يحكي كتاب "The Monk of Mokha"، ويعني بالعربية "راهب المخا"، قصةً واقعيةً لشاب أميركي يمني مسلم، استطاع بطموحه تحقيق حلمه رغم الصعوبات التي واجهها في حياته، وأكثرها خطورة كانت رحلة خروجه من اليمن بعد اندلاع الحرب.
تمكن الكاتب الأميركي "ديف إيغرز" أن يجمع بين التاريخ والسياسة والسيرة الذاتية والدراما واليأس والأمل في هذا الكتاب، الذي يبلغ عدد صفحاته 352 صفحة، كُتبت بالإنكليزية، ومن المقرر صدوره يوم 30 من يناير/كانون الثاني 2018، عن مجموعة "Knopf" لدور النشر.
مهلاً.. من المؤلف؟
ينضم هذا الكتاب إلى العشرة كتب السابقة للكاتب "ديف إيغرز"، عضو الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب، ومن أبرز أعماله كتاب "A Hologram for the King"، الذي وصل للقائمة النهائية لترشيحات جائزة الكتاب الوطني الأميركية عام 2012.
وأيضاً كتاب "What Is The What" الفائز بجائزة مسابقة دائرة نقاد الكتاب الوطنية عام 2006، وجائزة بريكس ميديسيس الفرنسية عام 2009، وكتاب "The Circle" الصادر عام 2013، الذي تحوّل إلى فيلم يحمل نفس العنوان صدر عام 2017، وأدى بطولته الممثلة الإنكليزية إيما واتسون، والممثل الأميركي توم هانكس.
كما يعد إيغر" مؤسس شركة مسويني للنشر، الموزعة لسلسلة كتب صوت الشهود، التي تستخدم التاريخ الشفهي لإلقاء الضوء على أزمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
الكتاب يعرض أزمة مختار منطلقاً من بدايات حياته
مختار الخنشلي شاب أميركي مسلم من أصول يمنية، ولد في الرابع من يونيو/حزيران عام 1988، ونشأ في حي تندرلوين في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية بين سبعة أشقاء، وعمل خلال دراسته عامل أمن في مبنى سكني شاهق يُدعى Infinity، ولم يكن قادراً على سداد تكاليف دراسته الجامعية.
عقب إنهائه الدراسة عمل "الخنشلي" مع بعض المنظمات الحقوقية والمدنية، منها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، وطُلب منه في عدة مناسبات المشاركة مع مدينة سان فرانسيسكو في العمل على مبادرات تتعلق بالحريات المدنية.
أسس الخنشلي عام 2014، شركة "Port of Mokha" لتجارة القهوة في سان فرانسيسكو، وأثناء تواجده في اليمن عام 2015، اندلعت الحرب، ومن هنا بدأت محاولاته للخروج بسلام من الأراضي اليمنية.
ما علاقة الخنشلي بالقهوة؟
ترجع بداية العلاقة إلى عام 2013، عندما رأى مختار الخنشلي تمثالاً لرجل يحتسي القهوة، واتّضح فيما بعد أن التمثال يرمز لقهوة "Hills Bros. Coffee"، وهي علامة مسجلة في مدينة سان فرانسيسكو.
أخذ يبحث بعدها عن تاريخ القهوة، فتعرّف على التاريخ الغني للقهوة اليمنية، واكتشف أن زراعة القهوة بدأت في اليمن، وأن ميناء المخا اليمني كان مركزاً عالمياً لتجارة البن، ولذلك قرر أن يتعمَّق أكثر ويعرف كيفية زراعة حبوب القهوة، وتحميصها من أجل استيرادها إلى أميركا.
سافر "الخنشلي" إلى اليمن، وزار العديد من المناطق اليمنية التي تُزرع فيها القهوة، والتقى بالمزارعين هناك، وخطّط معهم لتحسين جودة المحاصيل ليتمكن من استيرادها إلى الولايات المتحدة الأميركية.
الحرب تشتعل وطرق الخروج مُغلقة
بينما كان الخنشلي في اليمن يخطط لاستيراد البن اليمني إلى أميركا، تفاجأ بزحف الحوثيين إلى شمالي البلاد، وهو ما ترتّب عليه وقوع الهجمات السعودية على صنعاء، في 27 مارس/آذار 2015.
نتج عن ذلك اقتراب الموت منه، فأثناء تواجده في اليمن بدأت السعودية في إلقاء القنابل الأميركية الصنع على اليمن؛ بغرض القضاء على المتمردين الحوثيين، مما جعل الخنشلي يقرر مغادرة اليمن؛ حفاظاً على حياته، إلا أن المطارات كانت قد دُمرت، والطرق أصبحت غير آمنة.
الخارجية الأميركية تلقي باللوم على المتواجدين في اليمن
تواصل الخنشلي مع الخارجية الأميركية والسفارات الأميركية في البلدان المحيطة؛ من أجل توفير طريق آمن للخروج من اليمن، إلا أن الرد جاءه بأنه لا توجد أي عمليات إجلاء للمواطنين الأميركيين في ذاك الوقت، وأن اليمنيين الأميركيين لا بد أن يبقوا في أماكن آمنة إلى أن يتمكنوا من المغادرة.
