كل مرةٍ يزور فيها المسجد، يكون هناك أشياءٌ تذكِّره بالهجوم: فثقوب الطلقات لا تزال ظاهرةً على جدران المسجد في حين تظلُّ أحذية الرجال الستة الذين قُتِلوا في الهجوم على الرفوف خارج قاعة الصلاة.
وفي وقت الهجوم، كان دربالي يعمل أخصائياً في تكنولوجيا المعلومات وكان عائل الأسرة الوحيد.
ولا يزال دربالي لا يعرف متى سيسترد عافيته بما فيه الكفاية للعودة إلى منزله، حيث زوجته وأطفاله الثلاثة الصغار. وما يُعيق خروجه من المستشفى هو حقيقة أنَّ عائلته تعيش في شقةٍ في الطابق الرابع، وقد قال أطباؤه إنَّهم لا يُمكنهم السماح له بالعيش في منزلٍ ليس به مدخلٌ للكرسي المتحرِّك.
وحتى الآن، يستطيع دربالي زيارة منزله، ولكنَّ ذلك لساعاتٍ قليلة. ويقول: "أمضي كل الوقت في غرفة المعيشة، ولا يُمكنني الدخول إلى الحمام أو غرفة النوم".
وبعد أن أعرب أفراد المجتمع المحلي عن قلقهم من وضع دربالي، دشَّنت منظمةٌ غير ربحية في العاصمة الكندية تورونتو حملة تمويل لتوفير منزل مناسب للعائلة.
تقول أميرة الغوابي من منظمة "داوا نت": "إنَّه بطلٌ، وإنَّ جزءاً من الدافع وراء الحملة ليس مجرد مساعدته في إيجاد منزل مناسب، لكن أيضاً مساعدته في إيجاد منزل يجعله مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع الذي ضحَّى حرفياً بساقيه من أجله".
وقد جمعت الحملة من كندا وغيرها من الدول تبرعاتٍ وصلت إلى 294 ألف دولار كندي (239 ألف دولار أميركي) في طريق تحقيق هدف الحملة وهو جمع 400 ألف دولار كندي (325 ألف دولار أميركي).
ومن المأمول جمع المبلغ بالكامل بحلول 29 يناير/كانون الثاني 2018 – وهو التاريخ الذي يُكمِل فيه الهجوم عامه الأول. تضيف أميرة: "حتى يتسنى لهذه العائلة النظر إلى المستقبل، بدلاً من استعادة إحياء صدمة ما حدث".
وقال دربالي كان تدفق الدعم يُثلج الصدر. وأضاف: "لقد منحني التضامن أملاً أكثر، وهذا الشيء الأهم لعائلتي ولي، أن أكون قادراً على العودة إلى منزلي، ومواصلة حياةٍ طبيعية مع عائلتي".
وقال دربالي، الذي انتقل من تونس إلى كندا عام 2001 للدراسة في جامعة لافال، إنَّ ما حدث في مدينة كيبيك قد يحدث في أي مكانٍ آخر في العالم.
لكن، بالإشارة إلى العناية الطبية التي تلقاها والعديد من الأشخاص في أنحاء البلاد الذين ساعدوا عائلته، يُضيف دربالي قائلاً: "جعلني ذلك أكثر فخراً بكوني كندياً".
وبالسؤال – مع العلم بالعواقب – ما إذا كان قد يقوم بأشياءٍ مختلفة في ليلة الهجوم، كان ردّه سريعاً.
وقال: "لا أندم على ما فعلت إطلاقاً، وقد أقوم بالشيء ذاته في أي ظرفٍ آخر؛ سواء في متجر، أو مدرسة، أو في الشارع".
وقال إنَّ الخسائر كان من الممكن أن تكون أسوأ بكثير إذا لم يتبع غرائزه الفطرية: "بفضل هذا الاختيار، تمكَّن الكثير من الفرار".