تحمل مشاركة الولايات المتحدة الأميركية في منتدى دافوس الدولي المنعقد اليوم الجمعة 26 يناير/كانون الثاني 2018 مؤشرات كثيرة، لا سيما وأنه منذ عقود لم تشارك واشنطن في المناسبة العالمية، فضلاً عن أن المنتدى يشهد مشاركة من قبل الرئيس دونالد ترامب الذي لا تعجب سياساته دولاً بارزة في العالم.
وفي مقال لها نشرته بصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، الخميس 26 يناير/كانون الثاني 2018، تطرقت الكاتبة والمذيعة البريطانية ماري داجيفسكي، إلى مشاركة أميركا في منتدى دافوس، وفنّدت ما يُقال عن أن ترامب شارك لأن سلفه أوباما غاب عنه، عارضةً وقائع أوضحت فيها درجة التشابه بين سياسة الرئيسين على الصعيد الخارجي.
ويُعقَد منتدى هذا العام في دافوس تحت شعار "خلق مستقبل مشترك في عالمٍ متصدِّع"، لكنَّ تلك الفكرة لا تبدو متوافقة مع طبيعة تفكير ترامب هي الأخرى، لذا "لا عجب من أنَّ ترامب لم يوافق على الذهاب إلا في اللحظة الأخيرة، ثم قرَّرَ بعدها البقاء هناك لمدة 24 ساعة لا أكثر"، وفقاً لـ داجيفسكي.
وتتساءل الكاتبة هل اقتنع ترامب – كما يقول البعض – بحجة أنَّ سلفه أوباما كان دائم الازدراء لدافوس، نظراً لأنَّ ترامب يحب تقديم نفسه للعالم باعتباره مختلفاً عن أوباما؟، وتقول إن هذا قد يكون صحيحاً، وقد يكون خاطئاً؛ فيمكن للمنتدى الاقتصادي العالمي في بعض جوانبه (إن لم يكن في رحابة جبال الألب السويسرية) أن يكون مكاناً يشعر فيه دونالد ترامب بالانتماء.
وكان آخر رئيس أميركي ذهب إلى دافوس بيل كلينتون، وجاءت زيارته في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة حقاً من أرفع الدول مكانةً على مستوى العالم، وكان واحداً أنجح الدبلوماسيين في الوقت ذاته خلال السنوات الثلاثين الماضية، وفقاً لكاتبة المقال.
تشابه مفاجئ بالسياسات
واعتبرت الكاتبة أن الفكرة القائلة بأنَّ ترامب قرَّرَ الذهاب إلى دافوس جزئياً ليُميِّز سياسته عن سياسة أوباما جديرة بالتساؤل، مشيرةً أنه حتى لو كان ذلك أحد الأسباب وراء ذهابه، لا يزال هذا الادعاء غير مقنع تماماً، لأنَّ الحقيقة التي نادراً ما يعترف أحدٌ بها هو أنَّ هناك قدراً هائلاً من التشابه بين سياسته الخارجية، وسياسة باراك أوباما.
فإذا تجاهلنا الكلام المنمق، وشعار "أميركا أولاً" (الذي لم يعد رناناً بالقدر ذاته مؤخراً)، وتجاهلنا أيضاً هوس واشنطن بروسيا الذي شوَّشَ على أشياءٍ عدة أخرى غيره، "سنجد أنَّ ما تبقى هو قدرٌ كبيرٌ من التوافق بين الإدارتين على أولويات السياسة الخارجية العامة للولايات المتحدة في الوقت الحالي"، وفقاً للكاتبة داجيفسكي.
ويتجلى ذلك في بشكل واضح في اعتبار الصين المنافس الاستراتيجي الحقيقي الوحيد للولايات المتحدة في المستقبل غير البعيد، بشكلٍ يجعل من تعزيز التحالفات القائمة مع دولٍ أخرى في آسيا (بدايةً من أستراليا إلى اليابان، ومروراً بإندونيسيا وكوريا الجنوبية) أمراً بالغ الأهمية لإبقاء الممرات الملاحية مفتوحة، أو "احتواء" الصين بالأحرى.
وفي آسيا، ميَّزَ كلٌ من أوباما وترامب التهديد المُحتَمَل الذي تُمثِّله كوريا الشمالية. ومع أنَّ لغة خطابيهما والطريقة التي تناولا بها الأمر شديدة الاختلاف، فإنَّ سياستيهما الفعلية – أي تقليص التحرُّكات الأميركية التي يمكن اعتبارها عدوانية ومُسبِّبة للذعر في بيونغ يانغ – مع الحفاظ على إمكانية إجراء محادثات بين الدولتين، كانت مماثلة.
وتضيف الكاتبة داجيفسكي أنه قد يُنظَر إلى ترامب باعتباره أكثر تصالحيةً من أوباما في أفعاله إن لم يكن في أقواله، وتشير إلى انتهاء زيارة رئاسية قام بها ترامب للمنطقة المنزوعة السلاح، كما أنه عرض على وزير خارجيته ريكس تيلرسون إجراء محادثات دون شروطٍ مُسبَّقة، ولم يقتصر الأمر على تفويض بعض المسئولية الدبلوماسية للصين، لكنَّ الكوريتين صارتا تتواصلان بشكلٍ ما، إذ اتفقنا على تشكيل فريق أوليمبي مشترك للتنافس في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية.