كان القرار الأميركي يتمثل في ترك المواطنين الأميركيين عالقين في اليمن؛ خشية تسلل بعض الإرهابيين في وسطهم أثناء عملية الإجلاء، وألقى المتحدث باسم وزارة الخارجية "جيف راثكي" باللوم على المواطنين الأميركيين الذين تواجدوا في اليمن، على الرغم من تحذير وزارة الخارجية لهم من السفر إلى هناك منذ ما يزيد عن 15 عاماً.
الموت يقترب أكثر ولكن مختار ليس خائفاً
سيطرت أجواء الحرب على المشهد، فكانت الحرائق منتشرة في أرجاء المدينة، والمنازل تهتز من وقع الانفجارات، كما امتلأت السماء بالصواريخ الحوثية المضادة للطائرات؛ لأن القنابل السعودية كانت تستهدف الأماكن العسكرية التابعة للحوثيين.
توجّه مختار في أحد الأيام إلى المسجد بعد سماع أذان الفجر، وقرر البقاء فيه مع عشرات المدنيين إلى حين بزوغ الشمس، وأثناء دعاء الإمام كان كل ما يخطر في باله أن الموت أصبح قاب قوسين أو أدنى، وأنه لو كان فكر في استيراد القهوة قبل عام مضى، لكان بعيداً عن كل هذه القنابل، وبعد أن هدأت القنابل وأشرقت الشمس، غادر مختار ومن معه المسجد، ولكن المثير للانتباه أنه لم يعد خائفاً من الموت بعد كل ما مر به.
ذهب مختار بعدها مع صديقه أندرو إلى وكيل السفر من أجل شراء تذكرتي طيران لمغادرة صنعاء، إلا أن الوكيل أبلغهما أن الهجمات قد حطمت المطار، وأن المنطقة أصبحت منطقة حظر جوي، وكذلك أُوقفت جميع الأنشطة البحرية.
المحطة الأخيرة ومنفذ الهروب الوحيد
علم مختار عبر الإنترنت أن هناك سفناً تغادر بانتظام من ميناء المخا، وهنا قرر المغادرة بحراً، فقطع بصحبة صديقه أندرو الطريق إلى هناك في 7 ساعات، واجتازا معاً تضاريس صعبة، ونقاط تفتيش حوثية، إلى أن وصلا إلى الميناء ومعهما حقائب بها عينات من القهوة الغالية الثمن، ولكن كان عليهما البقاء لعدة أيام في فندق قديم بتكلفة باهظة.
اتفق مختار وأندرو مع أحد الأشخاص من أجل توفير مكانين لهما على إحدى سفن الشحن المتجهة إلى الصومال، إلا أن الوقود نفد، ولم يعرف أحد متى ستغادر السفينة، وحينئذٍ عرض الشخص عليهما أن تكون وسيلتهما للمغادرة قارب صغير يمكنه إيصالهما إلى جيبوتي، في مدة تتراوح من 5 إلى 6 ساعات.
كانت مواصفات القارب الذي أوجده هذا الشخص اليمني ليغادر على متنه مختار وصديقه، أقل من المطلوب بكثير، إلا أنهما لم يكن أمامهما بديل، فخزن الصديقان القهوة في القارب وركبا استعداداً للمغادرة، لكن الهواجس لم تتركهما، فكانا يخشيان من انقلاب القارب، أو مهاجمته من جانب السعوديين أو الحوثيين، أو حتى قراصنة الصومال.
فاتفقا مع صديقين يمنيين على أنهما إن لم يتصلا بهما بعد مرور وقت معين فهذا يعني أنهما في خطر، وأن قبطان القارب قد باعهما للقراصنة، وفي هذه الحالة يجب أن يختطفا أقارب القبطان، وفي آخر لحظة قبل الانطلاق، صعد صبي وفتاة على متن القارب من أجل أن يوصلهما القبطان إلى والدهما في جيبوتي، وبعد بضعة أيام من الاحتجاز في جيبوتي، قابل الصديقان مسؤولاً محلياً، وغادرا بعد ذلك إلى الولايات المتحدة بمساعدة من السفارة الأميركية.
القصة جذبت المؤلف بعد لقاء عابر جمعه ببطلها
كان اللقاء الأول بين ديف إيغرز مؤلف الكتاب، ومختار الخنشلي في ربيع عام 2015، وذلك في مقر شركة "Blue Bottle Coffee" لتحميص القهوة في مدينة أوكلاند التابعة لولاية كاليفورنيا الأميركية.
وعندما استمع إيغرز إلى قصة مختار انجذب إليها، وأجرى بعض الأبحاث لتكوين ملامح لقصة جديدة تتحدث عن طموحات مختار، رغم نشأته في حي تندرلوين الفقير بمدينة سان فرانسيسكو، وتمثلت النتيجة في الكتاب المرتقب صدوره.