"سياسة متشابهة بالشرق الأوسط"
وفي الشرق الأوسط وجنوب آسيا، بدأ أوباما مسيرته بطموحاتٍ عالية كما كان واضحاً في خطابه في القاهرة بعد تنصيبه مباشرة، في حين أنه لم يكن لترامب طموحات مماثلة، لكنَّ مساريهما أظهرا قدراً كبيراً من التشابه، فعلى غرار أوباما، يعتبر ترامب الإرهاب أكبر تهديد مُوجَّه للولايات المتحدة والمنطقة، وتعتمد الاتفاقات الأميركية الحالية، بدايةً من سوريا إلى أفغانستان ومروراً بالعراق، على ذلك.
وكان أبرز نجاحات أوباما يكمن في تعقُّب وقتل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن (مع أنَّه لم يتلق حينها الثناء الذي يستحقه فعلاً). لكنَّه، كترامب تماماً، كان غير مُتحمِّسٍ بشأن تورُّطه في حروبٍ خارجية، ومثل ترامب، فضل تبنِّي سياسةٍ غير تدخلية، ومثل ترامب، استدرجه مسؤولون رفيعو المستوى إلى إبقاء القوات الأميركية في أفغانستان، ومثل ترامب، كان يعتبر باكستان مشكلةً رئيسية؛ لكنَّه على عكسه، اختار ألا يفعل شيئاً حيال ذلك.
ويشير مقال الكاتبة داجيفسكي إلى أن أوباما تعرَّض لانتقادٍ واضحٍ وصريح بأنَّه كان ضعيفاً ومُتردِّداً في استخدام القوة الأميركية، وذلك بعدما حذر النظام في سوريا من تجاوز "الخط الأحمر" باستخدام الأسلحة الكيماوية، إلا أن الهجوم وقع ولم يتحرك أوباما عسكرياً.
وقد يرى البعض أنَّ ترامب "صحَّحَ" هذا الوضع بعدما أمر العام الماضي بشنِّ هجمةٍ صاروخية رداً على هجوم كيمياوي من الحكومة السورية، وبعد إصرار تيلرسون مؤخراً على أن تظل الولايات المتحدة متدخلة في الشؤون السورية.
"لا يمكن تجاهله"
واعتقدت الكاتبة البريطانية أنه بفضل بعض الإجراءات شديدة الانتقائية، خلف ترامب انطباعاً بقوة أميركا، وذلك مع أنَّ القوات الأميركية أقل انخراطاً في المنطقة مما كانت عليه خلال إدارة أوباما.
أضافت: "يمكننا قول شيء مماثل عن مباحثات السلام في الشرق الأوسط والعلاقات الأوروبية. فبينما كان أوباما خائب الآمال لأنَّ توقعاته كانت مرتفعة بشأن كلا المنطقتين، بدا ترامب غير مبالٍ في البداية، لذلك لم يخيب الكثير من الآمال".
وحتى حين بدا أنَّ ترامب يختلف اختلافاً كبيراً عن أوباما (بالنظر إلى أزمة إيران، والناتو، والتغير المناخي) فإنَّ التغييرات الحادة في السياسة لم تتجاوز حتى الآن الوعود. ويمكن القول أيضاً إنَّه حتى مع ضغط الكونغرس الذي يدعو إلى رد أكثر صرامةً على روسيا، تمكَّن ترامب من الحفاظ على العلاقات الأميركية الروسية على قدم المساواة من وراء الأستار.
وخلصت الكاتبة في مقالها، إلى أن "ترامب حذا حذو سياسة أوباما الخارجية في جوانب كثيرة بمزيدٍ من العزم، وكثيرٍ من الضجيج، لكن أيضاً بمزيدٍ من النجاح حتى لو كان لدرجةٍ محدودة. ويبدو أنَّ الأوروبيين، وغيرهم الكثير، بدأوا في تعلم متى يجدر بهم تلافي الرد على تغريداته".
وأضافت داجيفسكي: "لكن ينبغي لترامب أيضاً أن يُقدِّم تفسيراً توضيحياً لخطاب أميركا أولاً. في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتخذ ترامب توجهاً أقل حدةً، كما فعل منذ ذلك الحين، قائلاً إنَّه يتوقع من كل بلد أن يضع مصالحه أولاً. يحظى أولئك الذين يدافعون عن مصالحهم بالاحترام؛ على عكس من يتخذون موقفاً سلبياً".
ورأت الكاتبة أنه سيكون من الخطأ اعتبار ترامب انعزالياً بشكل كامل، كذلك توقُع ألا يكون مكان له بين زعماء دافوس، وكأي "رجل كبيرة وكأي مُتفاخرٍ مُلتَفِتٍ لمصالحه، ومثل أي رجل أعمالٍ مُتبصِّر، من المُتوقَّع أن ينسجم ترامب بينهم تماماً".